منذ سنوات بدأ اهتمام مؤسسات الدولة بالمرأة. خاصة فيما يتعلق بقضايا الأحوال الشخصية. وقد وضعت قوانين تحميها من أي انتهاك أو تنكيل بداية من حضانة الصغار والنفقة حتى الخلع ثم التطليق للضرر.

ومؤخرًا يناقش تجريم عدم موافقتها على الزواج الثاني للزوج. ولكن يظل إنذار الطاعة الذي تهكمت عليه الدراما لسنوات طويلة حجر عثرة أمام حمايتها من ضغوط الزوج في استغلال بعض المواد لتحقيق مكاسب. خاصة أن إنذار الطاعة يلجأ له الزوج ليسقط حقها في النفقة وكذلك لإهانتها بإلصاق تعبير ناشز بحكم قضائي.

ورغم نفي بعض رجال القانون الحكم لصالح الزوج بالطاعة أو النشوز حال رفضها الدخول في الطاعة. فإن نسب الأحكام تؤكد نجاح الأزواج فعلياً في قهرها. ويظل السؤال كيف نبقي على تلك المادة في ظل قوانين انتصرت للنساء؟!

وقد شهدت قوانين الأحوال الشخصية طفرة كبيرة جداً. خاصة خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وذلك بداية من تغليظ العقوبة على التحرش وختان الإناث وحق الأم في الولاية على صغارها. ولكن الإبقاء على مادة الطاعة تثير كثيرا من التساؤلات. وحجة الكثيرين هنا هي أن التشريع أخذ من الشريعة. وجاء إعلان الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر في مايو 2021 بأن بيت الطاعة “لا وجود له في الشريعة الإسلامية والإبقاء عليه يعد إهانة للمرأة”.

المرأة ومحاولات إصلاح التشريعات

ورغم المحاولات الصادقة في الإصلاح التشريعي المنصف للنساء فإن هذا الإنذار لم يلتفت له أحد. رغم المواد الدرامية التي قدمته بصورته السلبية المهينة. بينما أعدت مؤسسة قضايا المرأة المصرية “سولا” مقترحا كاملا لقانون الأحوال الشخصية تضمن في أحد بنوده مادة تتعلق بالطاعة. إذ تهدف للحد من سيل إنذارات الطاعة التي إن مر على أحدها 30 يوما دون اعتراض الزوجة أصبح التنفيذ واجبا والمخالفة تعتبر نشوزا ويسقط حقها في النفقة. وهي وسيلة محامي الأزواج لإسقاط النفقة بطريقة المراوغة.

وجاءت في المادة من مشروع القانون: الآثار المترتبة على وقوع الزواج وبالفصل الأول مادة 45 “يعتبر امتناع الزوجة عن العودة لمسكن الزوجية حقا لها ما لم يتم تهيئة المسكن المناسب طبقاً للحالة الاقتصادية والاجتماعية للزوجين”.

ويؤكد عبد الفتاح يحيي -المستشار القانوني للمؤسسة- أن المشروع الذي قامت المؤسسة بصياغته أخذ من الوقت والجهد سنوات. مضيفاً لـ”مصر 360″: النائبتان نشوى الديب وعبلة الهواري تبنتاه وقررتا أن تعرضاه على عدد من النواب والنائبات للحصول على توقيعات عليه لمناقشته. ونأمل أن يصل إلى مرحلة النقاش والصياغة.

وانتقد قانون الطاعة الحالي لأنه يغرق الزوجة بوابل من إنذارات الطاعة وقد يتم التلاعب في بعضها بعنوان خاطئ ولا تتمكن من رفضه. وبالتالي يحكم لصالح الزوج بتنفيذ الطاعة. وحال عدم التنفيذ يحكم عليها بالنشوز ولا تستطيع رفع دعوى قبل سنة.

