أواخر العام الماضي، حاولت “فيسبوك” اقتحام العالم الافتراضي “ميتا” بكل بقوة. وفي سبيل ذلك سخرت كل الإمكانات المالية اللازمة. بينما تجاهلت -في الوقت ذاته- انعكاسات الإنفاق الكبير على أسهمها في العالم الحقيقي. وقد هوت مسجلة أسوأ أداء في تاريخ أسواق الأسهم.

خسرت القيمة السوقية للشركة نحو 238 مليار دولار في يوم واحد فقط. لتبلغ الآن حوالي 670 مليار دولار، بعد تقرير أرباح فصلي (3 شهور).

التقرير تضمن إيرادات أضعف من المتوقع، إلى جانب تخلي المستثمرين عن الأسهم، مع تراجع نمو المستخدمين. وكذلك ارتفاع النفقات المرتبطة بالواقع المعزز والافتراضي.

أنفق مارك زوكر بيرج، رئيس الشركة، على العالم الافتراضي نحو  10 مليارات دولار. مع توقعات بإنفاق مبلغ أكبر العام الحالي. لكن لم يكن في حساباته الانطلاقة الأكبر لموقع “تيك توك”، الذي تنامي بصورة كبيرة ليأكل من حصة الشركة الكبيرة.

إيرادات شركة “بايت دانس” المالكة لتطبيق الفيديوهات القصيرة “تيك توك” حققت نموًا بنسبة 70% على أساس سنوي. لتصل إلى نحو 58 مليار دولار عام 2021. وأصبح لديها تداولات بالسوق الثانوية للأسهم الخاصة تقدر قيمتها بنحو 300 مليار دولار.

وارتفع عدد مستخدمي “تيك توك” بنحو  650 ألفًا في اليوم، خلال الربع الأخير من 2021. ذلك بما يعادل ثمانية مستخدمين لكل ثانية. كما ارتفع عدد المستخدمين النشطين بها بنسبة 45% خلال الفترة ذاتها.

ويقول آدم كريسافولي، مؤسس شركة Vital Knowledge، إن الأمر يتعدى كثيرًا نتائج ثلاثة أشهر مخيبة للآمال. لكنها لحظة وجودية لـ”فيسبوك”. فالمستثمرون سيضطرون إلى إلقاء نظرة طويلة ومتعمقة على الوضع التنافسي لها، وإذا كانت تتجه لفترة طويلة من الأداء دون المستوى المطلوب. ما يجعل من الصعب على السهم التعافي بسرعة.

بحسب محللين في “بنك أوف أمريكا”، فإن المنافسة المتزايدة من “تيك توك”، والتحديات المتعلقة بالتغييرات الإعلانية لنظام “أي أو إس” من “آبل” والاستثمارات الأكبر في “ميتا فيرس” ستؤثر على الأرباح.

فيسبوك ستعاني كثيرًا بسبب المنافسة ونفقات ميتافرس

هذه ليست المرة الأولى التي تنخفض فيها الأسهم بشكل كبير. فقبل عامين هبطت بنسبة 19% بسبب تباطؤ نمو المستخدمين لتفقد قيمتها السوقية حينها 120 مليار دولار.

التعقيدات هذه المرة أعنف بكثير. خاصة أن حصيلة الإعلانات لن تتجاوز  10 مليارات دولار العام الحالي. ذلك في ظل تحديات الاقتصاد الكلي عالميًا، كالتضخم واضطرابات سلسلة التوريد، التي تلقي بثقلها على ميزانيات المعلنين وقلصت من أرباحهم.

وخفض محللو بنك “جي بي مورجان” العريق تصنيف السعر المستهدف لفيسبوك إلى 284 دولارًا. ورجحوا أن تشهد الشركة تباطؤًا كبيرًا في نمو الإعلانات أثناء الشروع في انتقال مكلف وغير مؤكد، ومتعدد السنوات إلى ميتا فيرس.

اقرأ أيضًا: جنون أم فرصة.. شركات عالمية تتسابق على أراضي وعقارات “الميتافيرس”

وقد بلغ عدد المستخدمين النشطين في فيسبوك يوميًا 1.93 مليار. وهو أقل من التقديرات البالغة 1.95 مليار. كما كان عدد المستخدمين النشطين شهريًا 2.91 مليار. وهو أقل من المتوقع البالغ 2.95 مليار مستخدم.

