تحاول بعض الشركات الصناعية الكبرى، حاليًا، البحث عن مصادر جديدة للتوريد أو التصنيع بعيدًا عن الأسواق التقليدية في الصين والهند. بعد أزمة الشحن العالمية التي رفعت تكلفة نقل البضائع، وأفقدت تلك الأسواق ميزة رخص العمالة.

السوق المصرية بين الأسواق التي بدأت الاستفادة من تغيرات أفكار الشركات التجارية والصناعية، حاليًا. التي لا تبحث فقط عن البضائع منخفضة السعر ولكن الالتزام بالتوريد في توقيتات بعينها دون أي مخاطر تتعلق بالنقل أو الحاويات.

موسم أعياد الميلاد المنتهي غير من قناعات الكثير من الشركات العالمية بعدما كانت مكاتب الشحن غير قادرة على شحن المنتجات والهدايا. للوصول في الوقت المناسب بسبب المشكلة المستمرة لنقص حاويات الشحن التي حدثت لأول مرة عندما بدأ جائحة كورونا عام 2019.

قفزت صادرات قطاع السلع الهندسية والإلكترونية إلى 3 مليارات و387 مليون دولار خلال 2021. مقابل 2 مليار و315 مليون دولار 2020 بنسبة زيادة بلغت 46%. بسبب عدم نفاذية المنتج الصيني عالميا بسبب أزمات الشحن التي رفعت سعره.

الصناعات الهندسية تضم داخلها حزمة واسعة من المنتجات تتضمن وسائل النقل والأجهزة المنزلية والأجهزة الكهربائية وأجهزة الاتصالات. وصناعة الحاسبات والالكترونيات والأواني المنزلية والآلات والمعدات وتشكيل وتشغيل المعادن. الأثاث المعدني والأدوات الصحية والأجهزة الطبية غير دوائية والطاقة الجديدة والمتجددة والخدمات الهندسية للصناعة.

بحسب المجلس التصديري للصناعات الهندسية، فإن صادرات القطاع سترتفع بنسب تتراوح بين 20 و25% خلال العام الحالي. حال استمرار ارتفاع أسعار الشحن، وارتفاع أعباء المنتج الصيني خاصة مع ارتفاع أسعار النفط عالميًا، فبكين معروفة بأنها أكبر مستورد للنفط عالميًا.

مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد” يقول إنه حال استمرار ارتفاع أسعار الشحن حتى عام 2023. سيسبب ذلك قفزة بمستويات أسعار الواردات العالمية بنسبة 10.6% ومستويات الأسعار على المستهلكين بنسبة 1.5%.

وكانت توقعات وكالة بلومبرج أكثر تشاؤمًا إذ رجحت أن الأزمة قد تنتقل إلى العامين 2023. مشيرة إلى معاناة سلاسل التوريد العالمية من مستويات نقص تاريخية، بدءاً من المواد الخام مروراً بالسلع الغذائية وصولاً إلى السيارات.

على سبيل المثال، كان السعر الفوري لمؤشر شنغهاي للحاويات للشحن على طريق شنغهاي-أوروبا أقل من 1000 دولار لكل حاوية. مكافئة في يونيو 2020 ، وقفز إلى حوالي 4000 دولار لكل حاوية نمطية بنهاية 2020  ثم ارتفع إلى 7395 دولارًا بنهاية يوليو 2021.

إغراء عالمي

موقع مصر الجغرافي منحها أفضلية بالنسبة للشركات الأوروبية الساعية للبحث عن خطوط توريد قريبة. مثل شركة الأزياء الإيطالية يونايتد كلار أوف بينيتون التي تحدثت عن خطة للابتعاد بشكل متزايد عن سلاسل التوريد العالمية. ومراكز التصنيع منخفضة التكلفة في آسيا، بتقريب أماكن إنتاجها لتكون في مصر وتركيا وتونس.

تخطط الشركة إلى خفض إنتاجها من آسيا إلى النصف بنهاية العام الحالي. موضحة أن نقل البضائع من آسيا إلى أوروبا يستغرق في العادة 4 إلى 5 أشهر ارتفعت إلى 7 و8 أشهر بسبب نقص السفن وأزمات الشحن الحالية. لكن الإنتاج في مصر يقلل مواعيد الشحن إلى شهرين أو شهرين ونصف.

يفتح نقص أسعار الغاز الطبيعي عالميًا وتوافره بمصر حاليا بابا لاستقبال الصناعات التي تعتمد على الطاقة مثل الأسمدة. التي يعاني من نقصها العام أجمع حاليًا ما تسبب في ارتفاعه لأعلى مستوى خلال 10 سنوات حتى أنها  تجاوزت المعدل السائد خلال أزمة الغذاء العالمية عام 2008.

