من مطعم فندق يطل مباشرة على كوبري قصر النيل. وفي درجة برودة أكثر صقيعا وأقل حماسا من يناير 2011. دار حديث عاد بآلة الزمن إلى الوراء مع جورج إسحاق -عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان والقيادي السابق بالجمعية الوطنية للتغيير– عن الذكرى الصامتة لثورة يناير كعادة سنواتها الأخيرة.

إسحاق حمّل نفسه جزءا من مسؤولية الفشل في تحقيق أهداف الثورة، باعتباره كان أحد الداعين والمنظمين ومن الكوارد التي تصدرت الأشهر الأولى منها، مؤكدا أن غياب التنظيم تسبب في التشرذم الذي أصاب كيانات الثورة.

في الحوار يتحدث “إسحاق” عن التركيبة الجديدة للمجلس القومي لحقوق الإنسان والتحديات التي يواجهها المجلس في ظل حالة تردٍّ كبيرة يعيشها الملف الحقوقي في مصر.

وإلى نص الحوار.

لنبدأ من الذكرى.. ماذا يمثل لك يوم 25 يناير؟

نتحدث عن يوم لا ينسى. هذا يوم خالد في ذاكرة المصريين وخلدته ضمائرهم وخلده الدستور المصري. ليس 25 يناير كيوم لكن الـ18 يوما التي عشناها بشكل عام من الأيام الجلية في تاريخ الشعب المصري وستظل محفورة.

المطالب التي خرج بها المصريون قبل 11 عاما العيش والحرية والعدالة الاجتماعية ما زلنا نطالب بتحقيقها. وسنظل نطالب بها حتى تتحقق لأنها مطالب يحتاج إليها الناس. فلا نستطيع أن نستغني عن مطلب العيش والعدالة الاجتماعية والحرية.

مَن يتحمل فشل ثورة يناير إن كنتَ تراها قد فشلت؟

بالتأكيد أنا ضمن الداعين والمنظمين لثورة يناير. وأتحمل جزءا من الفشل. لأننا فرطنا في حقوقنا. لم نستطع التوحد خلف مطالب وتنظيمات ثابتة. فشلنا في صنع كيان واحد يتحدث باسم الثورة. تشرذمنا بين الائتلافات الشبابية الكثيرة والتيارات. الشباب اندفعوا وراء ائتلافات كثيرة وهذا تسبب في عدم وحدة الصف. وهي مسؤولية مشتركة بين الكبار والشباب.

ثورة يناير وقائمة المطالب المستمرة

هل تؤمن بأن قائمة مطالب ثورة يناير مازالت مرفوعة؟

بالطبع. الجميع يريد أن تتحقق مطالب الثورة. نريد أن نعيش في مناخ يسوده الحرية. وأن نرى عدالة اجتماعية حقيقية. وأن يحظى الجميع بكرامة إنسانية في وطنه. لكن في نفس الوقت اهتمام الناس بالثورة تراجع بشكل كبير. الجميع يهتم بلقمة عيشه الآن عن السياسة والتغيير.

 

لكن هناك فجوة واضحة بين المطالب والواقع

الفجوة سببها الإرهاب. عشنا سنوات في ظروف أمنية غير مستقرة وتحديات كبيرة بعد 2013. لكن الآن مصر باتت مستقرة أكثر من أي وقت مضى. وما تحقق من استقرار يجعلنا ننتظر تحقيق مطالب الثورة على أرض الواقع.

هل الفجوة كبيرة بين المأمول والواقع؟

الفجوة بدأت تنكمش في الفترة الأخيرة. لكن بالتأكيد ما زلنا نحلم بالمزيد ونحلم بالتغيير.

ما دلالاتك على تقليص الفجوة بين ما نأمله وما نلقاه؟

نرى إنجازات تتحقق على مستوى العمراني وبعض المشروعات الاجتماعية التي تساعد الفقراء كمبادرة “حياة كريمة”. لكن يبقى بالنسبة لنا كلام نظري. نريد أن يتحقق على أرض الواقع كي نبدأ نشعر به جميعا. كما نحتاج إلى تعزيز ثقافة الاختلاف وعدم مطاردة أي أصوات أو أفكار مخالفة للسلطة.

