لم تزل تداعيات أزمة كورونا الاقتصادية مخيمة على بلادنا. فلم تزل آثارها حاضرة على الساحة العمالية. لذا شهد عام 2021 تسجيل 8041 انتهاكا لحقوق العمال بحسب دار الخدمات النقابية.

وأوضحت دار الخدمات أن الربع الثالث من العام سجل أعلى انتهاكات. حيث بلغ عددها 4202 انتهاكاً. يليه الربع الأول من السنة الذي سجل 2258 انتهاكاً. ثم الربع الرابع الذي سجل 925 انتهاكاً. وأخيراً الربع الثاني من العام الذي سجل 656 انتهاكاً فقط.

ورجحت الدار في تقريرها السنوي الذي حمل عنوان “الحركة العمالية المصرية بين الترقب والحذر” ارتفاع معدل الانتهاكات في الربع الثالث بسبب بدء سريان الحد الأدنى للأجور على العاملين بالحكومة دون العاملين بالقطاع الخاص. الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدل الحركات الاحتجاجية. وبالتالي زيادة عدد الإجراءات الاستثنائية المتخذة في حق العمال.

كما يعود ارتفاع معدل الانتهاكات في الربع الأول من العام إلى المنازعات العمالية المتعلقة بحصة العمال في الأرباح أو مكافآت نهاية العام. وبالتالي زيادة التحركات العمالية والانتهاكات في مواجهتها. وربما يعود انخفاض معدل الانتهاكات في الربع الثاني من العام كونه الربع الذي يشمل شهر رمضان والأعياد.

كما رد التقرير ارتفاع الانتهاكات إلى اعتماد العديد من أصحاب العمل خلال العام المنصرم تسريح جزء من العمالة. وذلك بزعم تأثر شركاتهم بتداعيات فيروس كورونا . فضلا عن تخفيض الأجور والتوقف عن صرف الحوافز. فاضطر العمال ‏إلى احتمال هذه الإجراءات الجائرة خشية فقدان وظائفهم.‏

ووفقا للتقسيم الجغرافي للانتهاكات سجل التقرير عن إقليم الدلتا 3038 انتهاكا يليه إقليم القاهرة الكبرى الذي سجل 2670 انتهاكاً. و59 انتهاكا في القاهرة و93 انتهاكا في القليوبية. فضلا عن 2518 انتهاكاً في الجيزة. ثم مدن القناة برصيد 1116 انتهاكا. تليها الإسكندرية التي سجلت 1079 انتهاكاً. بينما سجل إقليم الصعيد 130 انتهاكا. والمحافظات الحدودية 8. وربما يعود ذلك إلى ضعف آليات الرصد في هذه المناطق.

أحداث بارزة سببت انتهاك حقوق العمال

وشهدت عام 2021 عددا من الأحداث البارزة. منها تصفية مصانع الحديد والصلب المصرية وما ترتب عليها من محاولة لامتصاص الآثار الخطيرة للتصفية.

تم في سبتمبر 2021 توقيع اتفاق بين شركة الحديد والصلب المصرية “تحت التصفية” والنقابة العامة للصناعات الهندسية والمعدنية والكهربائية. ويقضي الاتفاق باستفادة العاملين بالشركة من نظام مكافأة نهاية الخدمة التكميلية عن ترك الخدمة الاختياري قبل بلوغ السن القانونية للتقاعد. ورغم حصول العمال على تعويضات مقبولة فإن ذلك لا يقلل خطورة تسريح هذا العدد من العمال. خاصة أن أكثر من 70% منهم لن يتمكنوا من الحصول على معاش شهري بموجب قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات رقم 148 لسنة 2019. كما أن العمال الذين تزيد أعمارهم على 58 عاماً ويبلغ عددهم 731 عاملاً تم استثناؤهم من الاتفاق وحرمانهم من التعويضات.

