بعد عام ونصف من التوقيع على اتفاقيات إبراهيم، تشير عديد من الأحداث في منطقة الخليج العربي إلى نية إسرائيل في إرساء الأساس لتحالف استراتيجي جديد في المنطقة. ذلك بينما تعيد الولايات المتحدة تحديد مشاركتها في المنطقة. فعلى مدار الثمانية عشر شهرًا الماضية، وسعت إسرائيل علاقاتها التجارية بشكل كبير مع الإمارات والبحرين. بينما عززت أيضًا التعاون في قطاعي التكنولوجيا العسكرية والأمن السيبراني.
وخلال الأسابيع الماضية، تسارعت هذه العملية. ففي بداية فبراير، وقع وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس اتفاقية أمنية مع البحرين. وهي الاتفاقية الأولى من نوعها مع دولة خليجية، وتهدف إلى تعزيز التعاون بين البلدين في قطاعي المخابرات والدفاع.
اقرأ أيضًا: أبوظبي تحتضن “بينيت” وعقلها مع المنافسين.. قراءة في سياسة “صفر مشكلات” الإماراتية
في نفس أيام زيارة جانتس للبحرين، شاركت إسرائيل في مناورة بحرية بقيادة الولايات المتحدة عبر البحر الأحمر وشمال المحيط الهندي والخليج. وللمرة الأولى أيضًا، أبحرت البحرية الإسرائيلية إلى جانب السفن السعودية والعمانية. ذلك على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية.
المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI) بحث في مآلات هذه الشراكة البادية في الأفق. وقد توصل إلى صعوبة قياس ما إذا كان هناك نظام أمني جديد في الخليج يلوح في الأفق وإلى أي مدى. بينما استند إلى آراء باحثيه الخبراء في سياسات الشرق الأوسط والخليج العربي حول ما إذا كان مثل هذا التطور قد يؤدي إلى توترات مستقبلية مع إيران.
المنامة وأبو ظبي.. بوابة إسرائيل إلى الخليج
تقول الباحثة إليونورا أرديماجني إن الإمارات والبحرين تحولتا حاليًا إلى بوابة إسرائيل لدخول الخليج. وهما بابًا فُتح مباشرة أمام إيران. وقد عززه تصاعد هجمات الجهات المسلحة الموالية لطهران على منطقة مجلس التعاون الخليجي. في إشارة إلى تلك الهجمات التي ينفذها الحوثيون، والتي خلقت مخاوف أمنية واحدة لدى أبو ظبي والمنامة وتل أبيب.
هذه المخاوف أيضًا تتشاركها الأطراف الثلاثة مع المملكة العربية السعودية. وتواجه الأخيرة تهديدات للأمن البحري. فضلًا عن انتشار الصواريخ الباليستية والطائرات المسلحة دون طيار. بالإضافة إلى محاربة التهريب والإرهاب وأنشطة القرصنة.
ووفق أرديماجني، فإن الرياض تتمتع بشراكة قوية -وإن كانت جدلية في بعض الأحيان- مع الإمارات. كما أن هناك تقارب جيوسياسي غير رسمي بينها وبين إسرائيل. وهذا يعني أن السعوديين خرجوا رسميًا من “اتفاقيات إبراهيم”. لكنهم يبقون جزءًا منها، فيما يتمثل في المعادلة الأمنية “القائمة على اتفاقيات إبراهيم”، لطريق البحر الأبيض المتوسط - البحر الأحمر – باب المندب. حيث أن العديد من المشاريع ذات الصلة بـ “رؤية 2030” تشمل الساحل الغربي السعودي “.
إليونورا أرديماجني زميلة أبحاث مشاركة في ISPI، ومساعد تدريس (“تاريخ آسيا الإسلامية” – “صراعات جديدة”) في الجامعة الكاثوليكية في ميلانو، وهي أستاذ مساعد في شؤون اليمن في ASERI (كلية الدراسات العليا للاقتصاد والعلاقات الدولية).
إسرائيل والإمارات: تهديدات وتقنيات مشتركة
يقول الباحث يوئيل جوزانسكي إن الدوافع الرئيسية التي تساهم في التعاون بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة في مجال التكنولوجيا العسكرية تنبع من التهديدات المشتركة التي تواجهها الدولتان حاليًا من إيران ووكلائها.
