رغم ابتعاد المنطقة العربية عن الصراع الدائر بين روسيا وحلف شمالي الأطلسي على الحدود الأوكرانية حاليًا. لكنها ستكون المتضرر الأول عالميًا حال نشوب حرب. الحرب ستؤثر -لا محالة- على قطاع الزراعة بدولة تعتبر مصدرًا أساسيًا لصادرات الغذاء على المستوى الدولي. فصحيح أن أوكرانيا ليست لاعبًا أساسيًا في السياسة الدولية. لكنها رأس حربة في مجال الإنتاج الزراعي. إذ لديها نحو 102.5 مليون فدان من الأراضي الزراعية. وهي تغطي 70% من مساحتها. بينما تحتل بها مراتب ضمن الستة الكبار في تصدير حاصلات زراعية أساسية عالميًا، كالقمح.

تعتبر أوكرانيا ثاني أكبر دولة بأوروبا بعد روسيا، والأولى عالميًا في إنتاج عباد الشمس العالمي بسجل إنتاج قياسي في الموسم الحالي، بنحو 17.5 مليون طن متري. كما تحتل المركز الرابع في القمح وإنتاج الذرة. وهي السادس في إنتاج الشعير العالمي، والسابع في إنتاج بذور اللفت، والتاسع في إنتاج فول الصويا.

ومع تصاعد حمى التهديدات بين روسيا وأمريكا بشأن أوكرانيا، ارتفعت العقود الآجلة للقمح في مجلس شيكاغو للتجارة. مع مخاوف من تعطل شحنات الحبوب في البحر الأسود. ليستقر سعر القمح الشتوي الأحمر الناعم لشهر مارس المقبل مرتفعًا  4 سنتات عند 7.86 دولار الواحد، والقمح الشتوي الأحمر الصلب تسليم مارس 4 سنتات عند 8.043 للبوشل الواحد.

البوشل أداة قياس بريطانية وأمريكية للأحجام الجافة وليس السائلة تختلف حجمها بحسب الحبوب وتعادل في القمح 60 رطلاً أو ما يناهز 27.20 كيلو جرام.

القمح الأوكراني في مناطق النيران

الجزء الأكبر من إنتاج القمح في أوكرانيا يأتي من الشرق إلى جوار منطقتي دونيتسك ولوهانسك. وفيهما تتركز القوات المدعومة من روسيا. كما أنهما ضمن المناطق الأكثر عرضة لهجوم روسي محتمل. ذلك بعد حشد آلاف الجنود ومئات القطع العسكرية على الحدود. ما يعني أن التهديدات العسكرية حال تحولها لحرب، ستؤشر بشدة على الإنتاج الأوكراني.

14 دولة تعتمد على الواردات الأوكرانية بنسبة تتجاوز 10% من استهلاكها من القمح. وفي مقدمتها الدول العربية التي تعاني من مشكلات أساسًا في تحقيق الأمن الغذائي. ذلك بسبب عدم الاستقرار السياسي المستمر أو العنف المباشر. فاليمن وليبيا تستوردان 22% و43% على التوالي من إجمالي استهلاكهما من القمح الأوكراني.

وتتزايد المخاوف من عودة شبح الثلاثينيات، حينما هاجمت روسيا أوكرانيا. حينها تعرضت الأخيرة لمجاعة رغم خصوبة أراضيها. لكن حال تكرر الأمر في 2022، فإن كلفة الغزو الروسي لأحد أكبر مصدري الحبوب في العالم، يمكن أن تتفاقم في جميع أنحاء العالم. ما ينذر بحدوث اضطرابات اجتماعية خارج أوروبا الشرقية.

ليست المخاوف من تعرض أوكرانيا للغزو فقط، ولكن من تعرض روسيا هي الأخرى لعقوبات اقتصادية تحول دون نفاذ صادراتها. وهو أمر سيتسبب أيضًا في ارتفاع الأسعار وتفاقم مشاكل سلسلة التوريد العالمية. بما بشمله ذلك من الحبوب والمعادن المستخدمة في جميع الصناعات؛ من السيارة حتى الصاروخ الفضائي.

مخاوف من فقدان الإنتاج الروسي أيضًا

قد تفشل صادرات القمح الروسي أيضًا في الوصول إلى السوق العالمية في موسم التسويق، إذا أصيبت الخدمات اللوجستية بالشلل في موانئ البحر الأسود، وتم تعليق روسيا من الأنظمة المالية العالمية، مثل شبكة اتصالات المعاملات المالية “سويفت” التي يقع مقرها ببلجيكا.

وتثير التقارير الصادرة من وكالة الغذاء التابعة للأمم المتحدة “الفاو” في 28 يناير الحالي المخاوف. فالعقود الآجلة للذرة قفزت بالفعل لأعلى مستوياتها منذ يونيو. كما ارتفعت عقود القمح الآجلة إلى أعلى مستوياتها في شهرين.

ويقول أندري سيزوف رئيس شركة “سوف أيكون” للاستشارات بروسيا، لصحيفة “فورين بوليسي”، إنه حال تعطل الصادرات بشدة، فإن ذلك يعني مشاكل كبيرة لجميع مستوردي الأغذية الكبار. خاصة في شمال أفريقيا وإيران والسودان وأفغانستان ومصر ولبنان، الذي يعاني أزمة خانقة، وكان نصف القمح المستهلك فيه من مصدر أوكراني.

23% من إجمالي صادرات القمح عالميًا مهددة بالحرب

كما تشير التقديرات إلى أن صادرات روسيا وأوكرانيا من القمح المجمعة للسنة التسويقية 2021-22 تمثل 23% من الإجمالي العالمي البالغ 206.9 مليون طن متري، وفقًا لوزارة الزراعة الأمريكية. وبالنسبة للذرة، من المرجح أن تمثل أوكرانيا 16% من صادرات الذرة العالمية.

