بينما تشير الدراسات المناخية -بوضوح- إلى أفريقيا باعتبارها الأكثر تأثرًا بالتغيرات المناخية. فإن مصر معرضة بشدة لهذا الخطر وعلى جبهات عدة، تشمل ارتفاع مستوى سطح البحر، وموجات الحر، وندرة المياه. ذلك في حين أن وضعها من حيث الاستدامة بعيد عن أن يكون ممتازًا. فنصيب الفرد من البصمة البيئية هو بالفعل 4.5 مرات أعلى من القدرة البيولوجية للبلاد. وهو ما يدفعها بشدة إلى ضرورة الإسراع في طريق إزالة الكربون وتنويع مصادر الطاقة لديها، لتلبية احتياجاتها المتزايدة.

البصمة البيئية تستخدم لقياس كمية الطلب السنوية التي تفرضها البشرية ونشاطاتها على النظام البيئي. بينما تستخدم  القدرة البيولوجية لقياس مساحة الأراضي والمناطق البحرية البيولوجية الفعالة وقدرتها على تزويد البشرية بخدمات النظام البيئي.

لذا، تُعّد زيادة وتيرة إزالة الكربون وتنويع الطاقة، باستخدام موارد منخفضة الكربون. ومن ثم التحول إلى الطاقة النظيفة، أولوية ملحة لمصر في سعيها نحو تحقيق مستقبل أكثر استدامة. وهو ما ركز تقرير حديث، نشره المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI)، على تناوله مستعرضًا إمكانات وفرص مصر نحو التحول إلى الطاقة النظيفة. وذلك ضمن سلسلة تقارير عن ضرورة هذا التحول لبلدان شمال أفريقيا.

يستعرض التقرير -الذي أعده الباحث سيدا دويجو سيفر محمد أوغلو- “استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030″ و”استراتيجية الطاقة المستدامة المتكاملة 2035” باعتبارهما وثيقتين رئيسيتين، تعرضان تطلعات مصر إلى اقتصاد تنافسي ومتوازن ومتنوع. ويذكر أنه وفقًا لاستراتيجية الطاقة المستدامة 2035، يعد تنويع موارد الطاقة عن طريق زيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة الطاقة استراتيجيتين أساسيتين لانتقال الطاقة في مصر.

إذ تستهدف مصر من عملية التنويع، زيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة إلى 42% بحلول عام 2035. مع إشراك جميع القطاعات. كما تخطط لإدخال الطاقة النووية المساهمة في مزيج الكهرباء بنسبة 3% بحلول نفس العام. وذلك بمجرد اكتمال أول محطة للطاقة النووية في الضبعة بسعة 4800 ميجاوات.

نحو إزالة الكربون.. الحصة المتزايدة من مصادر الطاقة المتجددة

إن الموقف الرسمي لمصر ملتزم للغاية بتعزيز طاقتها وإنتاجها في مجال الطاقة المتجددة. حيث تعمل الدولة على تطوير السياسات والأطر التنظيمية والحوافز المالية للمستثمرين من القطاع الخاص. مثل إزالة العقبات، وتبسيط الإجراءات لمشاريع الطاقة المتجددة، وتحرير سوق الطاقة، وتقديم ضمانات الاستثمار بموجب قانون الاستثمار المصري الجديد رقم 72 لعام 2017.

حاليًا، على الرغم من أن الطاقة الكهرومائية تمتلك الحصة الأكبر من إجمالي توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة في مصر بنسبة 73%، فقد حدثت أيضًا تحسينات كبيرة في طاقة الرياح والطاقة الشمسية من خلال المشاريع المكتملة والجارية.

للتوضيح، زادت سعة طاقة الرياح المركبة بنسبة 148%بين عامي 2011 و2020. وأقامت الدولة مزارع رياح واسعة النطاق، بما في ذلك مزارع الرياح في الزعفرانة -تبلغ قدرتها 745 ميجاوات وأقيمت بالتعاون الحكومي مع ألمانيا والدنمارك وإسبانيا واليابان- جبل الزيت 1 -تبلغ قدرتها 240 ميجاوات وأقيمت بالتعاون مع بنك التعمير الألماني وبنك الاستثمار الأوروبي والمفوضية الأوروبية- وجبل الزيت 2 -تبلغ قدرتها 220 ميجاوات وأقيمت بالتعاون مع الوكالة اليابانية للتعاون الدولي- كما يعتبر مشروع مزرعة الرياح في جبل الزيت أكبر محطة لتوليد الطاقة من الرياح في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

بالمثل، ارتفع إجمالي الكهرباء المنتجة من الطاقة الشمسية بنسبة 169% من 2018 إلى 2019. وقد تم تسجيل محطة بنبان للطاقة الشمسية باعتبارها رابع أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم. وأيضًا باعتبارها الوحيدة في القائمة من خارج آسيا، لإنشاء مصانع الخلايا الكهروضوئية على نطاق واسع.

