يعتبر التوك توك وسيلة انتقال أساسية بالأحياء الفقيرة والأكثر استخداما بين أبناء الطبقات الأقل دخلا والمهمشة في العالم. بل أضحى الأوسع انتشارا بين وسائل النقل والتجول. فهناك 8 دول بالعالم تستخدمه. ومؤخرا غزا إحدى مدن أوروبا الكبرى -مدينة الضباب لندن. إذ تم اعتماده كإحدى وسائل النقل العام بالعاصمة البريطانية. فيما ينتشر بدول عربية مثل مصر والعراق والسودان.

خرج التوك توك من موطنه الأصلي في الهند وانتقل إلى مصر في أواخر عام 2005 ليجد لنفسه موطنا جديدا أكثر جذبا وملاءمة. خاصة في المناطق النائية والريفية والتي تقل وتندر فيها وسائل النقل الأخرى.

ومع ارتفاع نسبة البطالة والمتعطلين وجده الكثير مصدر رزق بتكاليف قليلة أو معقولة للخروج من حالة العوز وتدبير احتياجاتهم. وتدريجيا اتسعت دائرة انتشار حتى غزا المدن والشوارع الرئيسية بأرقي الأحياء في مصر.

والتوك توك كظاهرة ناشئة فرضتها ظروف اجتماعية واقتصادية متدنية. أصبح سلاحا ذا حدين من حيث كونه مصدر دخل تعتمد عليه فئة كبيرة من الأسر الفقيرة. ومن حيث كونه أصبح وسيلة تستخدم في بعض جرائم الخطف والسرقة والتحرش. إضافة إلي العديد من المشكلات الأخرى الناتجة عنه مثل الزحام والتلوث والحوادث المتكررة.

تضارب أرقام التوك توك

تتضارب الأرقام حول عدد مركبات التوك توك في مصر. فوفقا للبيانات الرسمية يبلغ عددها 2.5 مليون. 10% فقط منها حصل على رخصة رسمية وفقا لتصريح السفير نادر سعد -متحدث مجلس الوزراء. بينما ذكر صبري عبده -مستشار الرابطة العامة لمالكي التكاتك في مصر- أن عدد التكاتك وصل إلى 5 ملايين و400 ألف حاليا. 99 ألفا منها فقط مرخص. وقال إن تقنين أوضاع سائقيه يتطلب فحص السجل الأمني لهم. على ألا تقل أعمارهم عن 18 عاما وأن يخضعوا لتحاليل المخدرات.

وأشار “صبري” إلى أن هذه المركبة أسهمت في توفير فرص عمل وفتح باب رزق لملايين الأسر نظرًا لأنها قد يعمل عليه 3 أفراد. وأن البعض يستخدمها لزيادة دخله.

وأوضح أن تسجيل المركبة يوفر حصرا كاملا ببيانات ملاكها. كما أنه يوفر مميزات بينها التأمين الصحي مقابل مبلغ زهيد. وحصول صاحب المركبة على معاش. وأكد أن رسوم ترخيص المركبة ضمن المبادرة الجديدة ستكون أقل من المقررة حاليًا. وذلك لتحفيز الملاك على اتخاذ هذه الخطوة. وأوضح أن وزارة الداخلية ستحدد مهلة للترخيص ستتم مصادرة التكاتك المخالفة بعدها.

أسباب تزايد الظاهرة

تذهب الدكتورة الشيماء علي -رئيس قسم بحوث الاتصال الجماهيري والثقافة بمركز البحوث الجنائية- في بحث لها عن أبعاد انتشار التكاتك. وقالت إن من أهم أسباب انتشارها كونها نموذجا يقدم عملا سريع العائد لمن ليس لديهم فرصة عمل أخرى بنسبة 64% من العاملين على التكاتك. نظرا لأن سعر شرائه أقل بكثير من سعر المركبات الأخرى. كما يوفر الوقت لمستخدميه من الركاب بنسبة 78%. والبعض الآخر يعتمدون عليه لعدم وجود وسائل انتقال أخرى بنسبة 74.3%.

وأبانت الدراسة أن نسبة العاملين عليه هم دون السن القانونية 18 عام. وتبلغ نسبتهم 75%. وأن نسبة 68% من قائدي التكاتك بشكل عام ينتمون إلى أسر صغيرة ومتوسطة الدخل. وأن فرص العمل هذه أسهمت في رفع دخولهم بنسبة 42% بمتوسط دخل 2500 جنيه في الشهر.

التوك توك وعمالة الأطفال

وتشير الدراسة إلى أن تفاقم ظاهرة التكاتك يزيد من “عمالة الأطفال” دون السن القانونية. من هنا ظهرت مشكلات وسلبيات أخرى أهمها: سوء استخدام التكاتك كأداة فى يد بعض الأشخاص المنحرفين وذوىي السوابق والبلطجية.

