دفعت التوترات بين روسيا وأوكرانيا العملات وأسواق المال الأوروبية للتراجع العنيف. بينما كان الدولار والبورصة الأمريكية من الرابحين بسبب التخوف من نشوب حرب بين موسكو وأوكرانيا وحلف شمال الأطلنطي. والتي ستطال تداعياتها جميع دول القارة الأوروبية خاصة القريبة من البلدين.

ارتفع مؤشر الدولار بنسبة 1.70% للمرة الأولى منذ يوليو 2019. ليسجل أعلى مكسب أسبوعي له في 68 أسبوعًا (منذ 25 سبتمبر 2020). مدفوعًا بتوقعات الأسواق بحدوث دورة تشديد للسياسة النقدية بشكل أسرع مما كان متوقعًا.

اكتسب الدولار دعمًا من التوترات الجيوسياسة بين روسيا والناتو. جنبا إلى جنب مع تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول التي تميل إلى تشديد السياسة النقدية.

الأسواق والعملات الأوروبية

هبطت العملة الأوروبية الموحدة “اليورو” بنسبة 1.70% للأسبوع الثاني على التوالي، لتسجل بذلك أكبر خسارة أسبوعية له منذ منتصف يونيو. كما انخفض الجنيه الإسترليني بنسبة 1.12% للأسبوع الثاني على التوالي. حيث تراجع إلى أدنى مستوى له في 12 أسبوعًا وقبل اجتماع بنك إنجلترا هذا الأسبوع.

وكان التراجع أعنف مع الفرانك السويسري الذي هبط بنسبة 2.04% والكورونا السويدي بنسبة 2.5% والدولار النيوزلاندي بنسبة 2.52% والكورونا النرويجي بنسبة 0.82%.

سجل الزلوتي البولندي ثاني أسوأ أداء الأسبوع الحالي بين العملات الناشئة بعدما انخفض بنسبة (2.81%). خاصة أن بولندا تعتمد بشكل كبير على واردات النفط الروسية.

تبدو الأوضاع أسوا بالنسبة لتركيا -عضو الناتو التي تكافح لدخول اليورو منذ سنوات طويلة- فالمركزي التركي يكافح منذ يوم 21 ديسمبر الماضي لمنع نزول الليرة دون مستويات الـ14 ليرة للدولار الواحد. وكلفه ذلك هبوط صافي الاحتياطيات الدولية لدى البنك إلى 8.63 مليار دولار في أدنى مستوى منذ 2002.

أزمة أوكرانيا وضربة لأسواق تركيا

تركيا من أكبر المتضررين من الأزمة “الروسية ـ الأوكرانية” فهي تغطي غالبية احتياجات الغاز لديها من روسيا واستوردت منه 33.6 مليار متر مكعب من أصل إجمالي 48.1 مليار متر مكعب استوردتها في 2020. والاقتصاد الذي بلغ فيه التضخم مستوى كارثيا عند 49% لا يتحمل عبء أي رفع للأسعار.

من ناحية أخرى فتركيا من أكبر المستثمرين في أوكرانيا بتبادل تجاري يناهز نحو 7.5 مليار دولار. كما تخشى أيضًا من الغضب الروسي حال استخدام كييف الطائرات دون طيار التي باعتها لها أنقرة. والتي تم استخدامها أخيرا في تدمير دبابة روسية. خاصة بعدما تتجه إسرائيل لتجميد صفقة أسلحة لكييف تحاشيا لردة فعل موسكو والبقاء على الحياد.

كما أن أنقرة تعيش حاليا على السياحة الروسية. فولاية أنطاليا التركية التي تعد عاصمة السياحة في البلاد استقبلت 3 ملايين و396 ألف سائح في الأشهر السبعة الأولى من 2021.

اقتصاد روسيا وأوكرانيا يدفعان الثمن غاليًا

اضطر المصرف المركزي الروسي التدخل لدعم الروبل بعدما انهار أمام الدولار. ليقرر البنك تعليق شراء العملات الأجنبية بعدما وصلت العملة الروسية لمستوى 80 روبل للدولار في أدنى مستوى خلال عام واحد.

وفقًا لمجلة فوربس الأمريكية التي تهتم بمتابعة ثروة أغنى أثرياء العالم انخفضت الثروة المجمعة لـ 104 مليارديرات روس بمقدار 27.9 مليار دولار من 20 ديسمبر 2021 إلى 24 يناير 2022.

وفي ديسمبر 2021 بلغ معدل التضخم في الاتحاد الروسي نحو 8.39٪. وهو رقم قياسي تقريبًا منذ 2016. واستجابة لذلك رفع البنك المركزي الروسي معدل الخصم والائتمان إلى 8.5٪ سنويًا.

