تعول الحكومة المصرية كثيرًا على القطاع الخاص في التشغيل ودعم النمو الاقتصادي والتصدير خلال العام المالي المقبل. حتى وصل الأمر إلى “تدليله” بعد وعود بإعفاءات ضريبية في بعض المناطق تصل إلى 50% وتيسيرات كبيرة في مجال الضرائب العقارية. وفتح المجال أمامه لدخول جميع المشروعات بالشراكة مع الدولة.

الدكتور محمد معيط، وزير المالية، يؤكد في جميع اللقاءات التي يعقدها خلال الأيام الأخيرة على “تطلع ” الحكومة إلى دور أكبر للقطاع الخاص في النشاط الاقتصادي. لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، بما يسهم في تعظيم مساهماته بالنشاط الاقتصادي.

يوظف القطاع الخاص فـي شقيه الرسمي وغيــر الرسمي نحو 12.65 مليون فرد في 3.7 مليون منشأة. مقابل ما يزيد على 5 ملايين فرد في القطاع الحكومي والمؤسسات الرسمية. ما يعني أن القطاع الخاص هو مصدر الوظائف الأساسية.

في أول لقاء جلسات الحوار المجتمعي مع رجال الصناعة والمستثمرين حول الموازنة الجديدة. قال معيط إن الدولة جادة في تحفيز الصناعة الوطنية وتشجيع الإنتاج المحلي بكل السبل الممكنة. فهناك خصم 50% من الضرائب لتشجيع الاستثمار ببعض الأنشطة والمناطق وفقًا لقانون الاستثمار. وحوافز ضريبية وجمركية بقانون تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر.

دفعت وزارة المالية 31 مليار جنيه للمصدرين منذ بدء تنفيذ مبادرات سداد “المتأخرات” حتى الآن. وأقرت أمس الخميس مبادرة جديدة للسداد الفوري النقدي لدعم المصدرين أولاً بأول بخصم “تعجيل سداد” 8% بدلاً من 15%. بالتعاون مع القطاع المصرفي، ووزارة التجارة والصناعة.

المبادرة طرحتها وزارة المالية لسداد مستحقات الشركات المصدرة من برنامج “رد الأعباء”. ويتم خصم 15% من إجمالي مستحقاتهم لمن يرغب في تحصيل مستحقاته بصورة فورية وليست على أقساط لفترات زمنية. وتدرس الحكومة تقليص الخصم ليكون 8% فقط.

القطاع الخاص مستفيد من مشروعات التنمية

يستفيد القطاع الخاص بمصر، حاليًا، من مشروعات التطوير أكثر من الدولة ذاتها فدمج الاقتصاد غير الرسمي. ساهم في تعزيز أداء الشركات الكبرى العاملة في المجال ذاته. التي كانت تتعرض لتكاليف أعلى من دفعها ضرائب ورسوم لا يدفعها من يعملون في الظل.

في مشروعات مثل مثلث ماسبيرو، استفاد القطاع الخاص بشكل غير مباشر بمشاركته في الإنشاءات والبناء. وغير مباشر كرجل الأعمال نجيب ساويرس، الذي يشكو باستمرار من مزاحمة الدولة للقطاع الخاص في النشاط الاقتصادي.

لنجيب ساويرس برجان على النيل كان مثالا ًصارخًا على التناقضات في مصر طولهما يتجاوز 25 طابقًا. بتصميم فريد واستثماراتهما تتعدى المليار جنيه بعدة ملايين، وكان خلفهما عشش ومساكن غير آدمية لأهالي بولاق أبو العلا. قبل أن تغير الدولة الواقع بإعادة تخطيط المنطقة وتحويلها لأبراج ولاند سكيب ليصبح المظهر خلف البرجين لا يقل عن النيل أمامهما.

تتضمن الخطط الحكومية تعزيز مشاركة القطاع الخاص بالمشروعات التنموية. حيث من المستهدف إنشاء وتشغيل 1000 مدرسة متميزة للغات بنظام المشاركة مع القطاع الخاص بحلول 2030. بجانب عدد من المشروعات الأخرى كالموانئ البحرية والجافة ومشروعات لتدوير المخلفات وتحويلها إلى طاقة كهربائية. إضافة إلى مشروعات تتضمن محطات تحلية وصرف صحي ومستشفيات.

تدرس الحكومة، حًاليا، مقترحات المجتمع الصناعي حول الضريبة العقارية على المصانع. وقال وزير المالية، في لقاء أخير مع بعض المستثمرين، إنه سيكون هناك أخبار سارة بهذا الشأن قبل نهاية العام المالي الحالي (قبل يونيو 2022). بما يلبي متطلبات التنمية الصناعية.

أسهمت منصة «نافذة» التي أطلقتها وزارة المالية في تحقيق وفورات مالية للمجتمع التجاري في التجارة عبر الحدود تصل إلى 400 دولار لكل شحنة. وتقليص زمن وصول المستندات، وتخفيض أعباء رسوم الأرضيات والتخزين وغرامات تأخير الحاويات بقيمة تبلغ نحو 22.5 ألف جنيه عن كل حاوية.

بنهاية مارس/آذار المقبل سيتم حظر دخول أي بضائع غير مطابقة للمواصفات الأوروبية. ما يعني أن الكثير من البضائع الصينية الرديئة التي تزاحم المنتج المحلي سيتوقف دخولها. ما يسمح لها بنفاذية أكبر في السوق المحلية حتى لو كان سعره أعلى.

كما قررت الحكومة في تعديلات القيمة المضافة تعليق أداء الضريبة على الآلات والمعدات المستوردة. لاستخدامها في الإنتاج الصناعي لمدة عام من تاريخ الإفراج، وإسقاطها فور بدء الإنتاج، لدعم المصنُعين. 