وتسببت عمالة الأطفال بقيادة التكاتك في انتهاك قواعد المرور والسير في الاتجاه المعاكس. وتجاوز السرعات المحددة في الطرق السريعة. ما يؤدى إلى تشويه المشهد الحضاري للمدينة إضافة إلى المبالغة في الأجرة.

ومن بين المشكلات التي أبرزتها الدراسة لاستخدام التكاتك هي اقتحام المناطق السكنية والأحياء المختلفة. الأمر الذي يتسبب بدوره في كثير من المشكلات الاجتماعية وارتكاب الجرائم كالقتل والخطف والسرقة والتحرش. فضلاً عن أنه مصدر متجدد لتلوث الهواء وتدمير البيئة. لا سيما فى المناطق العشوائية التى تعاني مشكلات بيئية جمة.

أسباب اقتصادية

ويرى الدكتور إبراهيم البيومى -الباحث بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية- أن قضية انتشار التكاتك في مصر تمثل تحديًا بالغًا لمفهوم التنمية المستدامـة. نظرا لما يسببه من تلوث بيئىي تتفاقم أضراره الصحية الآنية والمستقبلية على البشر الذين هم هدف التنمية ووسيلتها. وأكد أنها قضية مجتمعية ليست بسيطة ولها أبعاد اجتماعية وجنائية وأن هناك مسؤولية اجتماعية وراء تفاقم هذه الظاهرة.

وقال إن انتشار التكاتك أحد مظاهر أزمات متداخلة ومتزامنة في أغلب بلدان العالم. وهي: أزمة سياسات النقل العامة وندرتها في بعض المناطق النائية والمتطرفة وانعدامها في بعض مناطق الريف والقرى وتوابعها. والتي استطاعت التكاتك ربط هذه المناطق بعواصمها من المدن.

ثانيا: أزمة هندسة الطرق وتصميم المدن وسياسات التحضر. تفاقم العشوائيات وارتفاع معدلات الفقر والبطالة والفئات المهمشة.

ثالثا: أزمة السلوكيات والتصرفات الاجتماعية السلبية التي تغذي هذه الظاهرة وتزيد ارتفاع معدلات استخدامه والاعتماد عليه في التنقل كوسيلة رئيسية.

حل أزمة التكاتك

ولتجنب بعض هذه السلبيات في استخدام التكاتك لجأت الدولة مؤخرا إلى بعض الوسائل للحد من الجرائم التي ترتكب تحت مظلة انتشار مركباته. منها تقنين أوضاعه وترخيصه. واتخذت الحكومة إجراءات على مدار السنوات الماضية للحد من انتشار الظاهرة. منها وقف استيراد قطع غيار التكاتك طبقا للقرار الوزاري رقم 105 لسنة عام 2014 ثم تبعه قرار وقف تراخيصه في 2018.

وأصدر مجلس الوزراء القرار رقم 533 لسنة 2021 بإحلال وتجديد المركبة واستبدالها بسيارة “ميني ڤان” تعمل بالغاز الطبيعي كإحدى آليات الحد من انتشاره وتقنين أوضاعه في إطار خطة الدولة لتطوير منظومة وسائل النقل وإتاحة مركبات آمنة.

وتذهب الدكتورة الشيماء علي إلى أن 76% من مستخدمي التكاتك في الدراسة يرون أن الأفضل هو استمراره مع وضع إجراءات أكثر أمانا معه لتقليل نسبة الحوادث.

ومن بين هذه الإجراءات منع قيادة الأطفال وعمل قاعدة بيانات لهذه المركبات وربطها بأجهزة الدولة عن طريق ترخيص التكاتك.

وتستطيع من خلال هذه القاعدة متابعة المركبة والتعرف على من يقودها حال ارتكابهم مخالفات أو جرائم.

وأيضا توقيع الكشف الطبي على سائقي التكاتك للتأكد من عدم تعاطيهم المخدرات. كذلك قصر استخدامه على المناطق النائية بالقرى والريف وعلى أطراف المدن التي لا يتوافر بها وسائل مواصلات وتحديد خطوط سير له بالمدن والمناطق المخططة حضاريا. بالإضافة إلى تقديم قروض ميسرة ومساعدات مالية حكومية لتشجيع سائقيه على الاستبدال للحصول على “ميني فان”. وأخيرا الإسراع في إخضاع التكاتك للتنظيم القانوني وربط أصحابه بمنظومة التأمين الصحي والاجتماعي وتوفير ضمانات وتقديم محفزات للتشجيع على تسجيل المركبات.