يقوم النظام الرأسمالي على تركيز الثروة لدى الطبقة الرأسمالية ثم لدى الشرائح العليا من الطبقة حيث يعاد تدوير الثروة وتركزها مقابل تعميق الحرمان والفقر وعدم المساواة. ولكي تتركز الثروة لدى ملياردير جديد يحرم الملايين من البشر ويعانون الفقر والحرمان. لذلك اهتمت منظمة أوكسفام منذ سنوات بإصدار تقرير سنوي عن اللامساواة في العالم. لذلك توجد أهمية لنتعرف على أهم ملامح هذا التقرير الصادر عام 2022.

ما هي منظمة أوكسفام؟

أوكسفام منظمة عالمية تمثل الملايين من الأشخاص ممن يشاركون المبدأ القائم على أساس أن العالم غني بالموارد وأن الفقر ليس أمراً حتمياً. فمنذ نشأة منظمة أوكسفام كمؤسسة خيرية صغيرة عام 1942، تحت اسم “لجنة أوكسفورد للإغاثة من المجاعة”، نمت أوكسفام نموا كبيراً لتصبح اليوم إحدى أكبر المنظمات الخيرية الدولية المستقلة في مجالي الإغاثة والتنمية. تتبنى منظمة أوكسفام مع شركائها المحليين المواقف المنحازة للشعوب الفقيرة والمستضعفة في المحافل الدولية دون أي اعتبارات أو انتماءات سياسية أو دينية. فعالمياً تتعاون أوكسفام مع الهيئات المعنية في الأمم المتحدة وتشارك بإنتظام في اجتماعاتها الدولية وكذلك مع منظمات عديدة دولية أخرى منها على سبيل المثال مؤتمرات منظمة التجارة العالمية، والمنتدى الاقتصادي العالمي، ومؤتمر الأمم المتحدة السنوي حول التغير المناخي. وتبذل أوكسفام قصارى جهدها للتأثير في السياسات العالمية التي تؤثر على فقراء العالم.

لم تعد نشاطات أوكسفام مقتصرة على محاربة المجاعات بل على محاربة أسباب نشوء تلك المجاعات وعلى إيجاد سبل لتمكين الناس من إعالة أنفسهم بأنفسهم وتوفير حلول للقضاء على الفقر، كما تقوم المنظمة بالعديد من النشاطات في مجالات التعليم والديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الإيدز والاحتباس الحراري، فضلاً عن افتتاحها للعديد من مراكز التجارة العادلة فهناك 750 مركز تجاري لأوكسفام منتشرة في أنحاء بريطانيا وحدها، حيث تباع فيها منتجات البلدان الفقيرة بأسعارعادلة بهدف إفادة المنتجين الفقراء.

اللامساواة في العالم 2022

صدر منذ أيام تقرير 2022 بعنوان “اللامساواة تقتل“، حول ضرورة اتخاذ إجراءات استثنائية لمكافحة اللامساواة غير المسبوقة في أعقاب جائحة كورونا. كتبت جاياتي غوش أستاذ الاقتصاد في جامعة جواهر لال نهرو، في نيودلهي، وأستاذة الاقتصاد في جامعة ماساتشوستس في أمهرست، بالولايات المتحدة الأمريكية تقول: الحقيقة الفظّة التي فرضتها علينا الجائحة. يتجاوز أثر اللامساواة في الوصول إلى المداخيل والفرص مجرّد خلق مجتمعات ظالمة وبائسة وتفتقر إلى الخدمات الصحية: فهي في الواقع تقتل الناس. وعلى مدى العامين الماضيين، مات بعض الناس إثر أصابتهم بمرض معدٍ لأنهم لم يحصلوا على اللقاحات في الوقت المناسب، على الرغم من أنّ إنتاج تلك اللقاحات وتوزيعها على نطاق أوسع كان ممكنًا لو تشاركت الدول التكنولوجيا اللازمة لذلك. كما تعرّض آخرون للموت لأنهم لم يحصلوا على الرعاية الأساسية في المستشفيات أو الأوكسجين عندما كانوا في حاجة إليه، بسبب النقص في نُظُم الصحة العامة التي تعاني من نقص التمويل. ومات الناس أيضًا بسبب عدم إمكانية علاج الاعتلالات والأمراض في الوقت المناسب لأن مرافق الصحة العامة مثقلة بالأعباء ولا تستطيع تحمل تكاليف الرعاية الخاصة. وثمّة من مات كذلك بسبب اليأس الذي سبّبه فقدان سبل العيش. ومات كذلك كثيرون من الجوع لأنهم لم يتمكنوا من شراء الطعام. ومنهم من مات لأن حكوماتهم لم تستطع أو لن تتمكن من توفير الحماية الاجتماعية الضرورية للنجاة من الأزمة. وفيما مات كل هؤلاء، أصبح أغنى الناس في العالم أكثر ثراءً من أي وقت مضى وحققت بعض أكبر الشركات أرباحًا غير مسبوقة.