وأكد أن العلاقة الزوجية مبنية على المودة والرحمة بينما الطاعة ترسخ لمفهوم العبودية. فالاحتباس في طاعة الزوج تنفي مبدأ الرحمة. كما أن التمسك بالطاعة وعدم المساس بها طوال هذه السنوات بصيغته الحالية يرتبط بثقافة المجتمع.

وقال “يحيى” إن الأحكام في الطاعة كثيراً ما تكون ظالمة إذا لم تتمكن الزوجة من إثبات الضرر. لذلك من خلال مشاهداتي لقضايا الأسرة فالحكم يتراوح بين 50 و60% على الزوجة بالدخول في طاعة الزوج. وكثيرون يرفضن وبالتالي يحكم عليهن بالنشوز وتسقط حقوقهن في النفقة. فضلاً عن المهانة والسبة التي تلتصق بها اجتماعياً بسبب التعبير المشين.

النفقة شرط الطاعة

يعلق المستشار عبدالله الباجا -نائب رئيس محكمة الأسرة السابق والرئيس الحالي لمحكمة جنح النقض- مستهلاً بالآية الكريمة “فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع”.

وأكد أن أي حقوق تقابلها واجبات. وكذلك الواجب يستلزم له حق. متسائلاً: كيف للزوج أن ينفق على زوجته وهي ليست في طاعته؟!

ويضيف لـ”مصر360″: الآية واضحة ولا تقبل التشكيك في أصل القانون من الناحية الشرعية. منوهاً بأن الطاعة لا تقبل موضوعاً من البداية إلا بشروط واضحة ومحددة. وهي أن يكون أميناً عليها نفساً ومالاً وينفق عليها ويجيد معاملتها بشهادة الشهود. فلا تقبل طاعة زوج مثلاً بدد منقولات منزل الزوجية أو قام بضربها أو احتجازها في المنزل أو ثبت عليه إجبارها على أعمال منافية أو أنه مدمن ويسيء معاملتها أو معاملة صغاره.

ثم في حال حكم للزوج بدخول الزوجة في طاعته تعين المحكمة خبيرين صالحين لتقييم المسكن المناسب من جهة إمكانياته وأثاثه. وكذلك ضمان حقوقها المالية ومهرها وشبكتها.

احتباس المرأة

وعن سير الإنذار يقول “الباجا”: عليها أن تعترض خلال 30 يوما. وإذا تمكنت من إثبات أنه غير أمين عليها بشهادة من شهود لا يتم الاعتداد بالطاعة ويحكم لها بالنفقة. أما إذا لم تثبت أنه غير أمين عليها تكون هنا النفقة في مقابل احتباسها على ذمته لأن الزوجة ملزمة مادياً من زوجها شرط احتباسها في طاعته داخل منزل الزوجية”.

من جهة أخرى فإن إثبات حق الزوج في الطاعة ليس سهلاً أيضاً. منوهاً بأن الإبقاء على الطاعة يحقق استقرار الأسرة المصرية. مضيفاً: دعوى الطاعة ترفض عادة إذا كان المسكن سيئ أو غير ملائم وكذلك إذا كان عليه أحكام نفقة ولا ينفذها أو قام بتبديد منقولات الزوجية أو تعرض للزوجة بالضرب والإهانة كما أن الزوجة إذا وجدت نفسها ستخسر اعتراض الطاعة يمكنها رفع دعوى تطليق للضرر. وفي حال حكم لها بالتطليق تحصل على كافة حقوقها. ومع ذلك النسبة الأكبر من الأحكام تكون برفض دعوى الطاعة والحكم للزوجة.

وأشار “الباجا” إلى أنه إذا كان القانون منح للزوجة حق تطليق نفسها عبر الخلع. وحق تطليق بالمحكمة بقضايا الضرر: فماذا تبقى للأسرة سوى هذه الدعوى التي قد تحافظ على ما تبقى في قوام الأسرة المصرية إذا رفع عن الرجل حق القوامة؟!

