تسعى الدولة بخطوات جادة كي يحيا المواطن المصري حياة كريمة، في ظل الجمهورية الجديدة. فهل لنا أن نأمل في أن ينعم جميع المواطنين بدفنة كريمة أيضًا؟

تركيزي في هذا السؤال على “جميع المواطنين“. فقد أدهشني قرار المحكمة الإدارية في الإسكندرية بتاريخ 27 ديسمبر 2021، برفض الدعوى المقدمة من قبل بعض الأسر المصرية البهائية المقيمة في الإسكندرية، لإلزام المحافظة بتخصيص قطعة أرض لدفن موتاهم!

وقد يتذكر القارئ أنه في 2009 قد حكمت محكمة قضايا الدولة أن تُكتب (-) قرين خانة الديانة في جميع الأوراق الثبوتية لأتباع الدين البهائي من المواطنين المصريين. وقبل 2005 كانت شهادات الميلاد والبطاقات الورقية يكتب فيها الموظف المختص البيانات التي يمليها عليه صاحب الشأن.

وبعد مشروع الرقم القومي، عندما بدأت الحكومة برقمنة الأوراق الثبوتية وإصدار الرقم القومي، لم يكن هناك وسيلة لاستخراج أوراق ثبوتية للبهائيين. وذلك لأن الكميوتر الذي تسجل عليه بيانات خانة الديانة كان يقبل فقط أن يكون الديانة مسلم مسيحي أو يهودي.

وبعد اللجوء للقضاء الإداري حكمت المحكمة بوضع (-) في خانة الديانة للبهائيين وغيرهم ممن لا يدينون بتلك الأديان الثلاثة. ولكن وجود (-) خلق فصيل رابع غير مذكور في الدستور ويجب الآن تقنين هذا الوضع بشكل كامل، حتى يستطيع هؤلاء المواطنين أن يعيشوا كأقرانهم.

أصدرت إحدى المنظمات الحقوقية في مصر مقترحات تنفيذية وتشريعية ودستورية تسعى لتقنين أوضاع من لا يدينون بالديانات الثلاث المذكورة في الدستور. وهذه المقترحات كانت محل تقدير من بعض مستشاري وزير العدل. لكنها لا تزال تحت الدراسة، ولم توضع في حيز التنفيذ.

بدون إعمال هذه المقترحات، يواجه من لا يؤمن بالإسلام أو المسيحية أو اليهودية في مصر تحديات مدنية عديدة. وقد أصبح تخصيص أرض لدفن موتاهم هو التحدي الأكثر إلحاحًا في هذه الفترة. وذلك لأن الأرض الوحيدة المخصصة لدفن البهائيين -على وجه المثال- قد أوشكت على الامتلاء كونها الملاذ الوحيد على مدار العقود الثمانية الماضية منذ تخصيص هذه الأرض من قبل الدولة في القاهرة في أربعينيات القرن الماضي. هذا بالاضافة إلى المعاناة التي يلاقيها هؤلاء في المحافظات لنقل جثمان فقيدهم للمكان الوحيد الذي يمكنهم أن يدفنوا فيه موتاهم بالقاهرة.

لا شك أن النية التي أعلنتها الدولة لتأسييس قواعد الحياة الكريمة لكل المصريين هي محل إعجاب وتقدير من الجميع. وبالتأكيد تكثيف الجهود لتحقيق هذه النية سيكلل بالنجاح، شأنه شأن جميع الأعمال العظيمة التي قامت بها الدولة؛ كبناء العاصمة الإدارية الجديدة، وإنشاء العديد من المدن والطرق والكباري، وتشييد كم هائل من مشاريع الطاقة والثروة الغذائية، وإزالة العشوائيات، ومبادرات 100 مليون صحة، وغيرها من تلك المشاريع الحيوية العملاقة، التي هي محل فخر واعتزاز لكل مواطن مصري.

من المأمول أن تنقل هذه الجهود مصرنا الحبيبة نقلة نوعية تجعلها من أكثر البلاد تقدمًا ورخاءً، كما يشار إلى ذلك في عدة تقارير عالمية. وكما صرّح الرئيس عبد الفتاح السيسي، فإن كل هذه الخيرات التي ستجنيها مصر ستعود على جميع المواطنين -بغض النظر عن دينهم ومعتقداتهم- بالنفع والخير. ومن ثم لا يمكن أن يكون هناك تمييز في إعطاء الحقوق أو توزيع الواجبات بين مواطني البلد الواحد.

إن مبادئ الجمهورية الجديدة التي تكفل للمواطن المصري حياة كريمة، يجب أن تكون نصب أعين الجميع، وأن نتمسك بها في كل وقت وفي كل موقف. وأهم هذه المبادئ هو مبدأ المواطنة الذي به يتحقق الحفاظ على كرامة الإنسان ونبله منذ بدء ميلاده وحتى مماته ودفنه.

إن هذا المبدأ الأساسي معروف للمصريين على مر العصور والأزمان. وهو مبدأ أكدت عليه كل الأديان. فكيف لا يُسمح في هذا العصر لأي مواطن بغض النظر عن معتقده أن يدفن موتاه دفنة كريمة؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حاتم الهادي المنسق الإعلامي للبهائيين في مصر