ضمن إصدارات معرض القاهرة الدولي للكتاب، صدرت عن دار الياسمين للنشر، الترجمة العربية لكتاب “كيف أصبح المسيح إلها؟ قصة الصراع من أجل تحديد مفهوم المسيحية في الأيام الأخيرة للإمبراطورية الرومانية”. وهو للكاتب اليهودي الأمريكي ريتشارد رونبنشتاين، ومن ترجمة أسامة نصار.

وقد أثار الكتاب -الذي يقع في 437 صفحة من القطع المتوسط- الجدل فور الإعلان عن صدوره. ما اضطر دار النشر للتأكيد على احترامها للعقيدة المسيحية في بيان رسمي. إلا أن قراءة الكتاب تكشف لماذا غضب الأقباط من محتواه قبل صدوره. فالكاتب اليهودي يتعرض إلى قضية ألوهية المسيح من خلال سرد تاريخي لأحداث مجمع نيقية وما سبقه من صراعات في الإمبراطورية الرومانية، وحتى الاتفاق على قانون الإيمان النيقاوي. وقد أكد على اتحاد الآب والابن في الجوهر. ومن ثم الإقرار بألوهية السيد المسيح بين المسيحيين جميعًا كأصل وأساس للعقيدة. مع الإشارة إلى الصراع مع أريوس القس المسيحي الذي اعتبر هو واتباعه أن المسيح أي الابن في مرتبة أقل من الله الآب. وقال إنه رغم اشتراكهما في الجوهر إلا أنهما ليسا متساويين.

الكتاب الذى يقع في 437 صفحة من القطع المتوسط، قد أثار الجدل فور الإعلان عن صدوره
الكتاب الذى يقع في 437 صفحة من القطع المتوسط، قد أثار الجدل فور الإعلان عن صدوره

روبنشتاين مؤلف الكتاب يؤكد في المقدمة على تردده كرجل يهودي تجاه الخوض في جدلية تخص المسيحيين وحدهم. لكن شغفه هو ما قاده إلى إتمام هذا العمل. ذلك بعد أن ساعدته صدفة تواجده كأستاذ زائر في أحد الجامعات الفرنسية إلى مكتبة المؤرخ الفرنسي الشهير مايكل فوفيل. الأمر الذي أتاح له كنزًا معرفيًا استخدمه للتوثيق التاريخي في هذا العمل.

ويشير -في الوقت نفسه -إلى أن نهاية الخلاف المسيحي مع الأريوسين قد قطعت الكثير من الحوارات الدينية حول المسيح وطبيعته بين اتباع الديانات المختلفة. فيقول: أحد الأسباب التى شدت انتباهي إلى الخلاف الأيروسي أنه إلى وقت انتهائه كان المسيحي واليهودي يستطيعان أن يتناقشا ويتجادلا مع بعضهما البعض في موضوعات مثل ألوهية المسيح والطريق الحقيقي للخلاص وكل شئ تقريبًا. كان هناك اختلاف لكن تقارب واضح. ومع انتهاء الخلاف الأيروسي وتحول المسيح إلى إله، فإن التقارب المسيحي اليهودي قد خبا دون رجعة وتحول الإله المسيحي إلى الثالوث المقدس. كما أصبح الاعتقاد بغير ذلك هرطقة. وكذلك أصبحت الهرطقة جريمة وتحولت اليهودية إلى كفر، وتدريجيًا تعود اليهود الذين يعيشون في مجتمعات مسيحية على عدم التفكير كثيرًا في المسيح ورسالته.

لماذا يرفض المسيحيون عقيدة آريوس التي تضع المسيح في منزلة أقل من الله؟

يشرح الكتاب عقيدة الأيروسيين التي تسببت في الخلاف المسيحي المسيحي. يقول: هم يؤمنون بأن وجود الله الخالق استهل خلق المسيح قبل بداية الزمان. وكان وجوده بمثابة الوسيلة التي خلقت باقي العالم. وعلى الرغم من تلك المعتقدات إلا إنهم أصروا مع ذلك على أنه لا يمكن أن يكون المسيح نفسه هو الله. كانت حجتهم في ذلك كيف يتأتى للمسيح إذا كان بالفعل إلهًا بكل ما يملكه من قوة ومعرفة أن يختبر بالإغواء ويتعلم الحكمة بنفسه ويسمو بأخلاقه نحو الفضيلة. وكيف يمكن له أن يتألم على الصليب وأن يموت كإنسان إذا كان حقًا إلهًا.

كيف كان القديس أثناسيوس الرسولي ينظر إلى آريوس الذى رفض الإيمان بألوهية المسيح؟

بالنسبة لأثناسيوس السكندري -أحد أهم قديسي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والملقب بحامي الإيمان وهو أحد أشد خصوم أريوس- فإن الأفكار السابقة قد تعدت حدود الخطأ بل كانت أفكارًا هدامة بشكل كبير. حيث اساءت استغلال الكتاب المقدس من أجل تحريف الإيمان المسيحي. فقد كان أثناسيوس يعتبر أن فكرة التوحيد في المسيحية أمرًا مفروغًا منه، وفي ظل إله واحد سرمدي عالم الغيب كامل القدرة والإرادة وأعلى من كل المخلوقات. وكانت فكرة نزوله إلى مكانة البشر وخضوعه لسلطة بشر آخرين مذلة بدرجة لا يمكن تصورها.