مثلا الدولة ترفع شعارات مهمة جدا مثل عام 2022 عام المجتمع المدني. نريد أن نرى هذا الكلام على أرض الواقع. الأحزاب السياسية التي هي جزء من المجتمع المدني لا تنعم بمساحة كافية للعمل. لا تستطيع الأحزاب تنظيم اجتماعات داخل مقارها وعقد لقاءات جماهيرية. لا نريد حرية مكممة. نريد حرية كاملة.

فرص الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان

يوجد من يعول على الاستراتجية الوطنية لحقوق الإنسان في تنفيذ بعض الشعارات

دورك هو أن تحاول تطبق وتترجم ما جاء في محاور الاستراتيجية الوطنية عبر تشريعات وإجراءات عملية في ملفات كالحبس الاحتياطي تحديدا. وهذا دورنا في المجلس القومي لحقوق الإنسان أن نحول الاستراتيجية لواقع ملموس. وهنا أقول لمن انتقد الاستراتيجية واستبق الحكم عليها لا تنتقد من فراغ وتحدث عن أشياء بعينها وليس من باب الهجوم لأننا ما زلنا في البداية.

ما الدور الذي ينتظر أن يقدمه المجلس القومي لحقوق الإنسان في هذا الملف؟

علينا دور في متابعة التشريعات المتعلقة بالحريات المدنية والسياسية مع مجلس النواب. فقانون الحبس الاحتياطي لا بد من تعديله لإنهاء أزمة تكدس السجون بمحبوسين يقضون مددا طويلة. ووضع حد لما يسمى تدوير القضايا. ومن بين المقترحات ما قدمه حزب المحافظين ويعرف ياسم “قاضي الحريات” للبت في قضايا الرأي.

هل يسهم “قاضي الحريات” في فك شفرة هذا الملف المعقد؟

هو ضمن حلول كثيرة لحلحلة ملف الحبس الاحتياطي. وبدلا من أن النص القانوني أن الحبس الاحتياطي يطول إلى عامين لماذا لا نكتفي بـ6 أشهر فقط؟! لأنه تحول من إجراء احترازي يضمن التحفظ على المتهم ومنعه من الهرب لعقوبة. والأخطر هو تدوير القضايا داخل السجون. فنجد شبابا يدرجون ضمن قضايا إرهاب ولا أعتقد أن شباب 25 يناير مارس أعمالا إرهابية.

الاسترتتيجية الوطنية لحقوق الإنسان

الانتقادات الموجهة للاستراتيجية الوطنية تنحصر في مسألة الإرادة السياسية للتغيير.

علينا أولا التحرك بشكل مباشر في جميع الملفات. نبذل في ما في وسعنا من جهد كمجتمع مدني “أحزاب وجمعيات ومجالس متخصصة” في الضغط لإنجاز التعديلات المطلوبة تشريعيا. ونرمي الكرة في ملعب الحكومة قبل أن نحكم بأن الإرادة السياسية غائبة.

 

لكن الأحزاب تشكو باستمرار من تضييق الخناق على أنشطتها.

لا شك في ذلك. الأحزاب محجمة ولا تستطيع العمل. لذا نطالب طول الوقت بالحرية الكاملة. كذلك أرى أن مهلة 5 سنوات -التي حددها الرئيس لتطبيق بنود الاستراتيجية الوطنية- مهلة طويلة. لكن ننتظر ونرى ماذا ستفعل السلطة خلال السنوات الخمس المقبلة.

مطالب ثورة يناير بالحرية والرجوع إلى الخلف

العام الحالي بدأ بتجميد الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بعد 18 عاما. فإلى أي مدى سيوثر القرار على مبادرات تحسين الملف الحقوقي؟

تجميد الشبكة العربية لنشاطها خبر محزن يبعث على الإحباط وله تداعيات سلبية على عمل الجمعيات الأهلية في مصر بعدما استشعرت التفاؤل لفترة.

