قبل أيام، وافق مجلس الوزراء على مد فترة توفيق أوضاع منظمات المجتمع المدني لعام آخر، ينتهي في 11 يناير 2023 بدلاً من 2022 المنصوص عليها بالمادة الثانية من قانون الجمعيات الأهلية رقم 149 لسنة 2019. وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي أعلن 2022 عامًا للمجتمع المدني، الذي وصفه بـ”الشريك الأساسي في تعزيز عملية حقوق الإنسان بالبلاد”. إلا أن هذا القرار الأخير وإن اعتبره البعض محمودًا، ينظر إليه آخرون باعتباره لا يقدم جديدًا في الأزمة الأساسية. وهي تتعلق بمدى ملاءمة القانون لحرية العمل المدني والأهلي في مصر.
وينص الدستور في مادته 75 على أن “للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطي. وتكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار. وتمارس نشاطها بحرية. ولا يجوز للجهات الإدارية التدخل في شئونها، أو حلها أو حل مجالس إداراتها أو مجالس أمنائها إلا بحكم قضائي”.
الأزمة في قانون الجمعيات الأهلية.. لا في مهلة توفيق الأوضاع
تقول ماجدة عدلي، مديرة مركز النديم لدعم ضحايا العنف، إنه من الجيد مد المهلة المحددة لتقنين أوضاع الجمعيات والمنظمات التي توافق على القانون. إلا أن الأزمة الحقيقية تكمن في مدى إتاحة القانون ولائحته التنفيذية حرية العمل المدني والأهلي. وبالأخص العمل الحقوقي بمجالاته المتعددة.
وترى مديرة مركز النديم قيودًا عدة في قانون الجمعيات الجديد تمنع حرية العمل الأهلي. ذلك من حيث انطلاقته واستدامته في المدى الزمني 6 أشهر أو عام. وهي توضح أن مواد القانون تحدد مجالات النشاط وفقًا للخطة التنموية للدولة. وتقول إن خطة التنمية ليست في أولويتها حرية الرأي والتعبير. وهنا، تظهر أزمتنا الحقيقية، على حد قولها.
وتؤكد عادلي، في تصريحاتها لـ “مصر 360″، أن القانون بشكله الحالي يجعل المنظمات الأهلية مجرد جهات تابعة للدولة. فيلزمها خطته لسد الاحتياجات الأساسية للمواطن، وعلى رأسها التعليم والصحة مثلاً. وهي أزمات تحتاج الدولة لبديل عنها يتصدر حلها.
وعلى الرغم من أنها ملفات ذات أولوية قصوى، إلا أن العاملون بالمجتمع المدني يرغبون في المقابل بإتاحة الحق في التعبير والتظاهر السلمي. وهما من حقوق الإنسان. فهل هذا القانون سيتيح ذلك وهل هناك مجال للعمل في هذا الشأن؟ تتساءل عدلي.
القانون لا يحفظ استدامة الجمعيات الأهلية
وتنص المادة 14 من القانون على “تعمل الجمعيات في مجالات تنمية المجتمع المحددة في نظامها الأساسي دون غيرها. وذلك مع مراعاة خطط الدولة التنموية واحتياجات المجتمع”.
تشير مديرة مركز النديم إلى مئات هم قيد الاحتجاز بسبب التعبير عن الرأي. بالإضافة إلى عدد لا بأس به من الصحفيين. وتقول: ما زلنا في مأزق يخص الحريات، وبالتبعية فلا أولوية حاليًا أهم من المجالات الحقوقية. أنا مهتمة بالدفاع عن ضحايا العنف، وأعمل به منذ سنوات وسأظل. كيف للخطة التنموية التي يلزمنا بها القانون أن تضمن لنا استدامة مجال عملنا إن تغيرت. لدينا أزمة فيما يخص استدامة العمل الأهلي.
