في أحد تعريفاتها للحوار المجتمعي، تقول منظمة العمل الدولية إنه حيثما لا تلتقي مصالح مختلف شرائح المجتمع، فمن المقبول عمومًا أن يكون بمستطاع الناس المتأثرين بالقرارات أن يعربوا عن احتياجاتهم. كما من المقبول مشاركتهم في عمليات صنع القرار. وكذلك أن يؤثروا في القرارات النهائية، بغية إيجاد توازن سليم في المصالح من جانب الحكومات وصانعي القرارات الآخرين. وينطبق هذا المبدأ الاجتماعي الأساسي على المؤسسات السياسية العامة للديمقراطية، وعلى عالم العمل على حد سواء.

غالبًا، ما تطلق الحكومة في مصر دعوات الحوار المجتمعي لمناقشة القوانين. بينما واقع هذه الدعوات والفئات المختارة للمشاركة فيها يثبت عكس ما يُعلن. فلا تبدي الحكومة أي تفاعل مع المقترحات التي تقدمها كيانات المجتمع المدني من أحزاب أو نقابات أو مراكز أبحاث متخصصة. بينما في مقابل ذلك، تشارك في صنع القرار مجموعات محددة قد لا تعبر عن المستهدفين بالقانون، فتنقل ما لا يعكس حقيقة رد الفعل المجتمعي حول ما هو مقترح تشريعيًا. وفي الأخير، تصدر قوانين مشوبة بالعوار أو مخالفة للدستور.

عيوب القانون 148 لـ2019

يأتي قانون “التأمينات الاجتماعية رقم 148 لسنة 2019” كأحد أبرز أمثلة غياب الحوار المجتمعي. وقد أطلق من قبل في شكل القانون رقم 135 لسنة 2010. وتم إلغاؤه لاحقًا في فترة رئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلي منصور (4 يوليو 2013 – 8 يونيو 2014). ذلك بالقرار الجمهوري رقم 79 لسنة 2013. قبل أن يعود مجددًا في شكله الحالي. بعد أن غيرت الحكومة فلسفتها التأمينية استجابةً لتدخلات البنك الدولي في نظام التأمينات الاجتماعية في مصر، تحت زعم “إصلاحها”.

وتواجه هذه الفسلفة الحالية لقانون التأمينات الاجتماعية في مصر اتهامات بعدم مراعاة الظرف العام الأخير بدخول العالم أزمة جائحة كورونا. في مقارنتها بتوجهات الحكومات التي توسعت بإضافة قطاعات عمالية جديدة إلى مظلة تأميناتها. فضلًا عن ربطها الزيادات بالتضخم والتوزيع في تأمينات البطالة. وكذلك الاستثمار في الرعاية الصحية وصناعة الأدوية والمستشفيات.

ولعل من بين ما يبرز بقاء منظومة التأمينات في مصر على حالها من الجمود، ما يتضمنه القانون الحالي من مواد لا تتناسب مع الظرف الراهن. ومنها -على سبيل المثال- مد سن المعاش رسميًا حتى الخامسة والستين، تدريجيًا حتى الوصول إلى 65 أول شهر يوليو عام 2040.

تقوم فلسفة التأمينات على النظام التكافلي. بينما يحولها القانون الحالي -وفق العديد من المراقبين- إلى نظام استثماري ادخاري إجباري يقوم على تسليف هذه الأموال إلى الحكومة، بفائدة أقل من البنوك. فيما يؤخذ على مجلس إدارة صندوق التأمينات أنه ليس مستقلًا، ويضم بين أعضائه رجال أعمال وممثلين عن الحكومة ورئيس الاتحاد العمالي الحكومي.

أيضًا، لا يوجد بالقانون نص للعاملين في المنازل. وذلك بنصه “ألا يكون محل مزاولة العمل داخل منزل معد للسكن الخاص”. كما أنه أغفل قطاعات ضخمة من العمال. وكذلك رفع سن المعاش المبكر ليصبح 25 سنة، ووضع اشتراطات صعبة أمام الراغبين فيه. فضلًا عن حرمان العامل إذا وصل سن المعاش من الجمع بين راتبه ومعاشه. مع إلغاء مكافأة نهاية الخدمة. وعدم ربط الزيادة بمعدل التضخم، وحرمان العامل من معاش البطالة، استنادًا إلى تقارير صاحب العمل.

