مساء الأحد الماضي بينما كان مواطنو واشنطن يشاهدون مباريات تصفيات الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية تعرضت الإمارات لهجوم من الحوثيين في اليمن للمرة الثانية خلال أسبوع. وقد اعترضت الدفاعات الجوية الإماراتية الصواريخ القادمة. لكن غارة بطائرة مسيرة في 17 يناير الماضي أسفرت عن مقتل 3 وإلحاق أضرار طفيفة بمنشآت نفطية ومدنية.

الهجمات الحوثية على الإمارات -بحسب محللين- كانت ردًا على الانتكاسات الأخيرة للحوثيين في ساحة المعركة. ربما نتيجة تنسيق أفضل بين الوكلاء السعوديين والإماراتيين على الأرض. بالإضافة إلى فعالية مليشيا يمنية مدعومة إماراتياً معروفة باسم “لواء العمالقة”.

ووفق تحليل جديد نشره موقع “فورين بوليسي” فبغض النظر عن السبب المباشر لهجمات الحوثيين بطائرات مسيرة وصواريخ فإنهم يشكلون معضلة كبيرة للقادة في أبوظبي. هؤلاء الذين يبدون عالقين بين سياساتهم الخارجية والدفاعية النشطة -وحتى العدوانية- في العقد الماضي. وبين جهودهم الحالية للتوجه نحو الداخل بالتركيز على التنمية المحلية.

هنا يثير القتال الحوثي أيضًا تساؤلات حول الفكرة المبتذلة في واشنطن بأن الجهات الفاعلة المحلية يمكنها إدارة خفض التصعيد الإقليمي وتحرير الولايات المتحدة للتعامل مع “مشكلات أكبر”.

وقد أشار وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس ذات مرة إلى الإمارات باسم “سبارتا الصغيرة” على سبيل المدح. فيما عكس الاسم حقيقة الإصرار الإماراتي على تطوير قوة عسكرية فعالة عكس دول أخرى بالمنطقة. فقد قاتل جنود إماراتيون إلى جانب القوات الأمريكية في أفغانستان. وشارك طيارون إماراتيون في عمليات ضد تنظيم داعش الإرهابي. ووجهوا ضربات مدمرة لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. فيما حصل الجيش الإماراتي على كثير من المساعدة من الضباط الأجانب في صفوفه. وبينما لم تكن جميع فروع الجيش الإماراتي من الدرجة الأولى لكنه شريك أمني مهم للولايات المتحدة رغم مشكلات لا تزال تعيق العلاقات الثنائية بينهما.

الإمارات ومعضلة حقوق الإنسان

ورغم التركيز “الغريب” لبعض المدافعين عن حقوق الإنسان من أعضاء الكونجرس على الإماراتيين. فإن هذا لا يعني أن الإمارات ليس لديها مشكلة تتعلق بحقوق الإنسان. إذ نجد في التقرير القطري لوزارة الخارجية لعام 2020 سلبيات جمة تتعلق بممارسات حقوق الإنسان الإماراتية. حيث وجد المسؤولون الأمريكيون تعذيبا أثناء الاحتجاز واعتقالا تعسفيا وسجناء سياسيين. بالإضافة إلى التدخل في خصوصية المواطن والقيود المفروضة على حريات الصحافة. وذلك غير مجموعة جرائم أخرى.

التدخل الإماراتي والحجم الدولي

وتعرضت الإمارات لانتقادات كثيرة خاصة الطريقة التي ألقت بها ثقلها -رغم حجم الإمارات المتواضع- في جميع أنحاء المنطقة طوال العقد الماضي. حيث دعمت الاقتصاد المصري في عام 2013 وعارضت خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران. ودعمت خليفة حفتر في ليبيا. وقادت الحصار على قطر. وطبعت العلاقات مع إسرائيل. بينما يقول النقاد إنها تبيع الفلسطينيين. وتبعت السعودية للتدخل في اليمن عام 2015 لخوفها من خسارة السعوديين ومن ثم المخاطرة بزعزعة استقرار الدولة الأكثر أهمية في اليمن. فضلا عن خوفها مما اعتبرته محاولة إيرانية لإنشاء رأس جسر في شبه الجزيرة العربية.

ورغم جميع الجهود الإماراتية لإعادة تشكيل المنطقة عبر سياسة أمنية خارجية نشطة فإنها لم تكن ناجحة كما كان يأمل القادة في أبوظبي. حيث انسحبت القوات الإماراتية من اليمن في 2019 رغم احتفاظ الإمارات بنفوذها عبر القوات المتحالفة والمليشيات بعد أن خلصت إلى أن الصراع هناك لا يمكن الانتصار فيه. وأن تكاليف البقاء باهظة للغاية. في العام نفسه بدأت مناقشات مع إيران بعد أن أدركت أن إدارة ترامب لن ترد مباشرة على الاستفزازات الإيرانية في الخليج تاركة الإمارات مكشوفة.

خطوة إلى الوراء.. والتحكم بالمال

وزار ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد أنقرة في نوفمبر الماضي بعد ما يقرب من عقد اتهم خلاله الإماراتيون والأتراك بعضهم بتحريض الإرهابيين وزعزعة استقرار المنطقة. وليس من قبيل المصادفة أن يعرض الإماراتيون على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استثمارات ومقايضة للعملة في وقت يكون فيه الرجل ضعيفًا سياسيًا في جبهته الداخلية.

وبالطبع لم يتخلَّ الإماراتيون عن كراهيتهم العميقة للإسلاميين ولم يدفنوا الأحقاد مع القطريين. ومع ذلك فقد تراجعوا بشكل ملحوظ عن سياستهم الخارجية لصالح التركيز على التنمية المحلية وفن الحكم الاقتصادي بهدف كسب النفوذ مع الأعداء السابقين والمنافسين باستخدام الموارد المالية المتاحة لهم.

