قالت منظمة العفو الدولية، اليوم الثلاثاء، في تقرير جديد، إنه ينبغي مساءلة السلطات الإسرائيلية على ارتكاب جريمة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين. ويبيّن التحقيق بالتفصيل كيف أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تفرض نظام اضطهاد وهيمنة على الشعب الفلسطيني أينما تملك السيطرة على حقوقه. وقالت إن ذلك يشمل الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، فضلاً عن اللاجئين النازحين في بلدان أخرى.

ورصد التقرير نية إسرائيل إقامة نظام قمع الفلسطينيين والهيمنة عليهم. كما فحصت العناصر الأساسية لهذا النظام. وخلص إلى أن نظام الاحتلال يرقى إلى مستوى الفصل العنصري “أبارتهايد“. داعيًا إلى تفكيك ذلك النظام “الذي يتسم بالقسوة”. وأنه يجب على المجتمع الدولي الضغط عليها لتحقيق ذلك.

الفصل العنصري والممارسات الإسرائيلية

في مارس/آذار 2019، نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي -آنذاك- بنيامين نتنياهو، رسالة على الإنترنت. أكد فيها أن “إسرائيل ليست دولة لكل مواطنيها.. بل الدولة القومية للشعب اليهودي وله وحده”. من هذا المنطلق، تسود في الأراضي الفلسطينية المحتلة -بما تضمه من عرب 1948- نظام وجريمة فصل عنصري. سواء ضد العرب المجبرين على العيش في الأراضي المحتلة، أو اللاجئين الفلسطينيين.

ويُعتبر الفصل العنصري انتهاكاً للقانون الدولي العام، وانتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان التي تحظى بالحماية الدولية، وجريمةً ضد الإنسانية بموجب القانون الجنائي الدولي.
وتحظر ثلاثة اتفاقيات دولية وتجرِمّ صراحةً الفصل العنصري. وهي الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

الفصل العنصري يعرف بأنه أي عمل لا إنساني أو وحشي يُرتكب بصورة أساسية أي انتهاك جسيم لحقوق الإنسان. في سياق نظام مؤسسي من الهيمنة، والقمع بصورة ممنهجة من جانب فئة عنصرية على فئة عنصرية أخرى، بقصد إدامة هذا النظام. ويمكن فهم نظام الهيمنة والقمع باعتباره معاملةً قاسية تتسم بالتمييز المجحف بشكل ممنهج ومستديم من جانب فئة عنصرية ما تجاه أفراد فئة عنصرية أخرى. بقصد الهيمنة على الفئة العنصرية الأخرى.

هذا القمع الذي يُمارس في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة. مطابق أو مماثل لنظام العزل والتفرقة والقمع والهيمنة الذي كان يُمارس في جنوب أفريقيا حتى عام 1994. وفق التقرير. حيث فحصت منظمة العفو الدولية الطريقة التي تمارس بها إسرائيل سيطرتها على الشعب الفلسطيني. كما فحصت عدداً من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. التي من شأنها أن تشكل الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري إذا ما ارتُكبت بقصد إدامة هكذا نظام من القمع والهيمنة.

تركيبة الفصل العنصري

شكلت العوامل السكانية العامل الموجِّه للتشريعات وصناعة السياسات في إسرائيل. فقد تعينَّ أن يتغيرَّ التركيب السكاني للدولة الجديدة لصالح اليهود الإسرائيليين. أما الفلسطينيون، فكان يُنظر إليهم باعتبارهم تهديداً لإقامة وإدامة أغلبية يهودية. “ونتيجةً لذلك كان من الضروري طردهم، وشرذمتهم، وعزلهم وتفرقتهم، والسيطرة عليهم. ونزع ملكيتهم لأراضيهم وممتلكاتهم، وحرمانهم من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية”، وفق التقرير.

