من غير المجدي أن نتسائل لماذا لم تحتل جريمة مقتل روان الحسيني (21 عاما)، بطلة العالم السابقة في كرة السرعة ومدربة الناشئين بنادي دسوق الرياضي، موقعها المناسب في ظل فوضى “التريندات” التي يموج بها الإنترنت. فمن نافلة القول إن حركة الرأي العام ليست دائما تلقائية أو عفوية. خصوصا في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تتحكم في تدفقها صفحات وحسابات حقيقية ومزيفة ولجان إلكترونية تمثل النقيض الكامل للعفوية.

كما لا أحب أن أفكر في أن أحد أسباب عدم حصول جريمة مقتل الفتاة الواعدة على ما تستحق من اهتمام، هو تكرار الحوادث البشعة في الشارع/المجتمع المصري، بوتيرة قد تؤدي إلى انطباق قانون الندرة على مثل تلك الجرائم. أي أنه كلما زدات تلك الجرائم ولم تعد حدثا نادرا، كلما تحول ضحاياها من أرواح إلى أرقام.

وإذا كنا شهدنا رؤي العين جريمة قطع رأس مواطن في أحد شوارع الإسماعيلية، فمن غير المستغرب أن يّنظر  إلى مقتل روان كواحدة من حوادث السرقة بالإكراه التي ليس لها ما يميزها سوى أن ضحيتها المسكينة بطلة رياضية شابة فقدت حياتها وفقدها أهلها ومجتمعها وبلدها، وفقدها الناشؤون الذين كانت تدربهم في تلك المدينة البعيدة عن العاصمة.

لكن ربما ما ينبغي الالتفات إليه، هو ما ورد في بيانات القاتل، وتكرر في العديد من الحوادث المماثلة. فوفقًا للتقارير الصحفية؛ قاتل روان مسجل خطر، سبق اتهامه في 17 قضية مختلفة، تتراوح بين البلطجة، والسرقة، والاتجار في المواد المخدرة. وهو خارج من السجن منذ فترة غير طويلة، ولمروره بضائقة مالية قرر سرقة روان -التي وضعها حظها العثر في طريقه- بالإكراه، واقتادها إلى داخل بناية واستولى على مالها -القليل- وهاتفها وقرطها، ثم قرر قتلها كي لا تكشف أمره.

ولنعد إلى ما قبل أقل من عامين، في حادثة “مريم” ضحية “ميكروباص المعادي”. وقد حاول متهمان سرقة حقيبتها ثم دهساها بسيارتهما ما أدى إلى مصرعها. وقد تبين أن المتهمين، وآخر عاونهما، هم جميعا من المسجلين خطر سرقة بالإكراه.

وكذلك كان حال المسجل خطر “م.ن.غ” في محافظة قنا، الذي اكتشفت الشرطة بعد مصرعه في تبادل إطلاق نار مع القوات، أنه قد قتل زوجتيه وابنته منذ شهور ودفنهما بالمنزل. كما تم الكشف عن أنه كان هاربا محكومًا عليه في 17 جناية إعدام قتل عمد» و11 عاما سجنا مؤبدا و34 عامًا سجنا قضايا متنوعة.

بسهولة شديدة، وببحث بسيط على الإنترنت أو صفحات الحوادث، يمكن رؤية أن العديد من المسجلين خطر أو من سبق اتهامهم في قضايا السرقة والبلطجة وغيرها، يقفون وراء العديد من الجرائم البشعة التي قد يحصد بعضها اهتمام الرأي العام، وتختفي أكثريتها في زحام الحوادث والقضايا.

ومن الدارج للغاية، إذا ما أوصلت المصادفة إحدى تلك القضايا إلى بؤرة اهتمام الرأي العام، أن تكتشف أن مرتكب الجريمة يحتوي سجله على عشرات الجرائم المماثلة، ما يجعلك تتسائل بالضرورة: لماذا كان هذا الشخص حرا في شوارعنا؟

إننا -إلى الآن على الأقل- لسنا من البلدان التي تطبق بدائل الحبس الاحتياطي. بل إن إحدى أهم قضايانا الحقوقية، هي محاولة تفريغ السجون وأماكن الاحتجاز من أصحاب الاتهامات غير الجرمية. على غرار السيدات الغارمات وأصحاب الغرامات والمخالفات البسيطة، ناهيك عن سجناء الرأي والكلمة. فلماذا، كلما قُتلت روان، وجدنا لدى قاتلها “سيرة ذاتية” إجرامية هائلة. ومع ذلك فإنها سيرة لم تمنعه من التجوال بيننا.