قانون الفصل بغير التأديب والحد الأدنى للأجور والعلاوة

ومثل قانون الفصل بغير الطريق التأديبي والتعديلات التي أدخلها القانون رقم 135 لسنة 2021 على القانون رقم 10 لسنة 1973 توسعاً خطيراً في نطاق سريان القانون. حيث أضاف إليه العاملين بوحدات الإدارة المحلية والأجهزة ذات الموازنات الخاصة. وأيضا العاملين الذين تنظم شؤون توظفيهم قوانين أو لوائح خاصة. بالإضافة إلى العاملين بشركات القطاع العام وشركات قطاع الأعمال العام. حيث ينطوي ذلك على تضارب تشريعي كثيراً ما تكرر. ذلك أن العاملين بشركات القطاع العام وشركات قطاع الأعمال العام لا يخضعون لقانون الخدمة المدنية ولا يعدون من متقلدي الوظائف العامة. وإنما هم عاملون يخضعون لأحكام قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 بما يكفله لهم من ضمانات تحميهم من الفصل التعسفي. وهم في هذا الشأن إنما يتمتعون أيضاً بالحماية الدستورية المكفولة في المادة 13 من الدستور.

وبحسب الدار لم يتوسع مشروع القانون في نطاق سريانه فقط. وإنما أيضاً منح سلطة إصدار قرارات الفصل بغير الطريق التأديبي -التي كانت مقصورة في القانون على رئيس الجمهورية باعتبارها ذات طابع استثنائي- لمن يفوضه الرئيس على سندٍ من القول -كما هو وارد في المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون- بتخفيف العبء الإداري في ضوء اتساع رقعة الجهات المخاطبة بالقانون. حيث يبدو هذا السبب ذاته مثيراً للمخاوف فيما يشير إليه من اعتزام التوسع في اتخاذ قرارات الفصل بغير الطريق التأديبي.

وفيما يتعلق بالحد الأدنى للأجور والعلاوة الدورية فقد أدى عدم تطبيقه على القطاع الخاص إلى حالة من التذمر بين صفوف عماله. وتنظيم العديد من التحركات الاحتجاجية للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور -على الأخص- مع ارتفاع معدلات التضخم وزيادة الأعباء المعيشية. وربما يفسر ذلك أيضاً زيادة معدل الاحتجاجات والإجراءات التعسفية المتخذة في حق العمال في الربع الثالث من العام.

استمرار التذمر من مشكلات تطبيق قانون “التأمينات والمعاشات”

لفتت الدار في تقريرها إلى أنه تم إصدار قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات -أحد التشريعات الاجتماعية بالغة الأهمية- على عجالة. ولم يُدر بشأنه الحوار المجتمعي المفترض الذي يتسع لكافة المعنيين به. لذلك صاحبت البدء في إعماله ردود فعل واسعة في المجتمع المصري وأسفرت خبرات تطبيقه عن الإشارة إلى مثالب ونواقص واضحة.

ورغم أن القانون قد تضمن عدداً من المزايا فإنه قد انطوى أيضاً على كثير من أوجه القصور والتناقض وترتب على تطبيقه الإضرار بمصالح بعض الفئات الاجتماعية التي شرعت تتظلم مما أصابها وتطالب وتلح على إعادة النظر في بعض أحكام القانون.

ففي شأن العمالة غير المنتظمة التي عدد القانون فئاتها تم إغفال العاملين غير المنتظمين في قطاعات السياحة، والمقاولات والبناء والتشييد، والصيد، والمناجم والمحاجر، والنقل، والمحلات التجارية بكافة أنواعها، ومحطات الوقود، ومحلات الترفيه كالمقاهي والنوادي وغيرها. والفنيين في قطاع السينما والمسرح والدراما، كما أغفل القانون أيضاً العاملين في القطاعات غير الرسمية، والذين يشكلون ما يقرب من 50% من القوى العاملة.

وفي شأن المعاش المبكر انطوى القانون على عوار واضح. حيث ينص على أحقية بعض العاملين في استحقاق المعاش المبكر بينما يضع شرطاً يحول عملياً دون هذا الاستحقاق. وقد تضرر العاملون بالقطاع الخاص من حرمانهم من فرصة الحصول على معاش لدى تقاعدهم في سن مبكرة نسبياً. حيث كثيراً ما يتم الاستغناء عنهم ويصعب عليهم الحصول على فرصة عمل أخرى.