لكن ما يهدد ذلك التركيز على الاستثمار في الداخل وتنميته هو هجمات الحوثيين على الإمارات. تلك الهجمات التي تهدد بتعطيل التركيز الإماراتي على الشؤون الداخلية والدبلوماسية والمالية. كما أنه يضع الإماراتيين في مأزق. فمن المستحيل ألا يردوا على هجمات ضد مدنهم الرئيسية -بما في ذلك العاصمة- لكنهم لا يريدون الانجراف مباشرة إلى الصراع اليمني. وهو ما يريده الحوثيون بشكل شبه مؤكد.

هنا خرج الإماراتيون من اليمن لأن الحرب كانت اقتراحًا خاسرًا. ولأن ارتباطهم الوثيق بالسعوديين كان يضر بالإمارات خاصة في واشنطن. حيث لا أحد يريد أن يفعل شيئًا مع المملكة العربية السعودية فيما تريد في اليمن.

الإمارات والنظر إلى الداخل.. الحوثي يتحدى

ورداً على الهجوم الأول على الإمارات -فضلاً عن الضربات الصاروخية والطائرات دون طيار المستمرة على أراضيهم- شن السعوديون غارات جوية شرسة أدت وفقًا لمراقبين على الأرض إلى مقتل وإصابة عشرات الأشخاص في معاقل “المتمردين”.

لكن لا يبدو هذا طريقا يريده الإماراتيون. فبدلاً من ذلك دمرت طائرة إف -16 إماراتية موقع إطلاق صواريخ استخدمه الحوثيون في هجومهم الثاني على أبوظبي.

من الواضح أنهم يفضلون تسليط الضوء على ما يحدث داخل الإمارات: معرض إكسبو 2020 دبي. ومجموعة كبيرة من الأعمال التجارية الجديدة. و”اتفاقيات إبراهام”. ومع ذلك من غير المرجح أن يواصل الإماراتيون الرد بشكل متواضع على ضربات الحوثيين المستقبلية. ما يعني أن الحرب في اليمن قد تدخل مرحلة جديدة.

لقد اكتسب الصراع المتطور في اليمن بعض الزخم في واشنطن مؤخرًا. وذلك مع تزايد الدعوات إلى تقليص النفقات وإلغاء التركيز على الشرق الأوسط في السياسة الخارجية الأمريكية. وهنا اقترح المحللون والمعلقون أنه مع وجود جهات فاعلة محلية يُزعم أنها تعمل على تهدئة النزاعات الإقليمية لم تعد الولايات المتحدة بحاجة إلى لعب دور مركزي في الاستقرار الإقليمي.

عند هذه اللحظة الفارقة تحديدا بدأت محادثات بين سعوديين وإيرانيين. وإماراتيين وإيرانيين. وأتراك ومصريين. وأتراك وإسرائيليين. واتفاقية العلا التي أنهت الحصار السعودي الإماراتي البحريني المصري على قطر خير دليل.

لكن كل هذا لم ينتج عنه كثير. إذ لا تزال سوريا تعيش اضطرابا. ولا تزال ليبيا على شفا المزيد من القتال. ويبدو الصراع في اليمن بلا نهاية. وتستمر إيران ووكلاؤها في زرع عدم الاستقرار والعنف في جميع أنحاء المنطقة. أما تركيا فتحتل أجزاء من سوريا والعراق. وفي السودان وتونس لا تزال الانقلابات سيدة الموقف. إذاً من الصعب رؤية التوازن الإقليمي الذي من المفترض أن ينتج الاستقرار ينشأ من هذه البيئة الديناميكية.

الإمارات.. في انتظار المخلص الأمريكي

في غضون ذلك كله ورداً على الهجمات ضد أبوظبي أرسل الرئيس الأمريكي جو بايدن مبعوثه إلى اليمن نحو المنطقة. فيما لا يزال من غير الواضح ما الذي تستعد إدارة بايدن للقيام به في اليمن. خاصة مع كثير من اهتمام الرئيس بايدن بأزمة أوكرانيا والصراع مع الدب الروسي. والذي يمكن أن يتحول إلى حرب في أي لحظة.

هناك سياسات أمريكية من شأنها أن تساعد في فك ألغاز الشرق الأوسط. إذ يفكر أعضاء فريق بايدن في إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية. وهو الأمر الذي ينظر إليه بأنه سيصعب الحصول على مساعدات إنسانية لليمن وشعبه. لكن شطب الحوثي من القائمة الإرهابية كان من المفترض أن يكون جزرة سيستخدمها الأمريكيون لإقناع الحوثيين بالسعي إلى إنهاء الصراع عبر المفاوضات. لكن يبدو أن هذا الأمر لم يعد فعالا. إذ بدا الحوثيون أكثر جرأة.

يبقى هنا أن نقول إنه إذا كانت إدارة بايدن وأعضاء الكونجرس جادين في تخفيف معاناة اليمنيين فعليهم التأكد من وقف خط أنابيب الأسلحة الإيراني للحوثيين. كما سيتعين على مسؤولي الإدارة الأمريكية الاعتماد على العُمانيين الذين كانوا قادرين على جلب الحوثيين للمفاوضات. في نهاية المطاف وجب حرمان الحوثيين من الأموال والأسلحة ووجب عزلهم دبلوماسياً.

إن اليمن وأزمته فرصة للأمريكيين لعودة الثقة بهم من قبل شركائهم الإقليميين، الذين يرون موقف واشنطن الاستراتيجي يتآكل لذا يتحوطون بالصين.