يظن الكثيرون أن “القبول” يأتي من شيء ما في الشكل الخارجي للشخص، من نظرة عينيه مثلا أو خفة حركته. أو لغة جسده، أو طريقة حديثة بصوت رخيم كمذيعي الراديو، ولكن في حالة الفنان علاء ولي الدين لم تكن أي من هذه العوامل موجودة به أو تميزه. فجسده ضخم، وعينيه بريئة في وجه طفولي دائري ذو خدود بضة طريفة تضيق معها العينان حين يبتسم أو يضحك. وصوته عادي جدا، لذا فعلى ما يبدو أن القبول أو الكاريزما أو الحب التلقائي مرتبط بعوامل أخرى غير الشكل والصوت. فلماذا أحبننا علاء ولي الدين ابن الناظر؟

لأنه يشبهُنا

ربما لأنه عادي جدا ولا يوجد ما يميزه جسديا، بل إنه يعاني من سمنة مفرطة مثل كثيرين منا. فهو مثلنا، ليس وسيما كأبطال السينما، ليس رشدي أباظة ولا أحمد رمزي ولا حتى كريم عبد العزيز الذي شاركه في أفلامه فيما بعد. ليس رشيقا ولا عنده عضلات ولا يُجيد سبسبة شعره ولا النظرات العاطفية العميقة ويحب الطعام كما يبدو. تعليمه مثلنا جميعا أيضا فهو حاصل على بكالوريوس التجارة مثل معظم أبناء الطبقة المتوسطة. التي لم تستطع اللحاق بكليات القمة بفارق درجتين أو ثلاث فلم تجد أمامها إلا كلية التجارة أو كلية الخدمة الاجتماعية أو الحقوق.

هو عادي تماما.. ليس فقط في شكله ولكن في درجة تعليمه وطبقته الاجتماعية. فقد ولد في أسرة متوسطة الحال، ولد في محافظة المنيا -مركز بني مزار- قرية الجندية. وكان جده الشيخ سيد ولي الدين مؤسس مدرسة في القرية أنشأها كاملاً على نفقته الخاصة وظلت تعمل لأعوام إلى أن انتقلت إلى الجهات الحكومية. ووالده سمير ولي الدين كان ممثلاً وكذلك كان موظفا حكوميا فكان مديرا عاما لملاهي القاهرة. وكانت هذه هي نصيحة الأب لابنه أن يُكمل تعليمه أولا ثم يبحث عن شغفه بالسينما.. حتى تكون معه وظيفة “يتسند” عليها جنب العمل الفني.

حتى أن بداية عمله في الفن بدأ ككومبارس.. وقد تعرض للتنمر مثلنا أيضا فلم يستطع أن يلتحق في بداية مشواره بالمعهد العالي للسينما. فكلما كان يتقدم للالتحاق بالمعهد ترفضه لجنة التحكيم  نظرا لوزنه الثقيل وشكله غير الوسيم في نظرها. مما اضطره لإعادة التقديم للمعهد مرات عدة وكانت نفس الإجابة تنتظره في كل مرة. بل ونصحوه بالابتعاد عن مجال التمثيل لأنه لا يصلح، ولكنهم غيروا رأيهم بعد بطولته لفيلم “الناظر”.

لأنه كان كومبارس

ربما لأنه لم ينطلق مباشرة في أدوار كبيرة كأبناء الممثلين الكبار أو المخرجين. ولأنه صنع شخصياته واحدة جنب أخرى، فهو لم يُولد وفي فمه ملعقة الفن الذهبية. لم يُوصي عليه والده المونتير المشهور أو والده السيناريست الكبير ولم يُرحب به ابنا للفنان الفلاني. فقد كان والده كومبارس أيضا ربما تتذكرون الشاويش في مسرحية “شاهد ما شافش حاجة”. والده هو هذا الشاويش، الفنان سمير ولي الدين، ربما هذا هو أبرز أدواره ولكنه اشترك في الكثير من الأفلام مثل “البحث عن فضيحة”. و”مولد يا دنيا” ومسلسل “الهروب” و”أحلام الفتى الطائر”. وأيضا اشترك في عدة مسلسلات إذاعية وفوازير في فترة الستينات والسبعينات. فكان نصيب علاء مثل والده، إلا أن ظهوره في بعض المشاهد القليلة في الفيلم الواحد أو ربما عابرا في لقطة في مشهد. كانت تترك أثرا وعلامة تؤهله أن يأخذ مساحة أكبر في الفيلم التالي. ثمانية عشر فيلما مثل فيهم مشهد أو مشهدين بالكثير، مثل آيس كريم في جليم، زيارة السيد الرئيس، بخيت وعديلة. النوم في العسل، سمكة وأربع قروش، رسالة إلى الوالي، ثم أخذ دورا كاملا في “حلق حوش” مع محمد هنيدي وليلى علوي. فكان “حسونة” علامة، ورجل الأمن في آيس كريم في جليم علامة، ومسلسل “أنت عامل إيه؟” علامة كبيرة أيضا. والفتى المُنتحر من فوق مجمع التحرير في فيلم “الإرهاب والكباب” علامة أخرى مهمة..

