يُعد البحر الأبيض المتوسط ​​ودول شمال أفريقيا من بين المناطق الأكثر تضررًا من تغير المناخ، وفقًا للهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC). حيث يتوقع أن تواجه المنطقة “خطرًا متزايدًا، يتمثل في نقص المياه، والفيضانات الساحلية، والتعرض للحرارة الشديدة التي قد تكون مميتة”. مع ارتفاع درجات الحرارة بشكل أسرع من المتوسط ​​العالمي. وهي كلها أمور تؤثر على قطاعات مثل الزراعة، مصايد الأسماك، والسياحة.

لهذا السبب، يعتبر التحول إلى الطاقة النظيفة-إضافة إلى آثاره المتمثلة في التخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه- قضية سياسية ملحة لدول شمال أفريقيا. ذلك على الرغم من أنها كانت مسؤولة تاريخيًا فقط عن 0.88% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية. دون حساب الانبعاثات الناتجة بشكل غير مباشر من خلال صادرات الهيدروكربون. وهو ما يركز عليه تقرير حديث نشره المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI)، ضمن سلسلة تقارير عن ضرورة هذا التحول لبلدان شمال أفريقيا.

التحول إلى الطاقة النظيفة.. مصر والمغرب

وقّعت دول شمال أفريقيا الخمس على اتفاقيات باريس للمناخ. كما وافقت على خطط لانتقال الطاقة النظيفة. وباستثناء ليبيا، فقد أنشأت جميعًا مؤخرًا وزارات مكرسة لمشروع الطاقة الخضراء.

في العقد الماضي، زادت المنطقة إنتاجها من الكهرباء المتجددة بنسبة 40%، مدفوعة بتوسع طاقة الرياح والطاقة الشمسية الكهروضوئية والطاقة الحرارية الشمسية. ويعتبر المغرب هو البلد الأكثر تقدمًا من حيث حصة الطاقة المتجددة وتوليد الكهرباء. وفي تعزيز التحول في مجال الطاقة. تقترب سياساتها وتعهداتها من متابعة الهدف الرئيسي. وهو الحد من درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية.

كذلك تمتلك مصر أكبر قدر من الطاقة المتجددة المثبتة، مع أهداف طموحة لزيادتها. وستستضيف مؤتمر الأمم المتحدة المقبل للمناخ (COP27) في نوفمبر 2022. أمّا الجزائر، تونس، وليبيا، فقد بدأت في تنفيذ المرحلة الانتقالية بتركيز أقل وتأخر في التنفيذ.

ويرى الباحث في معهد (ISPI) ألدو ليجا إنه على الرغم من إحراز تقدم كبير. إلا أن حصة مصادر الطاقة المتجددة الحديثة -التي تستبعد الاستخدام التقليدي للكتلة الحيوية- في الاستهلاك النهائي للطاقة لا تزال محدودة. وتتراوح من 7.6% في المغرب إلى 0.2% في الجزائر في عام 2018. ورغم إعطاء الأولوية لتنفيذ المشاريع الكلية، لا يزال تطوير القدرات خارج الشبكة. ولا تزال تدابير كفاءة الطاقة بحاجة إلى التحسين. وكذلك إزالة انبعاثات الكربون من الصناعات الرئيسية، مثل قطاعي الطاقة والتعدين.

تمتلك مصر أكبر قدر من الطاقة المتجددة المثبتة، مع أهداف طموحة لزيادتها.
تمتلك مصر أكبر قدر من الطاقة المتجددة المثبتة، مع أهداف طموحة لزيادتها.

تحديات الانتقال إلى الطاقة النظيفة.. سياسيًا واقتصاديًا

تعد شمال أفريقيا منطقة متنوعة للغاية من منظور الطاقة. كما أن الطلب على الطاقة آخذ في الارتفاع في كل دولة. بالإضافة إلى استهلاك الوقود الأحفوري، حيث يمثل النفط ما بين 45% و85% من استهلاك الطاقة النهائي في جميع أنحاء المنطقة. ويظل ثاني أكسيد الكربون مرتبطًا بالاتجاهات الديموغرافية المتزايدة، والتوسع الحضري السريع، والنمو الاقتصادي.