وفي شأن تعويض البطالة استثنى القانون العاملين المؤقتين والعاملين في أعمال عرضية من التمتع بتأمين البطالة. الأمر الذي يتناقض مع واقع أن الكثيرين من العاملين في القطاع الخاص يعملون بعقود مؤقتة، فضلاً عن انخفاض قيمة التعويض.

انتهاكات حقوق العمال وفقا للنشاط الاقتصادي

سجلت المنشآت الصناعية في التقرير أعلى عدد من الانتهاكات التي بلغت 5830 انتهاكا. ثم جاءت باقي القطاعات، أنشطة أخرى 1664 انتهاكاً، التعليم 341 انتهاكاً، السياحة 141 انتهاكاً، وأخيراً الصحة 65 انتهاكاً.

وتبعاً لطبيعة صاحب العمل، سجل القطاع الخاص أعلى معدلات الانتهاكات. والتي بلغت 6412 انتهاكاً يليه قطاع الأعمال العام الذي بات ينافس القطاع الخاص في انتهاك حقوق العمال وتصفية الشركات وتشريد آلاف العمال. حيث شهد 1555 انتهاكاً، ثم القطاع الحكومي الذي سجل 73 انتهاكاً.

تصنيفها تبعاً لنوع الانتهاك

وفقا لما رصدته دار الخدمات النقابية والعمالية سجل انتهاك تأخر صرف الراتب أعلى المعدلات حيث يمثل 35,9% من إجمالي الانتهاكات بواقع 2891 انتهاكا يليه عدم وجود دار حضانة والذي مثل 27.2% من إجمالي الانتهاكات بواقع 2190 انتهاكاً.

وتابع التقرير أن باقي الانتهاكات تأتي متمثلة في الفصل التعسفي. حيث شهد العام 254 حالة فصل تعسفي بينها 253 حالة في القطاع الخاص وحالة واحدة في قطاع الأعمال العام. حيث سجلت المنشآت الصناعية 84 حالة يليها قطاع السياحة 131 حالة وقطاعات أخرى 38 وأخيراً التعليم حالة واحدة بإحدى المدارس الخاصة.

وحول انتهاكات حقوق الطفل، رصد التقرير 3 انتهاكات تشغيل أطفال تحت سن 15 سنة وثلاث حالات مخالفة لقواعد تشغيل الأطفال

كما رصدت دار الخدمات النقابية والعمالية خلال العام11 حالة قبض تعسفي و5 حالات احتجاز في مكان غير معلوم، و18 حالة حبس احتياطي.

قيود الإضراب بين انتهاك حقوق العمال

بالرغم من كفالة المواثيق الدولية للحق في الإضراب، وكذلك اعتراف قانون العمل الحالي، إلا أنه قيد هذا الحق بقيود وشروط تعجيزية، ومن المؤسف أبقت الحكومة في مشروع قانون العمل الجديد الذي يُناقش الآن في مجلس الشيوخ على قيدين هما الأسوأ من شروط الإضراب وهما عدم تنظيمه في المنشآت الاستراتيجية والحيوية التي كان قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1185 لسنة 2003 قد صدر بتحديدها لتشمل جميع المستشفيات والمراكز الطبية والصيدليات وجميع وسائل نقل الأشخاص والبضائع، ومنشآت مياه الشرب والغاز والكهرباء والصرف الصحي، والاتصالات، والمؤسسات التعليمية، وإلزام العمال بإخطار كلٍ من صاحب العمل والجهة الإدارية، على أن يتضمن الإخطار الأسباب الدافعة للإضراب ومدته الزمنية، حيث غني عن الذكر أن الإضراب عادةً ما يستمر حتى تحقيق المطالب أو بدء المفاوضة بشأنها أو الوصول إلى حل مرض للطرفين. رغم مطالبة العمال ونقاباتهم المستقلة ولجنة الخبراء بمنظمة العمل الدولية  CEACR بمراجعة هذه المواد.