هذه هي أحد الصدمات التي تأتي في مقدمة التقرير وكيف ساهمت الأزمة في إفقار الملايين وتحقيق البعض لأرباح غير مسبوقة. وقد جاء في التقرير العديد من الحقائق الصادمة منها:

  • خلال الجائحة وما بين مارس 2020 ونوفمبر 2021 تضاعفت ثروة أغنى 10 رجال، في حين تراجع دخل 99 % من البشرية بسبب جائحة كورونا.
  • يملك 252 رجلًا ثروة أكبر ممّا تملكه مجتمعة مليار امرأة وفتاة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة بحر الكاريبي.
  • منذ عام 1995، إستحوذ أغنى 1 %من البشر على ما يقرب من 20 ضعف ثروة النصف الأفقر من البشرية.
  • يُقدّر أنّ متوسّط انبعاثات الكربون الناتجة عن أغنى 20 ملياردير يصل إلى 8000 ضعف ما ينتج عن أفقر مليار إنسان.
  • منذ بداية الجائحة يُولَد ملياردير جديد كلّ 26 ساعة. وقد تضاعفت ثروات أغنى 10 رجال في العالم، في حين يُتوَقع أن يُدفَع بأكثر من 160 مليون شخص إلى براثن الفقر.
  • مات ما يقارب 17 مليون شخص بسبب جائحة كورونا وهي خسائر في الأرواح لم يسبق لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية.
  • قد فاق تضخم ثروات نخبة العالم الصغيرة التي تضمّ 2755 مليارديراً خلال جائحة كورونا النمو الذي شهدته خلال السنوات الأربع عشرة الماضية – التي شكلت أصلًا بحدّ ذاتها طفرة في ثروة أصحاب المليارات.
  • يملك أغنى 10 رجال في العالم أكثر ممّا يملكه 3.1 مليار شخص مجتمعين.
  • لو أنفق أغنى 10 رجال مليون دولار كلّ يوم، سوف يحتاجون إلى 414 عامًا لإنفاق ثرواتهم مجتمعة.
  • لو جلس أغنى 10 رجال من أصحاب المليارات على ثروتهم مجتمعة على شكل رزم من فئة المئة دولار أمريكي، لوصلوا إلى منتصف المسافة تقريبًا بين الأرض والقمر.
  • يموت ما يقارب 5.6 مليون شخص سنويًا بسبب حرمانهم من الرعاية الصحية في البلدان الفقيرة. الرعاية الصحية النوعية هي حق من حقوق الإنسان، ولكن في كثير من الأحيان يجري التعامل معها على أنها ترف للأغنياء. ولا يعني وجود فائض من المال في جيب المرء فقط تمكنه من الوصول إلى الرعاية الصحية النوعية، لكنه يمكنه أيضًا من شراء حياة أطول وأكثر صحّة. فعلى سبيل المثال، في ساو باولو بالبرازيل، يمكن للناس في أغنى المناطق أن يتوقعوا العيش 14 سنة أكثر من أولئك الذين يعيشون في أفقر المناطق.

خلاصة التقرير

يقول التقرير: ليست هذه سوى بعض الطرق التي تقتل بها اللامساواة الناس. ولكن الحقيقة هي أنّ اللامساواة تؤثر سلباً في جميع جوانب حياة البشر تقريباً، وفي كل أمل في إحراز تقدم بشري. وتسبّب اللامساواة الضرر للجميع لا محالة. وقد تدعم البلدان الغنية أصحاب المليارات الاحتكاريين في مجال صناعة الدواء وتخزن اللقاحات لحماية سكانها، ولكنها بذلك تدفع شعوبها إلى الخطر الناجم عن الطفرات التي يخلقها الفصل العنصري.

ثمّة مجال واسع أمام الحكومات لتغيّر مسارها تغييرًا جذرياً. إنّ الحلول المنهجية وحدها هي التي ستتمكن من مكافحة العنف الاقتصادي من جذوره وإرساء الأسس لعالم أكثر مساواة. ويتطلب ذلك تغيير قواعد الاقتصاد بشكل طموح إلى توزيع السلطة والدخل بشكل أكثر إنصافًا وضمان ألا ينتج عن السوق والقطاع الخاص والعولمة مزيد من اللامساواة في المقام الأول – وذلك من خلال فرض ضرائب على الأغنياء، والاستثمار في التدابير العامة التي أثبتت فاعليتها.

يجب على جميع الحكومات أن تفرض ضرائب فورية على المكاسب التي حققها أصحاب الثراء الفاحش أثناء فترة الجائحة هذه، من أجل استعادة هذه الموارد وإعادة توزيعها لمساعدة البشرية. ويجب تطبيق ضرائب تصاعدية دائمة على رأس المال والثروة للحدّ بشكل أساسي وجذري من اللامساواة في الثروة. ويجب أن تقترن هذه الجهود بتدابير مالية أخرى. على الحكومات أيضًا أن تعيد كتابة قواعد اقتصاداتها التي تخلق مثل هذه الانقسامات الهائلة، وأن تعمل على التوزيع المسبق للدخل، وتغيير القوانين، وإعادة توزيع السلطة في اتخاذ القرار والقوة الاقتصادية. ويشمل ذلك إنهاء القوانين المتحيّزة ضد المرأة، بما في ذلك القوانين التي تعني منع ما يقرب من 3 مليار امرأة قانوناً من الحصول على نفس الوظائف التي يحق للرجال اختيارها. كما يشمل إلغاء القوانين التي تقوّض حقوق العمال في الانتساب إلى النقابات وفي الإضراب، ووضع معايير قانونية لحمايتهم. ويشمل كذلك التصدي للاحتكارات والحدّ من تركيز السوق. ويجب أن يشمل التصدي للحواجز التي تحول دون تمثيل المرأة، والجماعات العرقية، والطبقة العاملة.

