تثير قضية “الحشمة في الكنيسة” الكثير من الجدل في الشارع القبطي. لا سيما في موسم الأفراح الذي ينطلق عقب عيد الميلاد المجيد. حيث تتجدد تعليمات الأساقفة سنويًا من أجل ما يطلق عليه “ضبط الملابس بشأن حضور الأكاليل والمناسبات الكنسية”.

وكان الأنبا بولا -مطران طنطا- آخر المنضمين لقائمة الأساقفة المطالبين بالضبط بعد أن أصدر بيانًا حمل الرقم 7 لعام 2022 بشأن الملابس الكنسية. إذ قرر المطران إلزام الكنائس التابعة له بتقديم عظات وجرعات تعليمية مكثفة عن الاحتشام وتطبيق وصايا الإنجيل عبر العظات المقدمة في اجتماعات الشباب والخريجين والخدام جميع مراحل التربية. بالإضافة إلى عمل نبذات مطبوعة بصفة دورية فى هذا الشأن مدعمة بآيات الكتاب وأقوال الآباء.

كذلك فإن الأنبا بولا أمر بفرض غطاء الرأس خلال حضور القداس الإلهي مع منع الشباب من دخول الكنيسة ببنطلون ممزق أو شورت. وذلك إلزام العروسين بدفع 2000 جنيه كتأمين لا يسترد حال تجاوز تعليمات الاحتشام. سواء من العروسين أو من المدعوين. بالإضافة إلى تعيين أمن نسائي للتأكد من سريان تلك التعليمات. ثم التهديد بإيقاف الخادمات عن الخدمة الكنسية حال المخالفة.

تعليمات الأنبا بولا لا تختلف كثيرا عما يفرضه الأنبا بنيامين -مطران المنوفية- منذ سنوات طويلة على الأفراح. إذ يلزم العروسين بالملابس المحتشمة. بالإضافة إلى الالتزام بحجز قاعة الكنيسة حال الرغبة في استقبال المعزومين بعد الإكليل. إلا أن هذه القاعة التي تقع داخل الكنيسة لا تشغل إلا الترانيم الروحية. مع دفع مبلغ تأمين ألفي جنيه لا يسترد حال عقد ليلة حنة أو تشغيل الدي جي. إذ يرى أن تلك الأفعال “لا تليق بسر الزواج المقدس أحد أسرار الكنيسة السبعة”.

الكنيسة وقانون الملابس غير اللائقة

في المقابل فإن البابا تواضروس الثاني -بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية- أكد من قبل في رده على سؤال بهذا الشأن: لا يوجد قانون لمنع الملابس “غير اللائقة” داخل الكنيسة. والإنسان يجب أن يخشى الله دون قانون. وقال: “الإنسان من نفسه”.

التباين بين مواقف البابا والأساقفة يطرح سؤالا حول مفهوم “الحشمة” في الكنيسة. حيث غالبا ما تستخدم الآية “بِبَيْتِكَ تَلِيقُ الْقَدَاسَةُ يَا رَبُّ إِلَى طُولِ الأَيَّامِ”. وحتى تلك الآية التى يستخدمها مؤيدو القرار للاصطفاف خلف أساقفة “الاحتشام” الذين يرون القداسة فى الملبس. فإن المعارضين يعتبرون أن جوهر تعاليم المسيحية هى لياقة العقل والقلب والروح وليس المظهر الخارجى.

ويرجع الكاتب بيشوي القمص لجوء الأساقفة إلى تلك التعاليم إلى التأثر بالثقافة الإسلامية في مفهوم الحشمة. مؤكدا أن السنوات التى سبقت دخول العرب مصر كان الأقباط رجالا ونساء يتجاورون في مقاعد الكنيسة. لكن بدأ الفصل بين الجنسين بعد ذلك وهو نفس الأمر الذى تكرر في تفسير قضية الاحتشام كنسيًا. فرجال الكنيسة لا يرغبون في سماع لوم اجتماعي من المسلمين. وهو ما قاله الأنبا بيشوي -مطران كفر الشيخ الراحل- حين قال: “انظروا إلى حشمة المسلمات وتمثلن بهن”.

ولفت بيشوي القمص إلى أن بيان مطران طنطا على سبيل المثال يتجاوز الاحتشام داخل الكنيسة إلى الرغبة في نشر تلك الثقافة خارج أسوار الكنيسة عبر التعاليم والعظات الكنسية. ما يعكس رؤيته المحافظة التي يطمح أن تسود بين الأقباط.

الكنيسة ليست جابي ضرائب

بينما أشار ماركو الأمين -الباحث المتخصص في الشؤون الكنسية- إلى أن كل مكان يفرض كودا للملابس. وهو أمر طبيعي. منتقدا فرض غرامات على غير الملتزمين بأكواد الملابس أو التعاليم الدينية. وأكد أن المسيح لم يأت جابيًا للضرائب بل هاديا للبشر.

وأوضح “الأمين” أن المسيحية “لا تعرف الحرام والحلال بل اللائق وغير اللائق”. مشيرا إلى إن الكنيسة لا بد أن تؤسس تعاليمها بشكل يتيح للفرد اختيار ملابسه بشكل لائق دون فرض غرامات أو إصدار بيانات أو التهديد بالإيقاف من الخدمة.

واستكمل: على الأساقفة أن يلعبوا أدوارهم في التعليم الكنسي بالإقناع والحجة والدليل اللاهوتي والفكر الروحي دون أن يصبح فرض الغرامات هو البديل الأسهل لنشر تعاليم صحيحة تقنع شباب الأقباط. فالكنيسة ليست مؤسسة سياسية أو قانونية لكي تتعامل مع شعبها من خلال فرض غرامات على المخالفين.

وقارن “الأمين” بين ما كان يجري في الماضي وتلك الأفكار الحديثة. مؤكدا أن الكنائس لم تعرف من قبل فرض غرامات. لكن منذ بداية عصر التبشير الغربي في مصر بدأت الكنيسة القبطية تعرف الأفكار الراديكالية. كعدم الخروج عن الآداب الكنسية. وكان يتم عقاب المخطئ بعقوبات روحية بينها الحرمان الكنسي.

تلك الواقعة ليست الأولى فى الكنيسة القبطية. بل كان للأنبا يؤانس -أسقف أسيوط- أزمة مشابهة حين منع الفتيات من دخول قداسات الإكليل أو نصف الإكليل بملابس غير محتشمة فى الكنيسة. وأمر بتفصيل “بورنس” للحشمة ترتديه الفتاة قبل دخولها الكنيسة. وهو ما أثار أزمة في إيبراشيته بأسيوط. حيث اعتبر الكثير من الأهالي أن إجبار فتياتهن على ارتداء مثل تلك الملابس “إهانة شخصية” لهم. الأمر الذي دفع الكنيسة لمراجعة القرار مرة أخرى بعد صعوبة تطبيقه بسبب معارضة الفتيات والأهالي معا لمثل تلك الممارسات.

وفي صيف عام 2019 انطلقت حملة تبناها القس غبريال محب -كاهن كنيسة العذراء بدماريس بالمنيا- تسمى “بنت الملك”. وشعارها “بنت الملك لا ترتدى إلا ملابس الملوك”. يدعو بنات الكنيسة من خلالها إلى ارتداء ملابس طويلة بأكمام كاملة ومحتشمة خلال فصل الصيف. وهى الحملة التى تقبلتها بنات كنيسته بالمنيا باعتبارهن ينتمين لمجتمع محافظ في صعيد مصر. وقد أعرب عن سعادته باستجابة الفتيات لتلك الحملة.