ويشكلّ اليهود الإسرائيليون فئةً موحدةً من حيث تمتعها بحالة قانونية تحظى بامتيازات ومنصوص عليها في القانون الإسرائيلي. وهو وضع يسري عليهم من خلال خدمات وأشكال الحماية التي توفرها الدولة. بغض النظر عن مكان إقامتهم في الأراضي الخاضعة لسيطرة إسرائيل الفعلية. وقد ترسخت الهوية اليهودية للدولة في قوانينها وفي ممارسات مؤسساتها القومية والرسمية. وتنظر القوانين الإسرائيلية إلى الهوية اليهودية وتتعامل معها، حسب السياق، باعتبارها هوية دينية. أو هوية قائمةً على النسب، أو هوية قومية أو عرقية.

على النقيض، تتعامل الدولة الإسرائيلية مع الفلسطينيين على أساس نظرتها ذات الطابع العرقي العنصري إليهم باعتبارهم غير يهود، وعرب. أو باعتبارهم جزءاً من فئة لها خصائص معينة تختلف عن غيرها من الفئات غير اليهودية الأخرى.

أمّا فيما يتعلق بالفلسطينيين من حملة الجنسية الإسرائيلية. فقد صنَّفتهم وزارة الخارجية الإسرائيلية رسمياً باعتبارهم “مواطني إسرائيل العرب”، وهو مصطلح شامل يصف عددا من الفئات المختلفة. التي يجمع بينها بالأساس أنها تتحدث باللغة العربية، ومن بينها العرب المسلمون، البدو، والعرب المسيحيون، والدروز، والشركس.

وبينما يُعرّف العرب أنفسهم للعالم كفلسطينيون تحت سلطة الاحتلال. تربط السلطات الإسرائيلية ووسائل إعلامها بينهم وبين الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة وخارجها. وتستخدم مصطلحات “الدروز “و”الشركس” المحددة للإشارة إلى المجموعات غير اليهودية الأخرى.

يقول التقرير: “من الواضح أن السلطات تعتبر الفلسطينيين من حملة الجنسية الإسرائيلية فئة واحدة تختلف عن الدروز والشركس. حيث تعفي السلطات أفراد هذه الفئة وحدها من الخدمة العسكرية -بالنظر إلى ارتباطاتهم العائلية والدينية والثقافية. مع العالم العربي الذي عرَّض إسرائيل لاعتداءات متكررة- وكذلك للتخوف بشأن احتمال الولاء المزدوج.”

الحكم العسكري للسيطرة ونزع الملكية

طيلة عقود، استخدمت إسرائيل الحكم العسكري كوسيلةً أساسيةً لإرساء نظام القمع والهيمنة. الذي تفرضه على الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر. وتُطبقه على الفئات المختلفة من الفلسطينيين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل شبه مستمر منذ عام 1948.
هدفت إسرائيل بتلك الطريقة لتوسيع رقعة الاستيطان اليهودي في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية. ونزع ملكية الفلسطينيين لأرضهم وممتلكاتهم متسترِّةً بذريعة الحفاظ على الأمن.
ساهم في قدرات القمع الإسرائيلية ما عُرف بـ “أنظمة الطوارئ” الخاصة بالانتداب البريطاني. والتي استخدمتها إسرائيل الوليدة طيلة الـ 18 عامًا الأولى من عمرها. حيث منحها سلطات غير محدودة تتيح لها السيطرة على تنقل السكان الفلسطينيين. ومصادرة ممتلكاتهم، وإغلاق قرى بأكملها كمناطق عسكرية، وهدم منازلهم، ومحاكمتهم أمام محاكم عسكرية.
وكان على الفلسطينيين الحصول على تصاريح لمغادرة مناطق إقامتهم لأي سبب. بما في ذلك الوصول إلى الرعاية الطبية وأماكن عملهم. وأخضعت المؤسسات الإسرائيلية الفلسطينيين لنظام من المراقبة والسيطرة قيدَّ حرياتهم السياسية عمداً. من خلال حظر الاحتجاجات والقبض على النشطاء السياسيين بسبب أنشطتهم السياسية.
في الوقت نفسه، تسيطر إسرائيل على السجل السكاني في الضفة الغربية وغزة منذ عام 1967. وتفرض سياسات وقيوداً وإجراءات للسيطرة على التركيب السكاني لتلك الأراضي.