ويواجه كلا الجانبين تهديدًا خطيرًا وفوريًا من الانتشار الإقليمي غير المسبوق لصواريخ (أرض – أرض) والطائرات دون طيار. وهو ما يدفع الطرفين إلى تعميق العلاقات الأمنية بينهما.
ويضيف جوزانسكي أنه يمكن لدولة الإمارات الحصول على وصول أكبر إلى تكنولوجيا الدفاع الصاروخي الإسرائيلية. بينما يمكن لإسرائيل اكتساب المعرفة العملياتية حول كيفية عمل أعدائها. ومع ذلك، فإن تعميق هذا التعاون بين إسرائيل وأبو ظبي قد يدفع إيران أيضًا إلى زيادة تهديداتها تجاه أبو ظبي من أجل “دق إسفين” بين إسرائيل والإمارات.
الدكتور يويل جوزانسكي هو زميل أبحاث أول في المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي (INSS). وهو متخصص في سياسات الخليج وأمنه. وهو أيضًا باحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط في واشنطن العاصمة، وكان زميلًا زائرًا في معهد هوفر بجامعة ستانفورد ، وزميل ما بعد الدكتوراه في المعهد الإسرائيلي، وباحث فولبرايت.
إسرائيل.. الضامن لأمن الإمارات السيبراني
يقول الباحث محمد سليمان إنه نظرًا للمخاوف المشتركة من قدرات الحرب الإلكترونية الإيرانية المستمرة، فضلًا عن القلق المتبادل بشأن الحرب الباردة الحالية بين الولايات المتحدة والصين، فإن بعض دول الخليج تميل أكثر إلى الشراكة مع إسرائيل في التكنولوجيا والإنترنت.
وهو يرى الإمارات في قلب هذا التعاون مع إسرائيل. إذ إنه بمساعدة إسرائيلية، ستكون الإمارات قادرة على التحول بنجاح إلى التكنولوجيا العميقة في مجالات تشمل الحوسبة السحابية، وblockchain، والذكاء الاصطناعي (AI).
وتُعد أبو ظبي ودبي بوابة سوقية للتقنيات الإسرائيلية. وهما مدينتان توفران مصادر تمويل للصناعات كثيفة رأس المال. وبالتالي، تعمل الإمارات كمنصة انطلاق للصادرات الإسرائيلية والشراكات في جميع أنحاء المنطقة. ومع ذلك، فإن تعميق التعاون السيبراني بين إسرائيل والإمارات قد يدفع إيران إلى الرد بطريقة متشددة. ومن ثم زيادة التوترات في جميع أنحاء الخليج العربي”.
ولد محمد سليمان في القاهرة، وبدأ حياته المهنية كمهندس وعمل كمستشار يقدم خدمات استشارية استراتيجية للشركات المحلية والدولية. وقد عمل في واشنطن العاصمة أيضًا كمحلل قطري لمختبر السلام التكنولوجي في المعهد الأمريكي للسلام، وكزميل هافينجتون في معهد جورجتاون لدراسة الدبلوماسية، وكزميل مئوي صغير في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورجتاون.
التدريبات العسكرية التي رفعت درجة حرارة مياه الخليج
وفق الدكتورة أنيل شلين، فإن زيادة التنسيق بين إسرائيل ودول الخليج العربي في مجال الأمن البحري، يعكس إعادة ترتيب شامل لهذه الدول، في شراكة تهدف إلى مواجهة إيران. ومثل هذه الجهود تشجعها الولايات المتحدة، كما يتضح من الدور الفعال الذي تلعبه واشنطن في تمكين اتفاقات إبراهيم، والتي ساعدت في تحريك أشكال إضافية من التعاون بين إسرائيل ودول الخليج التي لم تطبع (بعد).
وترى شلين أن التدريبات البحرية الأخيرة بين إسرائيل والولايات المتحدة وسلطنة عمان تعكس هذا الاتجاه العام. فالسلطان هيثم بن طارق حريص على إعادة تأكيد أهمية عمان بالنسبة للولايات المتحدة. وهو ما تفعله دول الخليج بشكل متزايد من خلال الشراكة مع إسرائيل. وقد حدث هذا على الرغم من علاقة عمان الوظيفية مع إيران.
باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط، ومحللة تتمتع بخبرة تزيد عن 4 سنوات، تعيش في الشرق الأدنى. لديها الخبرة في الموضوعات الجغرافية والموضوعية فيما يتعلق بالحرية الدينية وحرية التعبير وحقوق الإنسان في الشرق الأدنى.
التطبيع مع إسرائيل وحصاد الخلاف مع طهران
يقول الباحث عبد الرسول ديفسلار إن التطبيع العربي الإسرائيلي حمل تداعيات متباينة على البيئة الأمنية في الخليج العربي. فالتطبيع مطلب حاسم للتكامل الاقتصادي الإقليمي والاستقرار الاجتماعي. لكن على الصعيد الأمني، تداعياته غامضة.
ويضيف أن زيادة العلاقات الأمنية الإسرائيلية مع البحرين والإمارات، مثل التعاون في الدفاع الصاروخي، يثير التكهنات بأن إسرائيل تهدف إلى ملء الفراغ في فك الارتباط التدريجي للولايات المتحدة.
اقرأ أيضًا: بعد عام من اتفاقيات إبراهام.. لماذا كان الخليج الأقرب للتطبيع والإمارات الأكثر دعمًا لإسرائيل؟
وهو يعتقد أنه في الوقت الحالي، قد لا ترى طهران أي تهديد مباشر من هذه التطورات. ومع ذلك، فإن تطور التطبيع إلى تحالف أمني قوي مناهض لإيران، سيكون له نتائج عكسية على الأمن الإقليمي. لأنه يحفز طهران على اتخاذ إجراءات لموازنة التحالف، مثل المزيد من القدرات الهجومية لاختراق الدروع الصاروخية وتصديرها إلى العملاء الإقليميين.
حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة طهران. وتشمل اهتماماته البحثية السياسة الأمنية الإيرانية، وعلاقات إيران بالقوى العظمى، والنظام الأمني في الخليج العربي، وتحليل التهديدات المقارن. ومنذ سبتمبر 2019، يعمل كمساعد برامج في برنامج اتجاهات الشرق الأوسط التابع لمركز روبرت شومان للدراسات المتقدمة.
عندما يتعلق الأمر بالأمن.. واشنطن لا تزال الشريك الرئيسي
يعتقد آرون ديفيد ميلر زميل أول في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي إن ما تم إلى الآن فيما يتعلق بتوثيق التعاون الأمني بين إسرائيل ودول الخليج الكبرى هو كثير بالفعل. كما أنه يبرز إلحاحًا خلقته الهجمات الأخيرة من صواريخ الحوثيين ضد الإمارات.
وهو يتفق كذلك مع أن هذا إلى جانب التعاون الاستخباري والأمني المستمر بين إسرائيل والخليج في السنوات الأخيرة، إنما يأتي استجابة للمخاوف المشتركة بشأن إيران. فإيران باتت عنوان هذه المشاريع الأمنية الجديدة.
ويضيف ميلر أن القلق بشأن انسحاب أمريكا من المنطقة -أو على الأقل تخفيضها أولويات الشرق الأوسط- دفع إلى تقارب إسرائيل وهذه الدول العربية أكثر. لكنه أيضًا يرى أنه رغم ذلك التقارب الجديد بين تل أبيب والخليج، ستظل الولايات المتحدة الشريك الرئيسي لهذه الدول الخليجية. وبخاصة عندما يتعلق الأمر بمبيعات الأسلحة والالتزامات الأمنية.
وفق “ميلر”، لا أحد يستطيع أن يكون رأس الحربة الأمريكية -ناهيك عن الإسرائيليين- ضد إيران. سيكون البعض منتبهًا بشكل خاص لتحقيق التوازن في علاقاتهم مع إسرائيل وإيران. هذا هو الحال بشكل خاص مع الإمارات، التي تربطها بإيران علاقات عميقة في مجال الطاقة والتجارة، على حد قوله.
آرون ديفيد ميللر زميل أول في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، يركز على السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وقد ألف خمسة كتب، بما في ذلك أحدث كتبه؛ نهاية العظمة: لماذا لا يمكن لأمريكا أن تمتلك (ولا تريد) رئيسًا عظيمًا آخر (2014)، وكتاب الأرض الموعودة جدًا: بحث أمريكا المراوغ عن العرب- السلام الإسرائيلي (2008).