تستقبل مصر ما بين 650 و750 ألف خريج يفترض انضمامهم لسوق العمل سنويًا. بجانب تراكمات البطالة الهيكلية الموجودة بالفعل ما يعني الحاجة لتوفير ما يزيد على مليون وظيفة. الأمر الذي يحتاج تكلفة كبيرة إذا كانت تكلفة خلق فرصة عمل جديدة. تتكلف ما بين 25 و30 ألف دولار سنويًا. ولذلك لا بديل عن دور للقطاع الخاص.

انكماش القطاع الخاص غير النفطي

لكن الخطط الحكومية يواجها عدم توسع من قبل القطاع الخاص رغم الدعم، فمؤشر شركة لمديري المشتريات “PMI”. كشفت أن أنشطة القطاع الخاص غير النفطي بمصر استمرت في الانكماش للشهر الرابع عشر على التوالي. خلال يناير/كانون الثاني مع تراجع حجم الأعمال الجديدة بأعلى مستوى انخفاض مكرر لها في فترة تزيد عن عام ونصف.

ظل المؤشر التابع لمجموعة”IHS Markit“، إلى 47.9 نقطة في يناير من 49 نقطة في ديسمبر/كانون الأول. ليظل دون مستوى 50 الذي يفصل النمو عن الانكماش، مسجلاً أقل قراءة له منذ أبريل 2021.

أشارت “IHS Markit”  إلى أن شركات القطاع الخاص عانت ارتفاع حاد آخر في تكاليف مستلزمات الإنتاج. لكنه كشف عن تمرير تكاليف مستلزمات الإنتاج المرتفعة إلى العملاء ما سبب انخفاضًا كبيرًا في الطلب.

من بين تفاصيل المؤشر، تبين انخفاض أعداد الموظفين للشهر الثالث على التوالي. حيث أدى انخفاض الطلب إلى ثبات مستوى الأعمال المتراكمة وانخفاض أعباء العمل. كان هناك انخفاض متجدد في نشاط الشراء. وكان معدل الانكماش هو الأسرع منذ شهر أبريل/نيسان 2021.

تبدو الشركات الصغيرة والمتوسطة هي محرك نمو فرص العمل في مصر. فالشركات التي توظف أقل من 100 عامل. تبلغ مساهمتها في التشغيل 75% تقريبًا. بينما حصة الـ25% المتبقية صالح الشركات الكبيرة التي تضم  100 موظف فما فوق.

في العموم، الشركات متوسطة الحجم صافي معدلات خلق وظائف أعلى (0.14%) من الشركات الكبيرة (0.106%) بمصر. وإذا عايننا أداء الشركات في القطاعات على حدة. فإن صافي معدل خلق الوظائف في الصناعة التحويلية في حالة الشركات متوسطة الحجم (بعدد موظفين يتراوح بين 20 و99) هو الأعلى.

في أغسطس/آب الماضي، أكدت دراسة استقصائية أن ممارسات التوظيف التي ينتهجها القطاع الخاص في مصر ”قاسية للغاية”. وتتركــز أنماط الاستثمار الخاص، خصوصًـا الاستثمارات الأجنبية. بمجالات لا تساعد بالضرورة في الإشراف على الإصلاح الهيكلي اللازم لإحداث تأثير تنموي ملموس.

أكدت الدراسة أن الحضور الواسع النطـاق للقطاع الخاص في الاقتصاد أزهر عددًا من الآثار الهامة. أبرزها: غياب الأثر التنموي الحقيقي، فشـخص واحد مــن بيــن كلّ 3 يعملون فــي القطاع الخاص يشغل وظيفة مستقرة، بالإضافة إلى ذلك. تراجعت بدرجة كبيـرة فـرص العمل الرسمي في القطاع الخاص لصالح الوظائف غير المستقرة في مجـالات البناء والتخزين والنقل.

تقول الدراسة إن القطاع يدر معظم الناتج المحلي الإجمالي ويشغل غالبية الأجزاء. ومــع ذلك، يتسم هذا القطاع بأنشطة متدنية الإنتاجية وفوائد تنموية محدودة. وينطوي الدافع الرئيسي وراء معظم هذه الأنشطة على البحث عن لقمة العيــش وليــس خطط التنميــة أو مراكمة رأس المال.

بحسب وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، فإن القطاع الخاص يساهم في الأنشطة الزراعية والسياحية والصناعة والتشييد والبناء. بنسب مُساهمة تتراوح بين نحو 85٪ و100٪ من المنتظر أن يُساهم القطاع الخاص بنحو 68٪ من الإنتاج المحلى الإجمالي.

يبدو أن القطاع الخاص يبحث عن مناقعه أولا قبل أن يساهم في التوظيف، وظهر الأمر جليا في أزمة كورونا قبل عام حينما طالب مستثمرون كبار من أصحاب المليارات حينها. بنزول العمالة ووقف  التجوال المسائي وبعض الإجراءات الاحترازية حينها حتى لا تتعرض مكاسبهم للخطر.

تحاول بعض شركات القطاع الخاص حاليًا الاستثناء من الحد الأدنى للأجور البالغ 2400 جنيه. بجانب علاوة دورية 70 جنيهًا كحد أدنى أو 3% من قيمة أجر الموظف التأميني. والذي وضعه المجلس القومي للأجور، وكان يفترض تطبيقه بدءًا من يناير الحالي. ووصل المطالبين بالاستثناء 3100 شركة غالبيتها من السياحة والملابس الجاهزة والأمن والحراسات.