وتلفت عادلي أيضًا إلى نص القانون في مادة 15. “يحظر على الجمعيات القيام بإجراء استطلاعات الرأي أو نشر أو إتاحة نتائجها أو إجراء الأبحاث الميدانية أو عرض نتائجها قبل موافقة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء للتأكد من سلامتها وحيادها وتعلقها بنشاط الجمعية”. بينما تتساءل: “أين هي الحرية هنا مع هذه المادة من القانون؟ وأين عام المجتمع المدني؟ ما تزال المفاهيم مختلفة بيننا وبين هذا القانون حول الحرية المجتمعية والعامة”.
تجربة توفيق الأوضاع.. البيروقراطية القاتلة
استجاب حسام علي، مدير المعهد الديمقراطي المصري، للقانون الجديد بصيغته الحالية. بينما قرر خوض تجربة توفيق الأوضاع المنظمة وفقًا للتعديلات التي أدخلت على هذا القانون. لكنه اصطدم ببيروقراطية تعيق استمراره في عمله.
يقول في تصريحات لـ “مصر 360″، إن مد المهلة المقررة لتوفيق أوضاع الجمعيات لعام آخر سببها الرئيسي أن هناك حوالي 10% من الجمعيات أو نسبة أقل فقط التي تمكنت من توفيق أوضاعها. ذلك بفعل البيروقراطية في تسيير الإجراءات، وفترات الغلق التي فرضتها جائحة كورونا. موضحًا أنه لتوفيق أوضاع كافة الجمعيات لابد أن تتقدم من 3 إلى 5 آلاف جمعية شهريًا.
ولا يرى “علي” أزمة في المدة بقدر ضرورة تسهيل الإجراءات الإلكترونية. بالإضافة إلى توفير شرح مبسط لكيفية تفعيل التقديم إلكترونيًا، تيسيرًا على المنظمات.
وقد اشترطت تعديلات القانون الجديد وجود 5 أمناء في مجلس الإدارة. وتقدم مدير المعهد الديمقراطي بما يثبت ذلك في أوراق تقنين أوضاعه. لكنه لا يزال ينتظر الرد الذي طال لفترة 4 أشهر، رغم ما نص عليه القانون من 60 يومًا، على حد قوله.
وينظر “علي” إلى المناخ العام الحالي على أنه السبب في عزوف المنظمات عن المشاركة في العمل المدني أو الأهلي. ويقول: “قضية التمويل الأجنبي مثلًا استمرت 10 سنوات، وبعد إغلاقها لم يشعر العاملين بمردود القرار”.
30 ألف جمعية تمكنت من “توفيق الأوضاع”
يشيد عصام شيحة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، بقرار مد مهلة توفيق الأوضاع. ويقول إن الدولة كانت “سباقة باتخاذه على اعتبار أن أغلب منظمات المدني كانت تناشد بمد المدة لأن المنظومة الإليكترونية تأخرت قليلًا”. بينما يلفت إلى 30 ألف جمعية من أصل 55 تمكنت من توفيق أوضاعها. وهو يرجع أسباب عدم توفيق كل الجمعيات أوضاعها إلى أسباب متعددة، منها تأخر المنظومة أو عدم الخبرة في التعامل.
يضيف شيحة أن عدد كبير من تلك الجمعيات في القرى والنجوع يقوم بدور مهم للغاية. وأنه إدراكًا من الحكومة لذلك الدور تمت الاستجابة لطلبات المد ولعام كامل. لافتًا إلى وجود جسور من التواصل بين المجتمع المدني والدولة في الوقت الراهن. وهي جسور مبنية على إدراك الدولة لضرورة تيسير وتنظيم عمل تلك الجمعيات وليس التضييق عليها، على حد قوله.
