في 20 يناير/كانون الثاني الجاري، نفذ تنظيم الدولة (داعش) هجومين متزامنين على ثكنة عسكرية في العراق، وسجن الصناعة في محافظة الحسكة السورية. وهو السجن الذي تديره قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، ويوصف بأنه أكبر منشأة لمعتقلي داعش في شمال شرق سوريا. وقد شهد أعمال شغب دبرها معتقلو داعش، واحتجاز رهائن وأعمال قتل انتهت بإعادة السيطرة عليه.

على الرغم من أنه من المفترض أنهما غير منسقين، فإن هذين الحدثين هما أحدث دليل على التهديد الأمني ​​الذي لا يزال يمثله تنظيم داعش على المنطقة. ففي عام 2021 فقط، تبنى التنظيم أكثر من ألف هجوم في العراق وأكثر من 300 هجوم في سوريا المجاورة. وعلى هذه الخلفية، يثير الهروب من السجن مخاوف خاصة. ذلك لأنه على الأرجح يمثل العملية الأكثر تعقيدًا التي لم ينفذها داعش إلى الآن منذ هزيمته على الأرض في مارس/آذار 2019.

كما أن هذا الهجوم -على وجه التحديد- يدعو إلى التساؤل عن استدامة نظام الاحتجاز الحالي، وفق المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI). وقد استطلع آراء باحثيه حول احتمالية عودة الجماعات الإرهابية إلى سوريا والعراق. خاصة في ظل تحركات الجماعات المتشددة في غرب سوريا وفي الجزء الشرقي من العراق.

في عام 2021 فقط، تبنى التنظيم أكثر من ألف هجوم في العراق وأكثر من 300 هجوم في سوريا المجاورة
في عام 2021 فقط، تبنى التنظيم أكثر من ألف هجوم في العراق وأكثر من 300 هجوم في سوريا المجاورة

مع معتقلي داعش.. الأكراد السوريون يجلسون على قنبلة موقوتة

يقول الباحث تشارلز ليستر إنه ليس هناك شك في أن قوات سوريا الديمقراطية أثبتت أنها شريك مخلص وقادر في حملة دحر سيطرة داعش على الأرض منذ 2014 وإلى 2019. إلا أن التحدي الذي واجهته بعد ذلك يتجاوز قدراتها.

ويرى ليستر أنه يتعين على التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة القيام ببعض عمليات البحث الجاد عن الذات. إذ تبين أن النهج الحالي لاحتجاز داعش بدون محاكمة، في منشآت مؤقتة يحرسها طرف غير حكومي ضعيف الموارد، كان بمثابة قنبلة موقوتة.

والآن، تقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية واضحة عن تأمين أسرى التنظيم بشكل أفضل. في حين يتم النظر بجدية في الحلول الأطول أجلًا.

في الوقت نفسه، فإن التحول في أوائل عام 2019 من حملة عسكرية شبه تقليدية إلى مهمة تجمع بين مكافحة التمرد ومكافحة الإرهاب أدى إلى زيادة ملحوظة في التعقيد. وهو أمر يتطلب استثمارًا أعمق للموارد. ومع ذلك فقد قلل التحالف من تواجده، ما وفر فرصًا لداعش لم تتضح إلى الآن.

تشارلز ليستر
تشارلز ليستر
زميل أول ومدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف في معهد الشرق الأوسط. يركز عمله بشكل أساسي على كل ما يتعلق بسوريا وعلى قضايا الإرهاب والتمرد عبر بلاد الشام.

“كسر الجدران”: داعش والاستراتيجية طويلة الأمد

تقول الباحثة سيلفيا كارينزي إن الهجوم الأخير الذي شنه داعش على سجن الصناعة بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، يظهر قدرة التنظيم المتزايدة على الاستفادة من نقاط الضعف في السياق المحلي. وذلك في سبيل شن هجمات أكثر تعقيدًا.

وهي ترى الهجوم على سجن الحسكة الأكبر الذي شنه التنظيم في سوريا منذ عام 2019. ذلك على الرغم من وجود محاولات أخرى مماثلة في هذه السنوات.

وتشير كارينزي إلى أبريل 2019، حينما كانت هناك محاولة أخرى للفرار من سجن في المالكية/ديريك في محافظة الحسكة. وكذلك ما أعلنته قوات سوريا الديمقراطية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حول إحباط مؤامرة لمهاجمة سجن الصناعة ذاته.

تقول الباحثة -التي تتركز اهتماماتها البحثية على الإسلاميين المتشددين في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا- إن داعش يركز خطابه وهجماته حاليًا على السجون. وقد وقعت هذه الأنواع من الهجمات ليس فقط في سوريا. ولكن أيضًا في مناطق أخرى من العالم، كما حدث في أغسطس/آب 2020، عندما أعلن التنظيم مسؤوليته عن هجوم على سجن في جلال آباد بأفغانستان.