كانت شراكات مصر الدولية مع الوكالة اليابانية للتعاون الدولي، وبنك التعمير الألماني، والصندوق العربي للتنمية مفيدة. علاوة على ذلك، فإن دعم البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، والصندوق الأخضر للمناخ. من خلال استثمارات إطار تمويل الطاقة المتجددة في مصر، قد عزز بشكل كبير التقدم في تطوير وتمويل وبناء مشاريع الطاقة المتجددة. في طريق نحو إزالة الكربون وتنويع مزيج الطاقة.

زادت سعة طاقة الرياح المركبة بنسبة 148%بين عامي 2011 و2020.
زادت سعة طاقة الرياح المركبة بنسبة 148%بين عامي 2011 و2020.

الدور السائد للوقود الأحفوري

على الرغم من التطورات الواعدة، لا تزال محفظة الطاقة في مصر تتميز بالوقود الأحفوري. سيطر الغاز الطبيعي والنفط بشكل كبير على إجمالي إمدادات الطاقة في عام 2019 بنسبة 54.7% و37.4% من الأسهم على التوالي. كما يتضح الدور المتزايد للغاز الطبيعي في توليد الكهرباء.

في الفترة بين عامي 2000 و2019، زاد توليد الكهرباء في مصر بنسبة 148%. بالتوازي مع ذلك، كان هناك ارتفاع بنسبة 73% في إجمالي الطاقة المركبة للطاقة المتجددة بين عامي 2011 و2020. وعلى الرغم من الاتجاهات في السعة وإنتاج الطاقة المتجددة، فإن زيادة إنتاج الكهرباء يتم تحقيقها في الغالب عن طريق الغاز الطبيعي. حيث أن حصة مصادر الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء قد زادت. وهي تتبع اتجاهًا مستقرًا تقريبًا بين 2011 (9.4٪) و2019 (9٪). هذا مهم للغاية نظرًا لاكتشافات الغاز الكبيرة الأخيرة. مما يمكّن مصر من الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من الطلب المحلي.

لتوضيح ذلك، بعد اكتشاف حقل ظهر في عام 2015، وهو أكبر حقل غاز شرقي البحر الأبيض المتوسط ​​بسعة 850 مليار متر مكعب من الغاز. ارتفع إنتاج مصر من الغاز، وفي عام 2019، وصل إنتاج الغاز إلى مستوى قياسي بلغ 64.9 مليار متر مكعب.

على الرغم من أن المناقشات حول تحول الطاقة تدور عادة حول بناء القدرات وتوليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة. فإن وتيرتها ونجاحها في حالة مصر، يعتمدان بشكل كبير على الدور المنوط بالغاز الطبيعي في مزيج الطاقة في البلاد، وفي الرؤية الوطنية.

الغاز الطبيعي والاستثمارات

من وجهة نظر عملية، يمكن أن يساعد اعتبار الغاز الطبيعي كحمل أساسي -تكنولوجيا التجسير لتكملة مصادر الطاقة المتجددة المتقطعة والشبكات الذكية والتقنيات الفعالة- في عملية إزالة الكربون على المدى القصير والمتوسط. من ناحية أخرى، تؤكد الاستراتيجية الوطنية على أن تصبح البلاد مركزًا للطاقة يربط بين جوارها والمنطقة الأوسع. وعليه، فإن خطط مصر لتصدير فائض الإنتاج لها انعكاسات أخرى على دور الغاز الطبيعي في اقتصادها.

نظرًا لأن مستوى الفائض سيعتمد بشكل كبير على اتجاهات استهلاك الغاز المحلي وحصة الغاز الطبيعي في مزيج الطاقة. فإن زيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة مقابل الغاز الطبيعي ستفيد مصر لتوسيع قدرتها التصديرية.

من ناحية أخرى، تتطلب الصادرات الآمنة والمستمرة للغاز الطبيعي مزيدًا من الاستثمارات في النقل والتوزيع. وفقًا لذلك، ستحتاج مصر إلى دعم المبادرات السياسية -مثل منتدى غاز شرق المتوسط- ​​بالموارد الفنية والمالية لتحديث الشبكة، أو توصيلات خطوط الأنابيب، أو محطات الغاز الطبيعي المسال.

مع هذا، يمكن أن يؤدي ذلك إلى خطر الانغلاق التكنولوجي لمصر، لأن الاستثمارات المطلوبة لإمداداتها قصيرة ومتوسطة الأجل. وأهدافها التجارية يمكن أن تعرقل أهدافها المتعلقة بالاستدامة على المدى الطويل والمناخ. يمكن أن يؤدي هذا الخطر إلى حبس أنظمة الطاقة في الغاز الطبيعي، والحفاظ على المسيطرين على الوقود الأحفوري كأطراف فاعلة حيوية في الاقتصاد.