خفض المستثمرون الأجانب استثماراتهم في السندات وسندات اليوروبوند الخاصة بالاتحاد الروسي بمقدار 3.2 مليار دولار عام 2021 مقابل تدفق الأموال من غير المقيمين بمقدار 3.9 مليار دولار في 2020.

الاقتصاد الروسي غير متنوع ويعتمد بشكل كبير على الوقود. فخلال التسعة أشهر الأولى من 2021 شكلت الصناعة الاستخراجية 12.9٪ من إجمالي القيمة المضافة. وحصة النفط والغاز في الصادرات أكثر من 40٪. فإن معدل نمو الاقتصاد الروسي وسعر الصرف والعوامل الأخرى التي تؤثر على مستوى معيشة الروس تحددها الأسعار العالمية للغاز والنفط.

بالنسبة لأوكرانيا هبطت العملة الرسمية الهريفنيا بنسبة 7٪ تقريبًا في يناير من مستوى 27.2 هريفنيا إلى الدولار الأمريكي إلى 29 تقريبًا. بينما أنفق البنك الوطني الأوكراني 1.5 مليار دولار من احتياطياته من العملات الأجنبية بينها أكثر من 700 مليون دولار أنفق الأسبوع الماضي وحده.

شهدت أوكرانيا موجة من تخارج المستثمرين الأجانب الذين سجلوا خمس التدفقات النقدية للخارج بينما لجأت الشركات هي الأخرى لشراء الدولار والتخلص من العملاء كإجراء تحوطي من أجل ضمان الاستيراد من الخارج.

لكن الاحتياطيات الأوكرانية التي تبلغ نحو 30 مليار دولار وتكفي لتغطية ما يقرب من نصف عام من الواردات إلى البلاد. خاصة أنها دولة زراعية ومصدرة للغذاء تعطي البنك المركزي بها القدرة على المناورة لمدى زمني بعيد. ما يعني أن احتياجاتها الأساسية متوافرة.

تداعيات بأماكن غير متوقعة

القوة التي اكتسبها الدولار أثرت على كثير من عملات العالم حتى ممن ليس لهم صلة مباشرة بالأزمة الأوكرانية، كالين الياباني الذي انخفض بنسبة 1.37%، ليتراجع بذلك إلى أدنى مستوى له منذ منتصف شهر أكتوبر.

وكان الراند الجنوب إفريقي العملة الأسوأ أداءً بين العملات الناشئة خلال الأسبوع حيث انخفض بنسبة (3.18%)، ليسجل بذلك أسوأ أداء أسبوعي له منذ نوفمبر 2021، نتيجة قوة الدولار الأمريكي، ولأسباب محلية، مع اتجاه البلاد لتيسير السياسة النقدية.

أسواق المال تتراجع مع تزايد المخاوف

على مستوى البورصات العالمية ارتفع مستوى التقلبات طبقًا لقراءات مؤشر VIX لقياس تقلبات الأسواق خلال تعاملات الأسبوع، حيث وصل المؤشر إلى أعلى مستوى له عند 31.96 نقطة. فيما تراجع بعد ذلك لينهي تداولات الأسبوع عند مستوى أدنى من مستواه الجمعة السابقة بمقدار 1.19 نقطة. ليستقر بذلك عند 27.66 نقطة.

المعدل الذي سجله مؤشر VIX لقياس تقلبات الأسواق لا يزال مرتفعًا، فهو أعلى بكثير من متوسطه منذ بداية العام والبالغ 23.09 نقطة.

وتراجعت الأسهم في أوروبا خلال أسبوع لينخفض مؤشر STOXX 600 بنسبة -1.87%. ليسجل بذلك رابع خسارة أسبوعية له على التوالي. وأكبر خسارة أسبوعية له منذ نوفمبر 2021. إذ هبط مؤشر CAC 40 الفرنسي ومؤشر DAX الألماني ومؤشر FTSE 250 البريطاني بنسب -1.45% و-1.83% و-2.78% على التوالي.

وتراجع مؤشر مورجان ستانلي للأسواق الناشئة MSCI EM بشكل كبير. حيث انخفض بنسبة 4.27% خلال تعاملات هذا الأسبوع ليسجل بذلك أكبر خسارة أسبوعية له منذ أغسطس 2021.

سيطرت حالة عزوف المستثمرين عن التداول هذا الأسبوع. كما تراجعت معنويات المخاطرة بشكل أكبر بسبب التوترات الجيوسياسية نتيجة للصراع الروسي الأوكراني. حيث بلغت التوترات ذروتها خلال أسبوع والأمر بات مرهونا بمدى تطورات النزاع وإمكانية فرض عقوبات تطال موسكو التي لديها ورقة جوكر للعب تضغط بها على جميع الأطراف. وهي الغاز.