سيلفيا كارينزي
سيلفيا كارينزي

حصلت سيلفيا على درجة الماجستير في اللغات الأجنبية المطبقة في العلاقات الدولية (الجامعة الكاثوليكية للقلب المقدس ، ميلانو). كما أن أبحاثها تغطي الإسلام المتشدد، والعنف السياسي في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والجهات الفاعلة غير الحكومية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

الاعتداء على السجون: جرس إنذار للمجتمع الدولي

وفق الباحثة جولي كولمان جيه دي، فإنه يجب على الدول أن تدرك أن ترك مواطنيها في الظروف القاسية التي شوهدت في المخيمات في سوريا والعراق لا ينتهك التزاماتها بموجب القانون الدولي فحسب. بل يفرض أيضًا عبئًا هائلًا على البلدان غير المجهزة بشكل كاف لمواجهة مثل هذا التحدي المعقد. وهي تتحدث عن الأجانب المنتمين لداعش والمحتجزين بسجون سوريا.

وتضيف أنه من المحتمل أن يخلق من هذا الوضع تهديدًا أمنيًا أكبر بكثير في المستقبل. إذ من الضروري أن يدرك المجتمع الدولي الضرورة الملحة لاتباع نهج استباقي تجاه أفراد أسرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، وإظهار الإرادة السياسية لإعادة مواطنيهم إلى أوطانهم. خاصة الأطفال الذين لا ينبغي تحميلهم المسؤولية عن أفعال أو ارتباطات آبائهم.

ترى كولمان ضرورة إعداد خطط للإعادة الشاملة. ذلك على عكس النهج الحالي المخصص. مشيرةً إلى وجوب تكثيف جهود إعادة التأهيل وإعادة الإدماج التي تشمل فريقًا متعدد التخصصات من الأخصائيين الاجتماعيين والأخصائيين النفسيين والشرطة والجهات الفاعلة الأمنية بالإضافة إلى خبراء آخرين.

وهي تعترف بما قد يشكله بعض العائدين من خطر أمني. لكنها تراه خطرًا يمكن معالجته بشكل أكثر فعالية من قبل الدول التي تلعب دورًا في إدارة عودة مواطنيها، بدلاً من تركهم في المخيمات. حيث يكون خطر الهروب مرتفعًا، والعنف هو المنتشر. هناك خطر التطرف حقيقي وأكبر، على حد قولها.

جولي كولمان جيه دي
جولي كولمان جيه دي

يتركز عملها على منع التطرف والتطرف العنيف. لا سيما إدارة التطرف في السجون. وكذا إعادة تأهيل المجرمين المتطرفين العنيفين وإعادة إدماجهم. وأيضًا عودة المقاتلين الإرهابيين الأجانب وعائلاتهم. وقد دعمت إدارات السجون والجهات الفاعلة المؤسسية الأخرى في تطوير القدرات في إجراء تقييم المخاطر. بما في ذلك دعم تطوير أدوات تقييم المخاطر، في مالي وغرب البلقان وشمال أفريقيا.

ما يحدث في شرق سوريا ليس له صدى في إدلب

تقول الباحثة دارين خليفة إنه خلال سلسلة من التحولات الداخلية، نأت هيئة تحرير الشام بنفسها عن الحركة السلفية الجهادية العابرة للحدود الوطنية. بينما قلصت بشكل كبير مساحة الجهات الجهادية المتشددة في شمال غرب سوريا. وإنه في الانفصال عن جذورها الجهادية، تراجعت هيئة تحرير الشام بشكل مطرد عن جماعتها باعتبارها جهة فاعلة سورية محلية تركز على حكم إدلب، وعلى استعداد لضمان عدم استخدامها كنقطة انطلاق لعمليات مسلحة خارجية.

وترى خليفة هذا التطور لا يمحو الماضي، ولا يعالج مخاوف الكثيرين بشأن المجموعة. ومع ذلك، فمن المهم ملاحظة أن هذا التحول ليس مجرد إعادة تسمية. بل من الضروري النظر إليه على اعتبار أنه نتيجة تراكمية لسنوات من الاختلاف الأيديولوجي والاستراتيجي عن الحركات الجهادية العابرة للحدود الوطنية بشأن القضايا الرئيسية.

وتنصح خليفة المجتمع الدولي بالنظر في تحديد معايير لاختبار ادعاءات هيئة تحرير الشام بالتغيير وتقديم سياسة الجزرة والعصا، التي تهدف إلى تشجيع هيئة تحرير الشام للوفاء بهذه المعايير.

دارين خليفة
دارين خليفة

محللة أولى في مجموعة الأزمات الدولية، تعمل في مجالات الأمن والصراع والسياسة والحكم في سوريا. كما تتمتع بـ 13 عامًا من الخبرة في العمل في الشرق الأوسط. مع التركيز بشكل خاص على ديناميكيات الجماعات المسلحة شبه الحكومية – الحكم المحلي – المجتمع المدني.