يمثل ارتفاع أسعار النفط لأعلى مستوى في 7 سنوات، مشكلة كبرى أمام الموازنة العامة للدولة. وقد قدرت أسعاره للعام المالي الحالي بمستوى 61 دولارًا للبرميل. بينما سجلت أسعاره الخميس مستوى 92.82 دولار للبرميل. وذلك في العقود الآجلة لخام القياس العالمي برنت. مع تراجع حاد وغير متوقع لمخزونات النفط الخام الأمريكية. وذلك بمقدار 4.8 ملايين برميل. فضلًا عن تراجع وارداتها خلال شهر ديسمبر 2021 لتصل إلى حوالي 6.3 مليون برميل يوميًا.

وتوقعت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية وصول إنتاج النفط الخام إلى 12.6 مليون برميل يوميًا. لكن الطلب على الوقود ارتفع لأعلى مستوى له على الإطلاق. ما يعكس استمرار تراجع الإمدادات بسبب الاضطرابات السياسية بين أمريكا وحلفائها من جهة وروسيا من جهة أخرى، والتي تعد ثاني أكبر منتج بالعالم.

ويتوقع محللون استمرار ارتفاع العقود الآجلة للنفط، على المدى القريب (3 أشهر). مع انخفاض المعروض على أن تقل الاختناقات في الربع المقبل.

ويقول مايك مولر، رئيس فيتول آسيا التابعة لمجموعة فيتول الهولندية، إن الأمر مرهونًا بعودة الخام الإيراني. ففي حال التوصل لاتفاق حول برنامج طهران النووي ستتولد بالسوق تدفقات تعمل على تهدئة أسعار النفط وتلبية الطلب المتزايد.

مستويات النفط الحرجة وأزمة الموازنة المصرية

بحسب مجموعة فيتول، فإن مخزونات النفط العالمية عند مستويات حرجة بعد استنزاف كميات منها لضبط السوق. ورغم زيادة (أوبك +) حصتها من إنتاج النفط بمقدار 400 ألف برميل يوميًا.

يرى بيتر ناجلي وكالترينا تيماج، الخبيران بالبنك الدولي، أنه من المتوقع أن يتجاوز الطلب على النفط مستوى ما قبل جائحة كورونا عام 2022. مع زيادة إحلال النفط محل الغاز الطبيعي لأغراض التدفئة وتوليد الكهرباء، الذي يزيد الطلب بأكثر من 0.5 مليون برميل يوميًا.

الموازنة المصرية الحالية تقدر النفط عند مستوى 61 دولارًا للبرميل. وكل دولار زيادة في سعر برميل البترول عن السعر المقدر له في الموازنة الجديدة يضيف كلفة إضافية على الحكومة. ذلك بقيمة 2.3 مليار جنيه، بحسب وزير المالية الدكتور محمد معيط.

وبحسب وزارة المالية، فإن الـ 31 دولارًا التي ارتفعت بسعر البرميل تكبد الموازنة العامة للدولة نحو 71.3 مليار جنيه. إذ أن لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية محكومة بنسبة تحريك لا تتعدى 10% سواء بالزيادة أو النقص. وقد أصدرت قرارها في فبراير الحالي. وبالتالي لن تستطيع أن تصدر قرارًا جديدًا قبل شهر مايو المقبل

ما تستهدفه مصر بالموازنة العامة

تراجع حجم استيراد مصر السنوى من المشتقات البترولية بحوالي %50. وسجل 3 ملايين طن العام الماضي بفضل تزايد للاعتماد على الغاز الطبيعي في السيارات ومشروعات التكرير التي تم تنفيذها وتشغيلها مؤخرًا. وقد ساهمت بشكل أساسي في تخفيض حجم استيراد المشتقات البترولية من الخارج. وكانت مصر تستورد 6.5 ملايين طن من المشتقات البترولية خلال 2015. واستمر احتياجها في التراجع تدريجيًا حتى وصل إلى معدلاته الحالية.

كل زيادة بمقدار 10 دولارات في سعر النفط العالمي عن السعر المقدر له في الموازنة العامة للدولة يرفع معه نسبة العجز. وذلك بنسبة تناهز  0.2%، بحسب تقديرات اقتصاديين.

وقد وقعت الحكومة عقودًا للتحوط من ارتفاع أسعار النفط عن المقدر لها في الموازنة خلال العام المالي الجاري. وأكد الدكتور محمد معيط، في لقاء مع رجال الأعمال قبل أيام، إن الوزارة نجحت في خفض العجز الكلي للموازنة بنسبة 50% خلال السنوات الخمس الماضية. وهي تستهدف الوصول إلى 6.7% في يونيو المقبل. ذلك مقابل 7.4% فى يونيو الماضي. بينما نستهدف أقل من 6% العام المالي المقبل.

أيضًا تستهدف مصر خفض معدل الدين للناتج المحلي في يونيو 2022 لأقل من 90% وأقل من 85% خلال الثلاث سنوات المقبلة، نزولًا من 108% في يونيو 2017.

ووفقًا للبنك الدولي فإن أسعار النفط ستفرض ضغوطًا على وزارة المالية المصرية في تحقيق مستهدفاتها بالنسبة للعجز الكلي للموازنة.

مكاسب وسط الأزمة

وقد يحمل ارتفاع أسعار البترول عنصرًا إيجابيًا بتحفيز قطاع الصناعات الاستخراجية وقطاع تكرير النفط اللذين يشكلان معًا نحو 14% من الناتج المحلي الإجمالي في العامين الماليين الماضي والأسبق له. ومن المتوقع أن يحمل تأثيرًا إيجابيًا أيضًا على ميزان الحساب الجاري عبر نمو التحويلات المالية من العاملين في دول الخليج، كما سيتوسع الميزان التجاري للنفط على خلفية ارتفاع الأسعار.

إلا أن الضغط على الموازنة المصرية لن يكون مؤقتًا، فبنك الاستثمار الأمريكي جيه.بي.مورجان تشيس يتوقع أن يسجل سعر خام نفط برنت 125 دولارًا للبرميل خلال العام المقبل وإلى 150 دولار في العام التالي. كما رفع بنك الاستثمار الأمريكي جولدمان ساكس جروب، توقعاته لأسعار النفط خلال العامين الحالي والمقبل إلى 100 دولار للبرميل خلال الربع الثالث من العام الحالي.

ولم تختلف توقعات “بنك أوف أمريكا” كثيرًا، إذ رجح أن تصل منتصف العام المقبل إلى 120 دولارًا للبرميل في ظل أزمة الطاقة العالمية الراهنة.