نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) تقرير استشرافي بعنوان “ماذا تشاهد في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في عام 2022”. ويتناول الباحثون أبرز الظواهر السياسية والأحداث المتوقع أن تكون ذات تأثير مباشر على الوضع في دول أفريقيا جنوب الصحراء.
حيث تتعرض الدول الأفريقية في الوقت الحالي لمجموعة من المتغيرات، أبرزها متحورات فيروس كورونا. والنزاعات المسلحة المستمرة في القرن الأفريقي وموزمبيق والبحيرات الكبرى، وتفاقم الأزمات الإنسانية. والأزمات السياسية في منطقة القرن الأفريقي حيث السودان وأثيوبيا والصومال، وفي دول الساحل حيث تشاد ومالي والنيجر. وكذلك تحدي حجم الكميات المتاحة من لقاحات فيروس كورونا، وأيضا الانتخابات المزمع إجراؤها في السنغال وأنجولا وكينيا. وقياس مستوى الديمقراطية في عام 2022، إلى جانب المتغيرات العالمية من حيث مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الأزمات في أفريقيا. وحدود التدخل الروسي والصيني في مختلف الساحات الأفريقية وغيرها من الأطراف الإقليمية، والتي من المقرر أن يبني عليها بعض الأحداث خلال عام 2022.
ويتضمن التقرير رصد معمق لأبرز المؤثرات في الساحة الأفريقية:
أولا: من حيث سياسات القوى العظمى تجاه الدول الأفريقية
موقف إدارة بايدن
يقع على عاتق الرئيس الأمريكي “جو بايدن” مهمة كبيرة في إصلاح ما تسببت فيه سياسة سابقه “ترامب” من توسيع الفجوة بين العلاقات الأمريكية والدول الأفريقية. ويحاول بايدن اتباع سياسية إصلاحية من حيث توظيف المقومات الأفريقية في أشكال مختلفة من التعاون.
وتتوافر العديد من الفرص أمام بايدن من حيث استغلال استراتيجية المناخ في الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة سريعة النمو في أفريقيا. كذلك يمكن للولايات المتحدة الاستثمار في تحسين وضع الرعاية الصحية، مثل صندوق الطوارئ الرئاسي للإغاثة من الإيدز (PEPFAR). ومبادرة الرئيس لمكافحة الملاريا (PMI)، وحساب تحدي الألفية (MCA).
وكذلك توجد عدة تحديات أمام الاستراتيجية الأمريكية أهمها: مدى اتساق انتخابات هذا العام في السنغال وأنجولا وكينيا مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. والنزاعات المسلحة من القرن الأفريقي إلى موزمبيق إلى البحيرات العظمى إلى الساحل، كما ستواجه شبكة معقدة من القوى الخارجية والجهات الفاعلة غير الحكومية.
العلاقات الصينية الأفريقية
ترتكز العلاقات بين الدول الأفريقية والصين على قاعدة كبيرة من التفاعل الاقتصادي، وأهمها منتدى فوكاك (FOCAC). وقد أسفرت النسخة الأخيرة في أواخر 2021، عن استحداث أطر جديدة من التعاون الاقتصادي في قطاعات التجارة والبنية التحتية والاستثمار.
كذلك تعتمد الصين على دبلوماسية اللقاح في تحسين صورتها أمام الدول الأفريقية، حيث رفعت هدف التبرع بحوالي 180 مليون إلى هدف 600 مليون لقاح للبلدان الأفريقية. إلى جانب توقيع صفقات تقديم 400 مليون جرعة مصنعة محليا. مما يرشح الصين إلى مركز أكبر مصدر للقاحات في أفريقيا بحلول نهاية عام 2022.
وتعتبر الممرات الخضراء أبرز مقومات الاتفاق بين الجانبين خلال المنتدى بهدف رفع صادرات المنتجات الزراعية. إلى جانب توقعات بالاستثمار في مشاريع البنية التحتية الخضراء عبر الإقليمية مثل الطاقة والنقل. فضلا عن الإعلان عن توجيه 10 مليارات دولار من حقوق السحب الخاصة الصينية (SDRs) إلى البلدان الأفريقية.
ثانيا: من حيث الأزمات المحلية
اتساع الخلاف بين النخب السياسية في الساحل
تواجه دول الساحل أزمة عميقة بين النخب السياسية، في مالي، هناك تكهنات بتصاعد الاحتجاجات الشعبية تطالب بعودة الديمقراطية. ردا على اقتراح الحكومة العسكرية بالمد لمدة 5 سنوات، ومن المرجح أن تعمق مالي اعتمادها على المرتزقة الروس. كذلك في تشاد، الاحتقان الدائر بين الحكومة التي يقودها الجيش والمعارضة والمطالبة بإجراء انتخابات ديمقراطية أكثر قد يتصاعد إلى عواقب وخيمة.