وقال “الباجا”: أنا أكثر قاضي حكمت بأرقام كبيرة في النفقة ومتعة كما أن القاضي أيضاً لا يمكن مراوغته. كنت أكتشف تلاعب الرجال في دخولهم للتهرب من النفقة أو تخفيضها كأن مثلاً يحصل على قرض بنكي كبير قبل القضية بوقت قليل ليتأثر راتبه. وبالتالي تنخفض النفقة. وهنا دور القاضي ألا يميل على طرف على حساب الآخر.

طاعة المرأة تحت القبة

من جانبها تقول النائبة عبلة الهواري -عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب: لدينا أكثر من مشروع قانون للأحوال الشخصية. من بينها الذي تقدمت به مؤسسة قضايا المرأة.

وأضافت لـ”مصر 360″ أن أهم ما لاحظته هو الخبرة والعمل الجاد الذي تقدمه مؤسسات المجتمع المدني من خلال خبراء ومتخصصين خرجوا لنا بنتائج راقية ولامسة للواقع. ونحن بالفعل نأمل خلال مناقشات القوانين المقدمة أن نتخلص من قانون بيت الطاعة لأنه بالفعل ينسف الكثير من حقوق المرأة المادية. فضلا عن أن تعبير ناشز الذي يلحق بها مهين. وبعيدا عن التعبير مجرد الطلب في بيت الطاعة يتنافى مع توجه الدولة وما تسعى إليه من مكاسب للنساء.

حقوق المرأة ومصلحة الأسرة في الإنفاق

وترى إلهام عيداروس -الباحثة والناشطة النسوية- أن الطاعة هي الوجه السيئ للمكاسب التي حققتها المرأة من التطليق للضرر والخلع. بينما للزوج الحق المنفرد في طلاق زوجته بينما الزوجة ليس لها الحق في تطليق نفسها. كما أن الحصول على حكم تطليق للضرر ليس سهلا. وعليها تقديم إثباتات وشهود في وقائع قد تكون من الصعب تنفيذها.

كذلك الخلع تخسر المرأة فيه كافة حقوقها كما أن ربط حقوقها المالية بشرط الطاعة مسألة مرفوضة.

ونوهت عيداروس لـ”مصر 360″ بأنه في الدول المدنية الطرف الذي يطلب الطلاق يقدم للآخر حقوقه المالية إلا في حال كان هناك ضرر مثل الخيانة أو الضرب. هنا الطلاق يستتبعه تعويض. كما أن للطرفين الحق في الطلاق دون ضرر.

وطالبت بضرورة عدم ربط الحقوق المادية بالطاعة لأن النفقة تتعلق باحتياجات الأسرة. فهي مقابل للعمل المنزلي ورعاية الأسرة والصغار. لذلك لا بد من وضع منظومة حقوق مادية منفصلة عن الطاعة. وهو ما حدث في كينيا حيث حصلت زوجة بعد زواج دام 30 عاما على معاش كبير من الزوج بدلاً من النفقة. وذلك مقابل العمل المنزلي المبذول.

كما أن لدينا أمورا في الزواج تدفعها لعدم الدخول في طاعته والقضاء قد لا يعترف بها. مثل تهميشها في اتخاذ القرارات وعدم مشاركتها في أي مناحي الحياة. ثم كيف نعتبر أن حضانة الصغار واجبا منفردا على الزوجة. نحن نبحث عن صالح الأسرة. فالزوجة تنفق على الصغار وتتحمل عبء تربيتهم وتعمل لتنفق عليهم وكذلك تنفق على إقامة الدعاوى القضائية.

وأكدت “عيداروس” أنه آن الآوان أن نخرج بمنظومة عادلة تقسم النفقات بين الطرفين بالعدل. كما أن ترتيب الأب في الحضانة يجب أن يكون بعد الأم مباشرة وليس الـ14 في قائمة الحاضنين. فكيف للخالة أو الجدة أو العمات أن يكن أولى من الأب بالحضانة؟ هذا غير منصف ويضر بمصلحة الأطفال.