تساؤلات قانونية
ترى الكاتبة والباحثة القانونية واستشاري العدالة الجنائية للأطفال، رانية فهمي، أن القانون 194 لسنة 2019 لتنظيم ممارسة العمل الأهلي تفادى أهم المعوقات أمام العمل الأهلي. وهي معوقات شابت القانون السابق رقم 70 لسنة 2017. إلا أنها تشير إلى لائحة القانون التنفيذية، وما أثارته من تساؤلات وتحفظات، كالمادة 14 من القانون و27 من اللائحة حول مجالات تنمية المجتمع التي تتوافق مع خطط الدولة التنموية واحتياجات المجتمع.
وقد أصدرت وزارة التضامن نموذجًا استرشاديًا بهذه المجالات في وقت لاحق على إصدار اللائحة. بينما كان الأحرى أن يُرفق كملحق لها حين صدورها، على حد قول “فهمي”، التي تشير كذلك إلى عدم إرفاق نماذج استرشادية مهمة مثل لائحة النظام الداخلي المنظمة الأمور المالية والإدارية للجمعية.
كذلك، تلفت “فهمي” إلى حظر ممارسة أنشطة من شأنها الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة أو الوحدة الوطنية أو الأمن القومي (فقرة د، مادة 15). وتقول في مقال عبر موقع “منشورات قانونية”، إن هذه العبارات فضفاضة وغير محددة، ويُخشى أن يُترك تفسيرها لتقدير موظفي الجهة الإدارية أو سلطات الدولة، فتجد الجمعيات نفسها واقعة تحت طائلة القانون وعُرضة لتوقيع العقوبات عليها.
وفيما يخص ممارسة الجمعية لأي أنشطة بالمناطق الحدودية التي يصدر بتحديدها قرار من رئيس مجلس الوزراء بعد استيفاء المستندات المطلوبة وموافقة وزارة التضامن بعد أخذ رأي المحافظ المختص وموافقة الجهات المعنية، وتضمنتها (مادة 14 من القانون و28 من اللائحة)، تتساءل “فهمي”: هل صدر قرار من رئيس مجلس الوزراء بتحديد هذه الأنشطة؟
أزمة أخرى بقانون الجمعيات الأهلية
أيضًا، تشير الباحثة القانونية إلى أن القانون قد حظر على الجمعيات إجراء استطلاعات الرأي أو نشر أو إتاحة نتائجها أو إجراء بحوث ميدانية أو عرض نتائجها دون الرجوع للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء للتأكد من سلامتها وحيادها وتعلقها بنشاط الجمعية، وإلا تعرضت الجمعية لعقوبات مالية باهظة.
هنا، توضح أن هذا الإجراء يمكن أن يعيق عمل الجمعيات. ذلك لأنه يمس أساس عملها القائم على البحوث الميدانية لمعرفة احتياجات الفئة المستهدفة أو لقياس أثر البرامج التي تنفذها بها الجمعيات على المستفيدين. خاصة وأن الجمعيات تخضع لرقابة الجهة الإدارية (وزارة التضامن).
وفي حين أن القانون كان واضحًا في عاقبة عدم توفيق الأوضاع لكل كيانات العمل الأهلي المسجلة بوزارة التضامن أو غير المقيدة (المادة 2 من مواد الإصدار)، جاءت المادة 13 من اللائحة لتشير فقط للجزاء على الكيانات غير المقيدة، باللجوء إلى محكمة القضاء الإداري المختصة لإصدار حكم بحل هذا الكيان على وجه السرعة.
وترى “فهمي” في عبارة “إلغاء الترخيص أو التصريح الصادر للكيانات غير الخاضعة للقانون” مثيرًا للقلق البالغ لتلك المنشآت التي تض إدارات مختلفة للعمل الأهلي. ذلك لأن نص المادة يعني إلغاء الترخيص للكيان كله وليس للإدارة المعنية بالعمل الأهلي فقط.
وتختم “فهمي” بأن الأزمة كبيرة في لائحة القانون. إذ بما أنها هي خارطة الطريق والمفسرة للقانون، كان يجب تضمين نصوص القانون فيها تيسيرًا ولمنع الخلط والالتباس لدى العاملين في المجال الأهلي.