يتساءل البعض هل نتقدم باقتراحات أم أن مقترحاتنا تُلقى في أقرب مكب قمامة؟ هل نقدم مسودة قانون جديد للحكومة أم مقترحات فقط أم نستعين بنصوص القانون القديم الملغي؟ هل نطرح مقترحات كثيرة للنقاش أم نقدم القليل منها؟ هذه الأسئلة دارت في المجموعات قبل الشروع في كتابة ملاحظاتهم ومقترحاتهم التي استجابت وتفاعلت مع القانون المعيب.

هنا، وبعدما استشعرت الحكومة أن القانون يسبب لها حرجًا بسبب فساده وعدم ملاءمته، فتحت باب الحوار وتلقي الاقتراحات من خلال نواب البرلمان. أو لعل هذا الإحساس وصل إلى البعض بسبب تصاعد حالات الرفض على مجموعات وجروبات أصحاب المعاشات عبر “فيسبوك”، وظهور حالات تشتكي صعوبة الخروج إلى المعاش المبكر أو فتح ملف تأميني لهم.

وبعيدًا عن تجربة مر بها الجميع مع برلمان يوافق أعضاؤه على قوانين لم تقرأ وعدم اقتناعه بجدوى النقاش وتقديم المقترحات لا يهتم بها أحد. تنوعت الاقتراحات بين مقترح يراه البعض الأكثر خطورة وبين مقترحات أخرى، والجميع كان يفكر كيف لا يستفز الحكومة أو السادة نواب البرلمان.

وبعيدًا عن العازفين عن المشاركة في النقاش حول القوانين من منطلق خبراتهم مع البرلمان السابق أو من يرفض أصلًا الدخول في حوار مع نظام يرى البعض أنه يصدر قوانينه بشكل فوقي ويضمن تصويت البرلمان بالكامل ولا يهتم بفتح نقاش حول المتضررين منه، كان لي حظ وفير باشتراكي في إعداد مقترحين للبرلمان، أحدهما بصفتي عضو لجنة الحريات في دار الخدمات النقابية والعمالية. وهي نتاج عمل شهور من الاجتماعات مع قيادات عمالية بحضور منسق الدار أستاذ كمال عباس والمستشارة القانونية أستاذة رحمة رفعت.

بينما المقترح الآخر قدمته بصفتي عضوًا في “الحزب المصري الديمقراطي”، حيث يشارك الحزب في “تحالف أمانات العمال”. وقد صاغ التحالف مقترحًا للبرلمان، في حضور النائب إيهاب منصور وكيل لجنة القوي العاملة في البرلمان، ورئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي.

نقدم لحضراتكم المقترحات المقدمة للبرلمان من قبل ثلاث مجموعات:

1. مقترح دار الخدمات النقابية والعمالية: ويتبناه داخل البرلمان النائب ضياء الدين داوود. وقد نجح في جمع ٦٠ توقيعًا من النواب. فيما ينتظر تحديد جلسة لمناقشته “المادة ٢ البند الرابع”. ويستهدف المقترح العمالة غير المنتظمة التي تضررت عند إلغاء قانون “١١٢ لسنة ١٩٨٠”. وكانت تستفيد من الحد الأدنى للمعاش عند بلوغها سن ٦٥. ولكن قانون 148 الحالي اشترط أن يكون للمؤمن عليه من هذه الفئة 10 سنوات خدمة لكي يكون مستحقًا للمعاش. بينما يدعو المقترح لإلغاء شرط الـ 10 سنين وإلغاء جدول ٥. وبالتالي تغيير المعامل إلى القانون القديم ١/٤٥، وعدم زيادة المدة المشترطة لاستحقاق المعاش المبكر، لتوقف عند ٢٠ سنة اشتراك بدلًا من ٢٥ سنة اشتراك. مع احتساب مدد الاشتراك لأكثر من ٣٦ سنة، بحيث يساوي القانون بين المشترك لمدة ٣٦ سنة والمشترك لسنوات أكثر. فضلًا عن اقتراح العودة إلى القانون القديم الملغي. وهو التعويض 15% عن كل سنة من السنوات الزائدة عن ٣٦، والعودة إلى نظام المكافأة في القانون القديم.