وبينما تعتمد كلًا من تونس والمغرب بشكل كبير على واردات الطاقة، تعد الجزائر ومصر وليبيا مُصدِّرين صافين للنفط أو الغاز الطبيعي.

يقول ألدو ليجا إن الدول الخمس لديها موارد طاقة مختلفة، ومصادر مختلفة لتوليد الكهرباء. وبالتالي، فإن المسار نحو التحول إلى الطاقة النظيفة له تأثير مختلف على كل من اقتصاداتها ومجتمعاتها. ذلك نظرًا لتكوين مزيج الطاقة الخاص بها، ودور قطاع الطاقة وواردات الطاقة.

وبالنسبة للبلدان المستوردة للنفط، يعتبر التحول وسيلة إضافية لتقليل الاعتماد على الموردين الخارجيين. وأيضًا تخفيف التعرض لصدمات الأسعار. بينما بالنسبة للبلدان المصدرة للنفط، والتي تعتمد بشكل كبير على عائدات التصدير لميزانياتها وللحفاظ على هيكل عائداتها، فيمكن أن يساعد تحول الطاقة في تلبية الطلب الداخلي المتزايد. وبالتالي تحرير الموارد للصادرات.

وينصح الباحث بإعادة تقييم السياقات السياسية والاقتصادية التي يتدخل فيها انتقال الطاقة ليتم تعزيزها. إذ أن هناك العديد من التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تحتاج إلى معالجة. خاصة في الوقت الذي لا يزال فيه تعافي المنطقة بعد تفشي وباء COVID-19 غير مكتمل.

وفي منطقة أثبتت فيها محاولات الإصلاح إلى الآن أنها “غير كافية، مع نتائج ملموسة محدودة”، يتم إعاقة تحولات الطاقة بسبب القدرات المؤسسية المحدودة والقوانين واللوائح الداعمة للكشف عن الاستثمارات الخاصة. وعلى الرغم من التطورات الإيجابية الأخيرة، فإن الافتقار إلى آليات دعم موثوقة، وإجراءات ترخيص واضحة، إلى جانب بيئات العمل الضعيفة التي أعاقت إمكانات المنطقة، يلعب الاستقرار السياسي وأساسيات الاقتصادات المحلية دورًا في مسار التحول.

تحول الطاقة والتغلب على القيود.. مصر والمغرب

يرى الباحث ألدو ليجا أن دول شمال أفريقيا يمكنها الاستفادة من تحول الطاقة كأداة لمساعدتها على التغلب على قيود هيكلية معينة لاقتصاداتها. مثل الافتقار إلى التنويع، والتنمية الصناعية والبطالة.

في مصر مثلاً، لا تزال الآفاق الاقتصادية غير مؤكدة. ذلك على الرغم من أن القطاعات الاقتصادية الحيوية بدأت في الانتعاش. ويدخل تطوير مصادر الطاقة المتجددة في سياق تغير تمامًا في السنوات الأخيرة. خاصة بعد اكتشاف حقل ظهر للغاز الطبيعي في عام 2015. حيث ستلبي الطاقة المتجددة حصة متزايدة من الطلب المحلي. كما سيتم تصديرها إلى البلدان المجاورة.

بينما في المغرب، تم دعم تحول الطاقة على أعلى مستوى منذ البداية. وهو أحد أعمدة جهود التحديث الاقتصادي للنظام الملكي. وقد صاحبته مجموعة محددة من المؤسسات. وصار الانتشار المتزايد لمصادر الطاقة المتجددة من بين الأهداف التي حددها “نموذج التنمية الجديد” للبلاد.

الجزائر وتونس وليبيا

في الجزائر، يعتبر قطاع الطاقة ضروريًا للاستقرار السياسي والاقتصادي للبلاد. حيث أن التوازن الاجتماعي والاقتصادي مرتبط بسعر النفط. وقد استحوذ قطاع الطاقة على 20% من الناتج المحلي الإجمالي، و41% من الإيرادات المالية، و94% من عائدات الصادرات في عام 2019. فيما أدى انهيار أسعار النفط في السنوات الأخيرة إلى تحديات على مستوى العقد الاجتماعي والتوقعات الاقتصادية للبلاد.