ومع ذلك كانت الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها إنقاذ البشر من مصيرهم المحتوم ومن الهلاك المادي والأخلاقي ومن أجل خلاص البشر قام الله بشئ لا يمكن تخيله وبدافع حبه اللامحدود تحول إلى صورة إنسان من جسد ولحم. وأصبح الله هو يسوع المسيح الإنسان الذي أخذ على كاهله الضعيف عبء خطايا البشر ثم تألم ومات من أجل منحهم الخلاص والحياة الأبدية.

يستطرد مؤلف الكتاب في شرح الظروف السياسية والتاريخية التي سبقت مجمع الأساقفة في نيقية. وهو المجمع الذي تم من خلاله إقرار قانون الإيمان المسيحي المعمول به في كافة الطوائف المسيحية اليوم. إذ اعتبر الكاتب أن مجمع نيقية كان نقطة تحول تاريخية.

التحول بين أريوس وخصومه

ففي حين كان المجمع يتطلع إلى حل نهائي للخلاف الأيروسي من وجهة نظر الكنيسة الكاثوليكية، فإن النتيجة عكس هذا. وتعريف يسوع المسيح كإله كما كان مقررًا في المؤتمر شكل نقطة فاصلة تعامل معها المسيحيون بقدر من التحضر والمدنية.

وقد كان أريوس وخصومه ينظرون إلى بعضهم البعض كرفقاء مسيحيين يحملون أفكارًا خاطئة. لكن عندما ازداد الصراع ضراوة بدأوا في معاملة بعضهم البعض ليس كرفقاء مخطئين ولكن كآثمين غير تائبين أو حتى عبيدًا للشيطان. وقد حاول قسطنطين أن يظهر في هذا المجمع كرجل سلام يحاول أن يلم شمل الأطراف المتخاصمة على أساس قاعدة واحدة مشتركة. وكان قراره بنفي آريوس من أجل محاولة فرض ما ظن إنه إجماع بين الأساقفة على عقيدة لاهوتية موحدة. وهو ما يعني إعطاء أعداء آريوس الحق في استخدام سلطة وقوة الدولة الرومانية لصالحهم.

تلك الرؤى والأفكار تتناقض بوضوح مع إيمان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التي تأسست على أكتاف اثناسيوس ألد أعداء أريوس. إذ تؤمن الكنيسة إن ألوهية المسيح مسألة تم الاتفاق عليها. وظهرت في كتابات الآباء الأوائل في القرون الأولى، وقبل مجمع نيقية. مثلما يؤكد كيرلس بشرى الباحث في اللاهوت بجامعة فيينا.

كيف تنظر الكنيسة القبطية لمسألة ألوهية السيد المسيح؟

القمص عبد المسيح بسيط مدرس اللاهوت الدفاعي بمعهد الكتاب المقدس في كتاب له يطرح تلك الفكرة. وتحت عنوان “لاهوت المسيح حقيقة إنجيلية أم تاريخية أم نتاج مجمع نيقية”. يقول إن ألوهية المسيح وطبيعته أمر قد حسمه الكتاب المقدس أي قبل مجمع نيقية بقرون. وهو يؤكد أن الكتاب الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، من خلال نبوات الأنبياء وأقوال يسوع المسيح نفسه وما قاله وكتبه تلاميذه ورسله بالروح القدس، يشير بوضوح وصراحة وبدون لبس أو غموض، إلى شخصه الإلهي. كما يشدد على أنه الإله القدير والإله الحق الموجود في حضن الآب بلا بداية ولا نهاية، كلمة الله وصورة جوهره، الواحد مع الآب في الجوهر، الذي له كل ما للآب من طبيعة وصفات وأسماء وعظمة ومجد وكرامة.

الكنيسة القبطية تؤمن بألوهية المسيح وفقا لتفسيراتها للكتاب المقدس

ويضيف القمص بسيط: الكتاب المقدس يعلمنا أن الروح القدس الذي هو روح الله هو روح الابن أيضًا كما يقول الكتاب “روح ابنه” (غل6: 4). “روح يسوع المسيح” (19: 1). وأنه هو الذي يرسل الروح القدس كما يرسله الآب. “المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي” (يو26: 15). وأنه يعمل كل ما يعمله الآب. كل أعمال الله وعلى رأسها الخلق. وباختصار فكما يقول هو “كل ما للآب هو لي” (يو15: 16). “أنا والآب واحد أنا في الآب والآب في” (يو30: 10؛10: 14).

ويورد القمص بسيط أيضًا -تدليلًا على ذلك- بعض آيات الكتاب المقدس التي تؤكد ما ذهب إليه من بينها:

” عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد” (1تي16: 3).

“لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابنا وتكون الرياسة على كتفه ويدعي اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام” (اش6: 9) “لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح” (1تي5: 2).

“ونحن في الحق وفي ابنه يسوع المسيح هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية” (1يو20: 5)

هل ترد الكنيسة القبطية على كتاب روبنشتاين؟

على الرغم من الجدل الذى صاحب ظهور كتاب ريتشارد روبنشتاين في معرض القاهرة الدولي للكتاب. إلا إن الكنيسة لم تصدر بيانًا رسميًا توضح موقفها منه كما كان الأمر في سنوات عصر البابا شنودة. إذ كان الأنبا بيشوي يميل دائمًا إلى إصدار كتب للرد على الكتب والروايات. مثلما حدث مع رواية عزازيل بالإضافة إلى سلاسل الرد على كتابات متى المسكين وجورج بباوي. إلا أن عهد البابا تواضروس قد شهد صمتًا كنسيًا تجاه الكتب والفنون بوجه عام.