2. مقترح النائب إيهاب رمزي: وقد نجح في جمع 60 توقيعًا من نواب البرلمان. بينما ينتظر الجلسة العامة لمناقشة مقترحه والتصويت عليه. ويقف خلف النائب في مقترحه حزب التجمع، الذي كان مقر اتحاد أصحاب المعاشات للراحل البدرى فرغلى الزعيم النقابي. وهو مقترح بمنح فترة انتقالية لتطبيق القانون تبدأ من أغسطس 2019 وتنتهي في أغسطس 2022. ويرى النائب إيهاب رمزي أن الفترة الانتقالية ستمكن الراغبين في شراء المدد أو الخارجين للمعاش المبكر من تحقيق ذلك على القانون القديم، جمع النائب بالفعل ٦٠ توقيعا من النواب وينتظر جلسة عامة لمناقشته والتصويت عليه.

3. مقترح تحالف أمانات العمال: وهو تحالف بين مجموعة أمانات العمال بالأحزاب السياسية المفترض أنها معارضة. ويقف معها النائب البرلماني إيهاب منصور وكيل لجنة القوى العاملة ورئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي. وإلى الآن يسعى لاستكمال توقيعات من ٦٠ نائبًا برلمانيًا. وينضم هذا المقترح إلى مقترحات الأخرى للنقاش والتصويت في جلسة عامة.

ونتمنى طبعًا أن تدخل هذه الاقتراحات جلسة النقاش في البرلمان خصوصًا أنها الأكثر عددًا في المواد المراد تغيرها.

وتتضمن مقترحات تحالف أمانات العمال تعديلات على المادة 3 والمادة 24 لتمييزها بين المواطنين. فضلًا عن تعديلات على المادتين 39 و38 حيث حول القانون نظام التأمين الاجتماعى التكافلي إلى نظام تأمين ادخاري. ویحصل المؤمن علیه على عائد استثمار أموال.

كما تتضمن المقترحات ربط الزيادة بالتضخم، وإلغاء المادتين 36 و37، وعودة نظام المكافأة المعمول به في القانون القديم. وأيضًا حساب تعويض لسنوات الاشتراك الأكثر من 36 سنة 15% من الأجر الأساسي عن كل سنة. بالإضافة إلى عودة المادة 123 من القانون القديم رقم 79 لسنة 1975، وإضافتها إلى الباب الثالث المعنون “حقوق إضافية”. مع مراعاة عدم فقدان أي مميزات في القانون القوانين السابقة.

وتشمل المقترحات كذلك عودة المادة 26 في القانون الملغي، وإلغاء المواد 24 و90 و67 من القانون الحالي 148 لسنة 2019. وذلك لِسلبها حقوقًا كانت موجودة فعلًا. وإضافة قطاعات عمالية سقطت من القانون الحالي للمادة 2 لكي يشملهم نظام التأمينات. مع مد فترة السماح من سنة إلى أربع سنوات في المادة 160 لتسهيل تقنين الأوضاع للعمالة غير المنتظمة، التي كانت تستفيد من القانون 112 والقانون ١٠٨ لسنة ١٩٧٦.

كذلك تطالب المقترحات بتعديلات على المادة 85 من أجل السماح لفئات عمالية أخرى بالاستفادة من تأمين البطالة، ورفع تأمين البطالة إلى 75% من أجر الاشتراك بمادة 89، وأيضًا تعديلات على المادة 94 من أجل عدم إعطاء سلطات إلى رئيس الهيئة باستثناء قطاعات أو إضافة قطاعات عمالية وترك ذاك للائحة.

كما تطالب فيما يخص مادة 95 الضبط لغويًا من أجل إلزام الدولة بأقساط التأمينات وتمويل العجز في صندوق التأمينات. وتعديل مادة 9 بزيادة عضوين من أصحاب المعاشات للتمثيل في إدارة الصندوق، ليصبح العدد 4. مع إلغاء صفة رئيس اتحاد نقابات عمال مصر لوجود شبهة تمييز لاتحاد حكومي لا يمثل العمال.

كما تتضمن السماح للمغتربين بالاستفادة من التأمين الصحي، والمواد 111 لضمان سداد الحكومة أقساط المديونية لدى صندوق التأمينات، و113 بحق اللجوء للقضاء في حالة التقصير في سداد أقساط الدين ذي الفوائد المنخفضة الذي أخذته الحكومة “عنوة” من أموال المشتركين.

وفي الأخير، نتمنى إذا فتحت الحكومة الباب للنقاش أن يتسع صدرها بتناول كل المقترحات. لأن الظروف العالمية تغيرت ويجب معها تغيير السياسات السابقة كلها. وأن لا يصبح هذا النقاش شكليًا. وأن لا تصبح تجربة الناس التي استجابت وعبرت عن نفسها ومقترحها محبطة ومريرة وتضاف إلى تجاربهم في التجاهل والتهميش.