ويختتم التقرير فيقول “يمكننا على العكس اختيار اقتصاد يركز على المساواة، فلا يعود يعاني في ظلّه أحد من الفقر فيما يمتلك آخرون مليارات لا يحّدها العقل؛ ويصبح أصحاب المليارات جزءاً من ماض يقرأ عنه الأطفال في كتب التاريخ؛ ولا تعود اللامساواة تقتل أحداً؛ ويتحرّر الجميع من براثن العوز؛ ولا يعود حلم البشر مجرد البقاء على قيد الحياة، وإنما يُتاح للجميع فرصة الازدهار وامتلاك الأمل. هذا هو الخيار الذي ينتظر هذا الجيل، ويجب أن يُتخذ الآن” 

مليارديرات مصر الفقيرة قوي

أصدر مركز أبحاث بنك «كريدي سويس» السويسري تقريره السنوي عن الثروة العالمية لعام 2019، ونُشر التقرير في مقال بموقع البنك الإلكتروني ليؤكد من خلاله أن إجمالي الثروات في مصر لعام 2019 قد شهد ارتفاعا ليصل لـ 898 مليار دولار، بما يشمل أصولا عقارية وسندات وأوراقا مالية، وهو ما يثير عددا من التساؤلات عن واقع توزيع الثروة في مصر ومدى عدالته من ناحية، وكيف تتعامل الدولة مع ذلك من ناحية أخرى.

يشير التقرير إلى أن مجموع ثروات المصريين البالغين يصل إلى 898 مليار دولار، بلغت نسبة النمو في ثروة المصريين 13.7% بمقدار زيادة وصل إلى 108 مليارات دولار، وذلك بالمقارنة بعام 2018 والتي لم تتخط الزيادة فيه 18 مليار دولار. بالرغم من تلك الزيادة في حجم الثروات الا أن التقرير أشار إلى أن 71.4% من المصريين ثروتهم أقل من 10 الاف دولار، وأن 0.1% فقط من البالغين في مصر تزيد ثروتهم عن مليون دولار، وأن هناك 66 مواطنا مصريا يمتلك كل منهم أكثر من 500 مليون دولار، ما يشير إلى خلل جوهري في توزيع الثروة والعدالة الاجتماعية بالدولة.

كما أعلنت مجلة فوربس قائمة بأغنياء العرب لعام 2020، والتي ضمت 6 رجال أعمال مصريين من أصل 21 ثريًا عربيا. وتصدر القائمة العربية رجل الأعمال المصري، ناصف ساويرس بمجموع ثروة بلغ 5 مليارات دولار. وقالت المجلة إن ثروة ناصف ساويرس تراجعت بنحو 21.9% مقارنة بثروته بالعام الماضي التي كانت تبلغ 6.4 مليار دولار. وربح رجل الأعمال المصري، محمد منصور، ثروة بقيمة مليار دولار، لترتفع إجمالي ثروته إلى 3.3 مليار دولار في عام 2020 بنسبة قدرها 43.4% عن العام الماضي.

كذلك نشرت مجلة “فوربس” الأمريكية إن ثروة أغنى ملياردير ناصف ساويرس في 2021 قفزت بنحو 74% خلال أقل من سنة، لتصل إلى 8.7 مليار دولار مقابل 5 مليارات دولار في مارس 2020 عام جائحة كورونا.

رغم الكورونا والحظر والأزمة الاقتصادية العالمية ارتفع عدد المليارديرات في العالم 660 ملياردير جديد في 2021 مقارنة بالعام الماضي 2020 ليصبح العالم يضم 2755 ملياردير، منهم 22 ملياردير عربي بينهم 6 مصريين يتصدرهم ناصف ساويرس” أغنى رجل في مصر، ووصل ترتيبه إلى 297 عالميًا. كما أنه الثاني في قارة أفريقيا كلها. وقد زادت ثروته 3.3 مليار دولار عن العام الماضي.

هكذا يتضح أن عدم المساواة هو ظاهرة تخص الرأسمالية في العالم كله ومصر جزء من هذه الظاهرة، ولكن كلما تركزت الثروة في يد قلة من المليارديرات كما زادت معدلات الفقر. وأن مواجهة انعدام المساواة يحتاج لرؤية وتصورات مختلفة كما تبين من خلاصات تقرير أوكسفام عن اللامساواة في عام 2022، نريد اقتصاد أكثر عدالة.