هل هذا يعني أن الدولة تراجعت خطوة للخلف في ملف المجتمع المدني؟

لا أريد أن أقول ذلك. لأننا في المجلس القومي لحقوق الإنسان تقدمنا بطلب إرجاء مدة توفيق الأوضاع لمدة سنة تنتهي في يناير 2023. وهو ما استجابت إليه الحكومة. ما يعني أن الباب مفتوح للعمل وتوفيق الأوضاع ورسالة بأن الحكومة تحسن من الأداء.

ما الاختلاف بين التشكيلين الحالي والسابق للمجلس القومي لحقوق الإنسان؟

المجلس السابق كان يضم قامات كبيرة. على رأسها محمد فايق رئيس المجلس. صاحب الأداء الرفيع والتاريخ السياسي والحقوقي. وهو لا يقارن. إلى جانب آخرين مثل جمال فهمي والدكتور صلاح سلام. أما التشكيل الجديد يغلب عليه الطابع الشبابي ولا زال من المبكر الحكم عليهم قبل أن يعملوا. لم يمر كثيرا على صدور قرار التعييين.

المجلس السابق لاحقته الانتقادات.. فما تقييمك؟

المجلس حاول أن يقدم ما عليه في كثير من الملفات، نفذ توصيات لجنة حقوق الإنسان الدائمة بجنيف. ولعب دورا خارج الحقوق المدنية والسياسية والدفاع عن معتقلي الرأي. وامتد دوره إلى متابعة العمل النقابي والعمال عبر لجنة ترأسها كمال عباس. ولجنة للإسكان ولجنة للثقافة. المجلس سعى للاشتباك في كل القضايا.

ملف الحريات وتصاريح النيابة

ولكن في ملف الحريات وجهت إليكم انتقادات.

لأن الجهات المعنية لم تكن متعاونة معنا في الشكاوى التي كنا نرفعها والمراسلات لم تلق ردودا في أحيان كثيرة. مع بداية عملنا نشطنا في متابعة أحوال السجون لكن في السنوات الثلاث الأخيرة توقفنا بسبب التجاهل ومحاولتهم المتكررة لإبراز الجانب الإيجابي فقط مثل المكتبات والمطاعم ولم يسمح لنا بزيارة العنابر وتفقد أحوال المسجونين. رؤساء السجون باتوا يطلبون منا تصاريح من النيابة وهذا لم يكن موجودا قبل ذلك.

هل نتوقع أداء مختلفا من التشكيل الجديد للمجلس القومي؟

أتمنى ذلك. يصعب تقييمته قبل أن يعمل على أجندات واضحة.

إلى مدى نجح رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات في محاولات حل الحبس الاحتياطي؟

“أنور” لعب دورا كبيرا في هذا الملف بعلاقته بالجهات الأمنية. ويحاول أن يجد قناة اتصال مع أجهزة الدولة مع زملاء آخرين لإنهاء أزمات الحبس الاحتياطي.

هل هي انفراجة حقيقية؟

البعض يستسهل الدور والأعداد التي تخرج من السجون. الأمر ليس سهلا على الإطلاق لإقناع أكثر من جهة. كنا نتوقع ان يشهد شهر يناير خروج أعداد كبيرة من المحبوسين احتياطيا لكن لم يحدث. الرئيس أصدر قرارات بنصف المدة بمناسبة يناير. لا أعلم هل بينهم سياسيون أم جنائيون فقط. وأتوقع أن تزداد الأعداد مع بداية نشاط المجلس القومي.

هل اختلفت منهجية التعامل الرسمي مع الانتقادات الحقوقية؟

الإدانات الحقوقية الدولية كما هي ولم تتغير حدتها. والإعلام الغربي ما زال ينشر قصصا لتضييقات بأقسام الشرطة. ما يستدعي ردا مستمرا وتحديدا من وزارة الخارجية التي يجب أن تعلق باستمرار ولا تجمل الواقع. إذا كان هناك واقعة أو انتقادات لأحكام قضائية وأحاديث عن أعداد مهولة محتجزة في سجونك لا تصمت ولا تدافع في المطلق ولا تتركنا نواجه هذه الاتهامات وحدنا.