وبالنسبة لروسيا، بلغت الصادرات 2.6 مليون طن متري خلال شهر انتهى بنهاية 20 يناير. ذلك بانخفاض من 3.2 مليون طن عن 20 ديسمبر. ومنذ أن بدأت سنة التسويق الحالية  للقمح الروسي في 1 يوليو وحتى 20 يناير، انخفضت صادراتها بنسبة 21% على أساس سنوي عند 23 مليون طن متري.

وتبحث بعض دول الشرق الأوسط مثل العراق في مواقع أخرى غير البحر الأسود للحصول على قمحها. وقد اشترت بغداد مؤخرًا حوالي 150 ألف طن متري من القمح الأسترالي عالي الجودة. كما أصبحت الأرجنتين أيضًا منافسًا رئيسيًا فيما يتعلق بأسواق الشرق الأوسط.

لكن من المحتمل أن تضيف مشكلات الطقس في دول أمريكا الجنوبية إلى مخاوف إمدادات الذرة على مستوى العالم. خاصة بعدما هدد الطقس الجاف آفاق المحاصيل في البرازيل والأرجنتين.

مصر أكبر مشتر للقمح الأوكراني.. خيارات المناورة

مصر أكبر مشتر للقمح الأوكراني، بعدما استوردت منه أكثر من 3 ملايين طن متري عام 2020. ما يعادل حوالي 14% من إجمالي القمح المستورد حينها. خاصة أن القمح الأوكراني يتسم برخص السعر حال مقارنته بالفرنسي.

وقال الدكتور محمد معيط وزير المالية، في بيان صحفي أخيرًا، إن ارتفاع أسعار القمح عالميًا سيزيد التكلفة علينا بنحو 12 مليار جنيه في مشروع موازنة 2021-2022.

وبحسب تقرير أخير لوزارة التموين والتجارة الداخلية، فإن مخزون القمح في مصر يكفي لأكثر من 5.2 أشهر. ذلك مع وجود خطة مستمرة لتأمين مخزون كل السلع الاستراتيجية سواء من خلال الحصول على القمح المحلي من المزارعين أو من خلال الاستيراد من الخارج من خلال إجراء المناقصات العالمية.

وتراهن الوزارة على موسم محلي في سد أي عجز متوقع فالكميات المحلية يتم توريدها بدءًا من منتصف أبريل حتى ويوليو بأسعار بـ820 جنيهًا للإردب زنة 150 كيلوجرامًا بدرجة نظافة 23.5 قيراط، و810 جنيهات للإردب زنة 150 كيلوجرامًا بدرجة نظافة 23 قيراطًا و‏800 جنيه للإردب زنة 150 كيلوجرامًا درجة نظافة 22.5 قيراط.

مصر تنتج نصف احتياجاتها فقط من القمح

وبحسب الحملة القومية للقمح، فإن مساحة محصول القمح بمصر 3,6 مليون فدان، تنتج حوالي 9 ملايين إلى 10 ملايين طن القمح. بينما الاحتياجات المحلية تصل إلى 18 مليون طن. لكن الوزارة الوصول تستهدف رفع الإنتاج المحلي إلى 12 مليون طن من إنتاجية القمح.

وتعاقدت الهيئة العامة للسلع التموينية على مناقصة عالمية لشراء 420 ألف طن قمح، يوم الجمعة الماضي، موزعة بين 60 ألف طن من رومانيا ومثلها روسيا وأوكرانيا، للشحن في الفترة ما بين 5 و15 مارس المقبل، مع تنويع المقاصد تحاشيًا لحدوث أي مشكلات في التوريد.

ما يدفع المسؤولين المصريين لعدم القلق هو تغيير دفتهم نحو القمح الفرنسي في يوليو الماضي، بتغيير المواصفات الخاصة بالاستيراد للسماح، بنسبة رطوبة تبلغ 13,5%. ومن حق كل دولة تحديد نسبة الرطوبة التي تلاءم مناخها. ذلك بما لا يتجاوز اشتراطات الهيئة الدولية “كوديكس” بألا تزيد نسبة الرطوبة عن 14.5%.

وكانت وزارة التموين تستهدف في اللجوء للقمح الفرنسي مواجهة القرارات المتتالية للحكومة الروسية بفرض ضريبة أعلى على تصدير القمح من أجل تعزيز الاحتياطيات الداخلية حينها. وقد أجرى وزيرها زيارة إلى باريس وتلقى خلالها اقتراحًا فرنسيًا بالتعاقد لمدة 3 سنوات على أقل تقدير، حتى يتسنى التفاوض مع شركات الشحن الفرنسية لتخفيض الأسعار.

ويرى أحمد الباشا إدريس، عضو مجلس إدارة غرفة القاهرة التجارية ورئيس شعبة البقوليات والحاصلات الزراعية، أن الأزمة الأوكرانية الروسية ستحمل تأثيرًا على الدول المستورة للحبوب. خاصة أنها تدور بين دولتين تحتلان مرتبة عالية في الإنتاج العالمي من الغذاء.

يقول إدريس إن التأثير مرهون بمدى استمرار الأزمة وتطوراتها ومدى تأثيرها على الشحن في المنطقة. لكنها ستسبب ارتفاعًا بالأسعار في وقت تعاني فيه بالفعل من ارتفاعات بسبب تزايد أعباء الشحن العالمي التي وصلت لمستويات قياسية، وتأثيرات الطقس على دول أخرى مصدرة للحبوب.