وكالة “نحن السوشيال” المعنية بتتبع أسهم وأداء شركات التواصل الاجتماعي، تؤكد أن فيسبوك تعجز حاليًا عن استقطاب جيل “زد”، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عامًا. وهو متوسط الأعمار المرتفع أكثر لمستخدمي “فيسبوك”.

فقدان جيل زد والهروب من الرقابة الأسرية يعزز مشكلات ميتا

شركة “ثري كلرز رول” ومقرها لندن، كانت أكثر تحديدًا. حينما قالت إن الأهالي حينما ينضمون لشبكة للتواصل الاجتماعي، يفر صغار السن إلى أخرى. حيث يمكنهم أن يتمتّعوا بمساحتهم الخاصة. وذلك في إشارة إلى أن دخول الجيل الأكبر سنًا لفيسبوك تسبب في هروب أجيالاً من الصغار يهربون من الرقابة.

مارك زوكربيرغ أبرز المتضررين من هبوط أسهم الشركة التي يملكها. فثروته التي تبلغ 107 مليارات دولار، تعرضت لخسارة يومية تزيد عن 29 مليار دولار. ذلك في ظل امتلاكه 398 مليون سهم في “ميتا” بنهاية عام 2020.

وتواجه الشركة مشكلات في سمعتها حول العالم، بعدما كشفت موظفة مستقيلة بها تدعى فرانسيس هاوجن، عن وجود 600 ألف حساب للأطفال على فيسبوك تحت سن 13 سنة.

هاوجن قالت إن فيسبوك تجني أرباحًا طائلة من الإعلانات التي يتم استخدام الأطفال فيها. كما أن الخوارزميات المستخدمة في الموقع تؤدي إلى فقدان الأطفال لشهيتهم. وأضافت أن “فيسبوك تقول إن لديها تقنية الذكاء الاصطناعي التي ستساعد في التخلص من المحتوى الضار، وتبين أنه لن يساعد في التخلص منه”.

المسؤولة السابقة في فيسبوك أعادت التأكيد -في جلسة استماع أمام الكونجرس- أن هناك سلسلة من الإجراءات التي أكدت أن الشركة اختارت الربح المالي على حساب المصلحة العامة.

تراجع أسهم أم بداية انهيار البورصات

ويعطي المحلل الروسي ألكسندر نازاروف تراجع أسهم فيسبوك قدرًا أكبر بكثير من مجرد تذبذب لأسهم شركة. يقول إنها مؤشر على انهيار البورصات بشكل عام.

في نظر نازاروف إن ما يحدث حاليًا هو اقتراب من نقطة تحول تفقأ جميع الفقاعات والارتفاع غير المستدام في أسعار الأسهم والعقارات وغيرها من الأشياء الأخرى، التي حدثت بسبب الإصدار الضخم للأموال غير المغطاة من قبل أكبر البنوك المركزية في العالم.

ويضيف نازاروف، في مقال عبر موقع “روسيا اليوم”، إن التضخم بدأ في التسارع. كما أصبح لدى البنوك المركزية خياران فقط.

فمن الممكن الاستمرار في طباعة النقود غير المغطاة. وفي غضون عام أو عامين، سيحدث تضخم عالمي مفرط، سيوقف التجارة العالمية لفترة من الوقت، ويدمّر التوزيع الدولي الحالي للعمالة والسلاسل التكنولوجية. وهو ما يحدث الآن.

واضطرت العديد من البنوك المركزية حول العالم إلى رفع الفائدة حاليًا لكبح جماح التضخم. وكان آخرها بنك إنجلترا المركزي. بينما يعتزم الاحتياطي الفيدرالي رفع الفائدة ما بين 3 و7 مرات في العام الحالي.

بينما الحل الآخر هو محاولة إيقاف ضخ الأموال غير المغطاة. ما يؤدي لانهيار البورصات وإفلاس الأعمال بشكل كبير، وسيتبع ذلك تضخم مفرط أيضًا.