في هذا السياق، يمكن أن يساهم تحول الطاقة في الجزائر بشكل كبير في تنويع الاقتصاد. وأيضًا تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، وتحرير الموارد للتصدير. إذ إن انتهاء قاعدة 51/49 للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، والانفتاح على الاستثمارات الخاصة والأجنبية، يمكن أن يفتح سيناريوهات جديدة واعدة.

ولا يزال إنتاج الطاقة المتجددة في تونس محدودًا للغاية. وكذلك تهدد التطورات السياسية الأخيرة بمزيد من التأخير في تنفيذه. وعلى الرغم من أن الأزمة الاقتصادية الحالية لا تشير إلى احتمالية زيادة الاستثمارات العامة في مجال تحول الطاقة. إلا أن بناء 5 محطات جديدة للطاقة الشمسية الكهروضوئية من قبل شركات أجنبية يمكن اعتباره علامة إيجابية.

في ليبيا، تعرضت كل خطة للمراهنة على الطاقات المتجددة لإزالة الكربون من اقتصاد البلاد للخطر. ذلك بسبب الصراع والانقسام المؤسسي. لكن بدا أن وصول حكومة الوحدة الوطنية إلى السلطة في مارس 2021 قد خلق فرصًا جديدة للاستثمارات الدولية. حيث تم الإعلان عن إطلاق مشروعين للطاقة الشمسية، بالشراكة مع شركتي “توتال” و”إيني”، بحلول نهاية العام. لكن مع تزايد المخاوف بشأن استقرار البلاد، بعد تأجيل الانتخابات الرئاسية، لا يبدو أن انتقال الطاقة هو الأولوية في هذه المرحلة السياسية.

البعد الجيوسياسي للتحول إلى الطاقة النظيفة في شمال أفريقيا

تدريجيًا، يؤدي تنفيذ استراتيجيات التحول في مجال الطاقة إلى إدخال أبعاد جديدة في السياسة الخارجية لبلدان المنطقة. وقد أثبتت المساعدات الإنمائية الدولية أنها مفتاح لبدء التحول في مجال الطاقة في المنطقة، من خلال مبادرات التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، على حد قول الباحث ألدو ليجا.

هنا، يعتبر المغرب المستفيد الأول إلى حد كبير من هذا الدعم، تليها مصر وتونس. بينما بالمقارنة مع جيرانها، تستفيد الجزائر من المساعدة المحدودة. في حين لم يتم تخصيص صناديق تمويل مناخية متعددة الأطراف لليبيا.

ويتم توجيه الدعم الدولي أيضًا من خلال البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD). وكذلك بنك الاستثمار الأوروبي (EIB). فضلًا عن الصناديق متعددة الأطراف، مثل صندوق التكنولوجيا النظيفة، وصندوق المناخ الأخضر. وتشمل البرامج، من بين أمور أخرى، القروض والإعانات والمساعدة الفنية وبناء القدرات.

وتعتبر محطة “نور ورزازات” للطاقة الشمسية، واحدة من الرموز الأكثر شهرة لانتقال الطاقة في المغرب. حيث تم تمويلها بمبلغ يصل إلى 60% من الصناديق الأوروبية -مرفق الاستثمار المجاور للاتحاد الأوروبي، وبنك الاستثمار الأوروبي، وبنوك التنمية الفرنسية والألمانية. وفي كل من 2018 و2019، كان المغرب ثامن أكبر متلقي لتمويل المناخ في العالم. حيث تلقى حوالي 600 مليون دولار أمريكي.

استثمرت كبرى شركات الطاقة الأوروبية في مرافق الطاقة المتجددة في المنطقة. ومنها شركة Enel Green Power الإيطالية وشركة Eni.
استثمرت كبرى شركات الطاقة الأوروبية في مرافق الطاقة المتجددة في المنطقة. ومنها شركة Enel Green Power الإيطالية وشركة Eni.

نماذج للاستثمار في الطاقة النظيفة

وقد استثمرت كبرى شركات الطاقة الأوروبية في مرافق الطاقة المتجددة في المنطقة. ومنها شركة Enel Green Power الإيطالية وشركة Eni. وأيضًا شركة Engie الفرنسية وشركة EDF Renouvelables. وكذلك نشطت شركات من دول الخليج -لا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات- على الرغم من أنه لم يتضح بعد التأثير الذي ستحدثه مبادرة الشرق الأوسط الأخضر -السعودية الخضراء- على التحولات الخضراء في المنطقة في السنوات المقبلة.