أزمات دول القرن الأفريقي
انطلق التقرير من وصف الحرب في أثيوبيا بانها حرب المنطقة بأكملها نظرا لمكانتها –أثيوبيا- القيادية في منطقة القرن الأفريقي. ويتناول التقرير توقعات بشأن استمرارية الأزمة في أثيوبيا بين قوات رئيس الحكومة “آبي أحمد” وقوات دفاع التيجراي. حيث على الرغم من تراجع قوات المعارضة، لكن لا يملك أي طرف تحقيق النصر الحاسم، وبالتالي من المتوقع. أن يستمر الصراع في مذابح عرقية على كلا الجانبين وضربات جوية مدمرة، وبالتالي ارتفاع عدد النازحين قسريا.
كذلك تمثل الأحداث في السودان توترا إضافيا لحجم الأزمات الراهنة في القرن، حيث جاءت استقالة رئيس الوزراء “عبد الله حمدوك” على خلفية التوترات السياسية بمثابة تأصيل للأوضاع متردية. وبالتالي، يتطلب تضافر إقليمي وأممي للتوسط في المفاوضات بين الجيش وأصحاب المصلحة المدنيين الرئيسيين في السودان. لإعادة تشكيل مجلس السيادة وصياغة خارطة طريق توافقية تسمح للبلاد بإجراء الانتخابات المقررة في عام 2023.
التهديد السيبراني وعلاقته بالانحدار الديمقراطي في شرق أفريقيا
وأوضح التقرير أن التقنيات السيبرانية ظهرت في الفترة الأخيرة كآلية للتأثير على المناخ العام السياسي والتأثير في الرأي العام. كما حدث في أوغندا وتنزانيا من حيث استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في التضليل السياسي وفق ما أكده موقع تويتر. وبالتالي من المتوقع أن يتم توظيف التهديدات السيبرانية في المواجهة السياسية بين النخب المختلفة على وجه الخصوص في دول شرق أفريقيا.
التمرد في موزمبيق
تواجه موزمبيق صعود إرهابي من جانب تنظيم داعش من خلال ذراعه المحلي المتمثل في جماعة أنصار السنة والجماعة. حيث نتيجة استهداف منطقة كابو ديلجادو الغنية بالنفط، أبلغت السلطات المحلية عن نزوح ما يصل إلى 3 آلاف مدني في مقاطعة نياسا مع تزايد الهجمات. ومع انتشار القوات الرواندية وقوة المجموعة الإنمائية للجنوب الأفريقي (سادك) في المناطق المحيطة بالما وموسيمبوا دا برايا في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2021. سيعمل ذلك على استشراء العنف بين المجموعات المتواجهة كما هو معروف في ادبيات العمل الجهادي المتطرف، وبالتالي تزايد انعدام الأمن وعدم الاستقرار. وبالتالي من المتوقع أن تستدعي القوات القتالية دعم خارجي من مختلف الاطراف المعنية.
ثالثا- المتغيرات العالمية أبرزها: فيروس كورونا، وتقنيات الرقمنة
تأثير الرقمنة
هناك عدة أوجه متوقع أن ينتشر فيها استخدام الرقمنة، أولها استشراء الدرونز بين الجماعات الإرهابية. أو للاستخدامات المدنية مثل توصيل الدم والإمدادات الطبية إلى المستشفيات، مثل شركة Zipline الأمريكية. كذلك التوسع في استخدام العملات الرقمية كما في نيجيريا، كما أعلنت غانا إصدار عملتها الرقمية في عام 2022. بالإضافة إلى التوسع في تقنيات شبكات الجيل الخامس، حيث تتطلع المزيد من الحكومات الأفريقية إلى الاستفادة من الرقمنة في القطاعات المالية لأجل زيادة إيراداتها.
حدود التعاطي مع متغير كورونا
تعتبر القارة الأفريقية في أدنى مستوى من حيث عدد الملقحين بنسبة 14% مقارنة ب 61% من السكان في الأمريكتين وآسيا وأوروبا. وحتى الآن، قامت 4 دول أفريقية فقط بتطعيم 50% أو أكثر من سكانها (موريشيوس، والمغرب، وكابو فيردي، ورواندا). وفي مواجهة ارتفاع الطلب على اللقاحات والاختبارات والعلاج، ستكافح البلدان الأفريقية لتلبية احتياجات اللقاحات مما يفرض أعباء متوقعة على النظم الصحية. ومن المتوقع، أن تلجأ البلدان الأفريقية إلى التعاون مع القطاع الخاص بهدف توفير احتياجاتها الطبية في مواجهة انتشار الفيروس. مع إدراج موسع للتكنولوجيا والابتكارات الرقمية والبنية التحتية في قطاع الصحة.