لأنه صلاح وجواهر وعاشور

“عبود” كانت أول بطولة للفتى في عام 1999 في فيلم “عبود على الحدود” من إخراج شريف عرفة. وسانده أحمد حلمي وكريم عبد العزيز وحسن حسني -الذي كان المعلم والداعم لكل هذا الجيل من الشباب، تألق علاء ولي الدين في البطولة وأثبت أنه يستطيع أن “يشيل” بطولة فيلم. بعدها بعام كان هناك دور بطولة آخر في أهم فيلم في تاريخ الأفلام الكوميدية الحديثة. فيلم “الناظر” من كتابة أحمد عبد الله وإخراج شريف عرفة. كما نعرف مثل فيه علاء ولي الدين ثلاثة شخصيات: الابن صلاح والأب عاشور والأم جواهر. في البداية كان يخشى أن يفشل خاصة في تبديل طبقات الصوت بين الثلاثة شخصيات، فالابن صوته صوت علاء الطبيعي. بينما الأم صوتها رفيع والأب ذو صوت أجش كما نذكر، ولكن شريف عرفة جلس معه كثيرا في بروفات ليتمرن على طريقة التمثيل بالأصوات المختلفة.

شخصية جواهر التي صممها الفنان “رحمي” بقطع اسفنجية كبيرة كانت من أبرز الشخصيات والتي تشبه كثيرا أمهاتنا وخالاتنا. من منا لا يتذكر قسوتها وحنيتها ودعمها لابنها وهي تضربه مرة بيدها ليجلس جوارها يقرأ لها ترجمة المسلسل الأجنبي لتشاهد نجمها المفضل “فيليب”؟ أو وهي تخبره “روح شوف لك صاحب ولا صاحبة اللي حابسك خلاص مات” أو بعد أن تطرده تذهب لتصالحه وتطلب من وكيل المدرسة الأستاذ سيد “انده للولد عشان تصالحنا على بعض”، لن تشك لحظة أن السيدة التي تجلس في عزاء زوجها تنوح عليه وتعدد مميزاته وتتشاجر مع صفية جارتها رجل متنكر. قطعا لا، حتى ونحن نعرف أنها علاء خلف هذا الاسفنج والباروكة والمكياج. هذا الأب القاسي والناظر الذي يهمه فقط المصاريف والكانتين ويعاقب التلاميذ على هفوات “واقف بتهرش في راسك في الطابور يا وغد” هو فعلا نموذج واقعي برع في تجسيده وذكرنا بنظراء مدارسنا جميعا. أما صلاح المنطوي التائه الذي ليس له صاحب سوى عاطف الذي لا يتذكره أحد في طوال الفيلم، والذ كان ينجح كل عام بدون أن يستحق لأن والده كان يفعل ذلك حتى أنه رسب في الثانوية العامة عدة سنوات.. هو مثل كثيرين منا حقا. بالطبع الشخصيات مرسومة هكذا في الكتابة قبل أن يُشخصها علاء ولي الدين ولكن هو برع في التمثيل لدرجة أضحكتنا كثيرا وجعلتنا ننسى أن جواهر هي علاء وأن عاشور هو علاء..

بالأمس كانت الذكرى التاسعة عشر لوفاته، كان عمره تسعة وثلاثون عاما، احتاج فيهم علاء رحمه الله لسنوات كثيرة من صبر ورفض وقبول ودعم وخذلان حتى استطاع أن يصبح بطلا لفيلم خاص به، يصبح هذا الشاب الذي رفضته لجنة معهد السينما بطلا لفيلم لأنه شكله مش وسيم ولأن جسده ضخم، يُصبح الكومبارس بطلا.. بطل غير وسيم ولا رشيق ولا تتهافت عليه المعجبات إلا أنه بالرغم من كل هذا أصبح بطلا وظل ابن الناظر دائما وأبدا.