تتطلب الصادرات الآمنة والمستمرة للغاز الطبيعي مزيدًا من الاستثمارات في النقل والتوزيع.
تتطلب الصادرات الآمنة والمستمرة للغاز الطبيعي مزيدًا من الاستثمارات في النقل والتوزيع.

نحو إزالة الكربون.. إمكانات كفاءة الطاقة

بصرف النظر عن المهمة الصعبة المتمثلة في تحقيق التوازن بين مصادر الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي. تعد كفاءة الطاقة ركيزة مهمة أخرى لاستراتيجية انتقال الطاقة في مصر. حيث تقدم خطة العمل الوطنية المصرية لكفاءة الطاقة (NEEAP) (2018/2019 – 2021/2022) خارطة طريق مفصلة للبلاد لتحسين كفاءة الطاقة.

وتكمن قوة خطة العمل هذه في تركيزها الشامل على جانبي العرض والطلب. على جانب العرض، يظل ضمان جودة البنية التحتية لنقل الطاقة الكهربائية لتقليل الخسائر في شبكة توزيع الكهرباء أولوية لكفاءة الطاقة. بدون إنشاء بنية تحتية عالية الجودة ومع ترقية الأنظمة الحالية أو في حال ذلك. سيظل انتقال الطاقة في مصر بطيئًا وغير مكتمل، لا سيما بالنظر إلى وتيرة التوسع الحضري.

واعتبارًا من عام 2020، يعيش 42.8% من السكان في المناطق الحضرية. وتقدر التوقعات أن مصر ستكون من بين أفضل 20 دولة في جميع أنحاء العالم مع أكبر عدد سكان حضري متوقع بحلول عام 2050: 85.3 مليون مواطن -وفق UNDESA 2018- وستستمر وتيرة التحضر في تحدي مصر من حيث استهلاك الموارد والقدرة على التكيف مع تغير المناخ.

كذلك ستظهر المدن كواحدة من أهم الملاعب لانتقال الطاقة وحلول توفير الطاقة الذكية. مثل كهربة القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة -أي النقل- أو رقمنة الأنظمة لزيادة مرونة واستجابة الشبكات.

وتخطط مصر لتحسين تدابير كفاءة الطاقة في القطاعات الرئيسية المستهلكة للكهرباء مثل المباني السكنية والعامة. للتوضيح، يعد تجديد المباني بما يتماشى مع قوانين كفاءة الطاقة، واستخدام محطات الطاقة الكهروضوئية على أسطح المنازل من بين بعض أهداف استراتيجية الطاقة الوطنية.

علاوة على ذلك، تشير الاستراتيجية إلى أنه من أجل ترشيد استهلاك الكهرباء من قبل المستخدمين النهائيين. يلزم على المدى الطويل نصف مليون مبنى سكني ومائتي ألف مبنى تجاري وعام لتنفيذ هذه التجديدات من أجل رفع كفاءة الطاقة. حتى المبادرات على المستوى الجزئي توفر إمكانات كبيرة للحد من الاستهلاك. فعلى سبيل المثال، تخطط مصر لتوزيع 28 مليون مصباح موفر للطاقة للأسر كجزء من استراتيجية زيادة الوعي، والتي يمكن أن يكون لها أيضًا آثار مالية إيجابية. وقد تم الإعلان عن استبدال 3.9 مليون مصباح إنارة للشوارع بمصابيح موفرة، لتوفير 872 مليون كيلوواط/ ساعة من الكهرباء.

خاتمة

بصفتها الدولة المضيفة لـ COP27 في نوفمبر 2022، ستكون سياسات المناخ والطاقة في مصر تحت دائرة الضوء بشكل كبير. وفي حين أن البلاد لديها الرغبة السياسية والإمكانات المادية لانتقال ناجح للطاقة، فإن تطوير نظام متوازن للطاقة بين الهيدروكربونات ومصادر الطاقة المتجددة سيظل يمثل تحديًا.

وعلى الرغم من أن مصر قد أقامت بالفعل شراكات دولية مهمة. إلا أن جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية في مصادر الطاقة المتجددة، والتقنيات الخضراء، والمباني الذكية، وتقنيات الكفاءة، سيكون أمرًا حيويًا في تمويل انتقال الطاقة. علاوة على ذلك -على صعيد الكفاءة- فإن زيادة الوعي العام بتغيير عادات الاستهلاك وقبول التقنيات الجديدة سوف يتطلب جهودًا صارمة.

وبناءً على ذلك، فإن الاستثمارات في رأس المال البشري لبناء المهارات ومحو الأمية المستدامة والخبرة المحلية ستكون بنفس أهمية البنية التحتية التقنية من أجل التحول الكامل.