يتداخل التزام المانحين الثنائيين في دعم تحولات الطاقة في المنطقة مع السياسات الخارجية لدول شمال أفريقيا والتوترات الجيوسياسية. على هذا النحو، يمكن أن تؤثر هذه الديناميكيات على تنفيذ انتقالات الطاقة إما عن طريق تسهيلها أو التدخل فيها.

على سبيل المثال، تم تعليق التعاون الثنائي في مجال الطاقة بين الرباط وبرلين، وهي الجهة المانحة الرئيسية للبلاد، والتي وقعت شراكة محددة بشأن الهيدروجين مع المغرب في ربيع عام 2021. كان هذا في المقام الأول بسبب الخلاف الدبلوماسي المتزايد بين البلدين على الصحراء الغربية، وهي منطقة يطالب بها المغرب وتعتبر أولوية قصوى للدبلوماسية المغربية.

في المقابل، في سياق تعزيز العلاقات السعودية التونسية في أعقاب القرارات التي قام بها الرئيس قيس سعيد. وقّع البلدان مؤخرًا مذكرة تفاهم لزيادة التعاون في مجال الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة. حيث تنظر تونس إلى الرياض للحصول على الدعم السياسي والاقتصادي في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخها.

التعاون الإقليمي والشراكات الدولية

علاوة على ذلك، هناك تأثير دولي آخر مثير للاهتمام لتحولات الطاقة في شمال أفريقيا. وهو أنها يمكن أن تلعب أيضًا دورًا في التعاون الإقليمي والشراكة الدولية. حيث تحتل المنطقة موقعًا استراتيجيًا نظرًا لقربها من أسواق الطاقة الأوروبية. وهناك العديد من المشاريع التي يمكن أن تستفيد من البنى التحتية القائمة، أو التي من شأنها أن تؤيد بناء وصلات بينية جديدة للطاقة، لنقل الكهرباء من مصادر متجددة أو لتصدير الهيدروجين الأخضر. ذلك إذا كانت التكنولوجيا ناضجة بما فيه الكفاية وكانت مجدية اقتصاديًا.

وبالتالي، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تطوير سوق طاقة متكامل بين الشواطئ الشمالية والجنوبية للبحر الأبيض المتوسط. وفيما يتعلق بنقل الكهرباء، تخطط إيطاليا وتونس لبناء وصلة كهرباء تحت البحر. وهناك بالفعل شبكة من الوصلات الكهربائية بين المغرب وإسبانيا.

بالنظر إلى منطقة شمال أفريقيا، على الرغم من ضعف الربط الشبكي عبر الحدود، إلا أن دول المنطقة تطور مشاريع جديدة، مثل شبكات الكهرباء بين الجزائر وليبيا، بينما تخطط مصر لتصدير فائض إمدادات الطاقة المنتجة من خلال مصادر الطاقة المتجددة إلى البلدان المجاورة.

وبالانتقال إلى المنطقة الأوسع، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هناك خطط ملموسة لربط شبكة كهرباء هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي بشبكة كهرباء الاتحاد الأوروبي عبر مصر. حيث وقعت القاهرة والرياض مؤخرًا عقدًا لمشروع ربط الكهرباء بين البلدين.

يختتم الباحث بأنه على الرغم من أن الطريق نحو التحول في مجال الطاقة لا يزال يواجه العديد من التحديات في المستقبل. ويضعف بسبب عدم اليقين السياسي والاقتصادي، إلا أن التنفيذ الناجح له أصبح مهمًا بشكل متزايد في جداول أعمال سياسات البلدان.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي تحقيق التحول في مجال الطاقة إلى خلق فرص جديدة للنمو الاقتصادي المستدام على المستويين الوطني والدولي. ذلك من خلال تحفيز الإصلاحات الداخلية وجذب الاستثمارات الدولية، وبناء روابط الطاقة البينية وتجارة الطاقة النظيفة. وهو ما يمكن أن يصبح التحول وسيلة ضغط كبيرة للتحولات الداخلية والتعاون الإقليمي.