وتوقع بنك الاستثمار بلتون انتعاش صناعة الأسمدة في مصر الفترة المقبلة في ظل تنامي الطلب من الأسواق الأوروبية. التي تعاني أزمة طاقة قلصت من إنتاج الأسمدة بجانب هزات الإنتاج الصيني في إقليم هيبي بالصين. التي أدت لإغلاق عديد من المصانع من تارة لأخرى لمنع تفشي فيروس كورونا.

أمام مصر فرصة واعدة بذلك المجال في ظل امتلاكها اتفاقيات شراكة طولية مع شركات التنقيب. والتي تسمح فيها بحصولها على حصة أكبر من الإنتاج طوال مدة التعاقد مقابل الاستثمار في التطوير والتنقيب والاستخراج. خاصة أن عملية إنتاج الغاز الطبيعي تتطلب دراسات ومعدات وبنية أساسية قوية ومرتفعة التكلفة.

انضمام مصر إلى اتفاقيات الشراكة الإقليمية يخلق لها موقعا عالميا كلاعب رئيسي في تسييل الغاز الطبيعي. بالإضافة إلى إنتاجه وتصديره والتحول إلى مركز إقليمي في التعامل مع كل مراحل سلسلة القيمة للغاز الطبيعي. بعد مشروعات غرب وشرق المتوسط وتأسيس منظمة غاز شرق المتوسط بالقاهرة كمقر دولي.

 

فرص واعدة

يقف أمام احتلال مصر مكانة أفضل في سوق التصنيع العالمي غياب المعلومات عن طبيعة السوق والإنتاج والجودة وثمن الأراضي وتكلفة توصيل المرافق والجمارك على الآلات والمعدات. وكلها أساسيات يضعها المُصنِع في اعتباره حال رغبته أيضًا في الانتقال من مكان لأخر.

وعانى الاستثمار في مصر كثيرا من عدم الاستقرار الضريبي بتغيير مستمر للقوانين والمعاملات. لكن وزارة المالية تعهدت أخيرًا بعدم إضافة أعباء ضريبية جديدة وهندسة الإجراءات وتوحيدها وتبسيطها. وفقًا للمعايير الدولية، والتوسع في الحلول التكنولوجية؛ من أجل أنظمة ضريبية إلكترونية.

نادي عزام الخبير الاقتصادي يقول إن واقع العمالة المصرية تغير أخيًرا بعد الاهتمام بالتعليم الفني واستحداث المدارس الصناعية المتخصصة داخل المصانع التي وفرت جيل ملم بالتكنولوجيا وآليات استخدامها. كما أن ضعف العملة المصرية والموقع يجعلها ذات مزايا نسبية قادرة على المنافسة.

لا توجد إحصائيات حول عدد الشركات العالمية التي ترغب في نقل أنشطتها من الصين. لكن أخر إحصاء كان لعام 2019 قبل جائحة كورونا وبلغ 13%  وأجراه حينها مجلس الأعمال الأمريكي الصيني في يونيو 2019.

ارتفعت نسبة تلك الشركات من 10% عام 2018 و8% عام 2017. لكن يرجح أن تكون أكثر ارتفاعا عامي 2020 و2021 بعد الأزمات التي عاني منها العالم. بسبب اعتماده على الصين، كلاعب أساسي في التصنيع وأزمات الشحن العالمية.

وأعلنت شركة ياهو أخيرًا مغادرة السوق الصينية وتعليق خدماتها بدءا من نوفمبر الماضي. بعدما أصبحت بيئة العمل صعبة بسبب قانون خصوصية البيانات الذي يحدد كيفية قيام الشركات بجمع البيانات وتخزينها.

الأمر ذاته تكرر، مع منصة “لينكد إن” من مايكروسوفت التي اتخذت قررا بغلق النسخة الصينية من موقعها. وكذا ألعاب إيبك التي قررت سحب لعبة شهيرة من السوق الصينية في نوفمبر، رغم شراكة مجموعة تيسنت الصينية معها بنسبة 40%.

يقول عزام إن الصناعة حاليا تعتمد على الانترنت والتكنولوجيا والحكومة لديها خطة في هذا الشأن. فإجمالي الإنفاق في مصر على تكنولوجيا المعلومات سجل معدل نموا سنويًا مركبًا 18.6%. ليصل إلى 87.7 مليار جنيه خلال الفترة من 2019 حتى 2021 ويتوقع ان يستمر بالنسبة ذاتها في 2022.

ما يجعل مصر أحد الأماكن المرشحة للاستفادة هو رخص العمالة وكونها مدخل لأفريقيا. التي تعتمد بشكل أساسي على الاستيراد من الخارج مقابل تصدير المادة الخام بجانب توافر الطاقة، لكن في الوقت ذاته تواجه تحديات في مدى كفاءة العمال وتوافر المادة الخام اللازمة للصناعة.