وأضاف التقرير: “ما زال الفلسطينييون في تلك الأراضي بلا جنسية، ويُعتبرون منعدمي الجنسية. باستثناء من حصلوا على جنسية من بلد آخر. ويصدر الجيش الإسرائيلي لهم بطاقات هوية تمكنهم من الإقامة الدائمة والعمل في تلك الأراضي”.

تعطيل لم الشمل

بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في نهاية عام 2000. قامت الإدارة المدنية الإسرائيلية -وهي وحدة عسكرية تشرف على جميع الشؤون المدنية للمستوطنين اليهود الإسرائيليين والسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية باستثناء القدس الشرقية- بتجميد معظم التغييرات في السجل السكاني الفلسطيني دون إخطار مُسبق للسلطة الفلسطينية. وشمل التجميد تعليق جميع إجراءات “لم شمل الأسر” للسكان الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة الذين تزوجوا من مواطنين أجانب.

منذ ذلك الحين، التزمت إسرائيل مرتين بالموافقة على عدد صغير من طلبات لم الشمل. كبادرة حسن نية دبلوماسية للسلطات الفلسطينية. رغم الاستمرار في رفض منح حق الإقامة لعشرات الآلاف من المواطنين الأجانب المتزوجين من فلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة.

وتابع التقرير: “هذا أمر ينطوي على تمييز بالغ، إذ لا يتعرض المستوطنون اليهود المقيمون في المستوطنات في الضفة الغربية لأي قيود في الحصول على تصاريح من السلطات الإسرائيلية لدخول من يتزوجّون إلى الأراضي المحتلة والإقامة معهم”.

كذلك في أوائل عام 2003، بدأت إسرائيل تحظر على الفلسطينيين المسجلين في غزة الإقامة في الضفة الغربية. وألقت القبض على الآلاف ونقلتهم قسراً إلى قطاع غزة، بعد أن أطلقت عليهم وصف “المتسللين”.

رفض إسرائيلي

في خطوة استباقية، رفضت الحكومة الإسرائيلية التقرير بشكل كامل قبيل صدوره بيوم واحد. ونشرت صفحة “إسرائيل تتكلم العربية” بيانًا جاء فيه: “ترفض إسرائيل جملة وتفصيلًا الافتراءات الواردة في تقرير منظمة العفو الدولية”. وأضافت: “هذا التقرير لا يعترف بأحقية دولة إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي”.

ووصفت إسرائيل التقرير بأنه “يتسم بلهجة متطرفة، وبتحريف السياق التأريخي. بهدف شيطنة إسرائيل وتأجيج نار معادية للسامية”.
‏أصدرت الحكومة الإسرائيلية تصريحًا على لسان وزير الخارجية يائير لبيد، قال فيه: ” التقرير الذي ستنشره غدا منظمة العفو الدولية هو مغرض ويتسم بالكذب وبمعاداة السامية”. لم تقم أمنستي بتسمية سوريا دولة أبارتهايد، بعد أن قتل نظامها نصف مليون مواطن، ولا تستخدم أمنستي هذا اللقب تجاه إيران وباقي الأنظمة القمعية والفتاكة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية”.

أضاف البيان: دعت منظمة العفو الدولية، في التقرير، جميع الأطراف التي لها ولاية قضائية على الجرائم المُرتكبة. لإدامة النظام العنصري الإسرائيلي “أن تبادر بإجراء تحقيق في هذه الجرائم”. راصدًا العناصر الأساسية لهذا النظام. والتي تتمثل في “شرذمة الأراضي، والتفرقة والعزل والسيطرة، ونزع ملكية الأراضي والممتلكات. والحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية”.