أثار عرض مقدم من بنك أبوظبي الأول الإماراتي لشراء المجموعة المالية “هيرمس” جدلا  في سوق المال المصرية. فضلا عن مخاوف غير معتادة من المحللين والسماسرة الذين دائما ما شجعوا تلك النوعية من الصفقات.

تأسست هيرمس كشركة مساهمة مصرية في الأول من يناير 1984م. تم إدراجها في البورصة المصرية في 10 فبراير عام 1999م. وتعتبر أكبر بنك استثمار غير مصرفي بمصر والأكثر شهرة في المنطقة العربية بكاملها.

يبلغ رأس المال السوقي للشركة 10.6 مليار جنيه. وتقدم الخدمات المالية والاستثمارية المتمثلة في الوساطة بالأوراق المالية وإدارة الأصول والاستثمار المباشر والبحوث والتمويل الاستهلاكي والتمويل العقاري والتمويل متناهي الصغر والتخصيم والتأجير التمويلي والتأمين والمدفوعات الرقمية.

وأعلنت الهيئة العامة للرقابة المالية المصرية رغبة بنك أبوظبي الأول في تقديم عرض شراء إجباري للاستحواذ على نسبة أغلبية لا تقل عن 51% من أسهم رأس مال المجموعة. وذلك بقيمة 1.2 مليار دولار. بما يعادل 19 جنيها للسهم الواحد.

صحيح أن العرض الإماراتي أكبر من سعر تداول السهم في السوق. والذي كان يدور في فلك 15 جنيها. لكن محللين يؤكدون أن أسهم البورصة المصرية تتداول عند مستويات أقل بكثير من سعرها العادل. وأن هيرمس تحديدا لها اعتبارات خاصة لا يجب أن تتم إدارتها من قبل مستثمر أجنبي. بمعنى آخر لا يجب أن يملك حصة حاكمة فيها تمنحه الكلمة العليا في الإدارة.

هيرمس أكبر من مجرد سهم

يتساءل المحلل المالي أحمد العطيفي: هل “هيرمس” مجرد سهم أم تمثل جزءا من الأمن القومى المصرى؟. مطالبا بمراجعة استثمارات هيرمس في مصر والعالم للإجابة عن ذلك السؤال.

وقد أنهت “هيرمس” قبل أسابيع صفقة الاستحواذ على 51% من بنك الاستثمار العربي. ما يحولها إلى بنك شامل في السوق المصرية على الصعيدين المصرفي وغير المصرفي. وبالتعاون مع صندوق مصر للخدمات المالية التابع لصندوق مصر السيادي الذي استحوذ على 25% من أسهم البنك (الاستثمار العربي).

يؤكد “العطيفي” عدم اقتناعه بقيمة العرض المقدم من البنك الإماراتي وعدم اقتناعه بفكرة البيع من الأصل لكيانات غير وطنية حتى لو كانت مصدرا لعملة أجنبية.

تتولى الشركة حاليا إتمام تجهيز بنك القاهرة -ثالث أكبر بنك حكومي- للطرح في البورصة خلال العام الجاري. وتقوم بدور المستشار المالي لطرحه في البورصة المصرية بعد استيفاء الموافقات اللازمة من لجنة الطروحات الحكومية والبنك المركزى المصرى وكذلك بنك مصر.

يعيد محمد جاب الله -محلل أسواق المال- تأكيد أن “هيرمس” ليست مجرد شركة أوراق مالية. ولكنها صرح كبير وقديم له باع طويل في السوق المصرية ولا يجوز التفريط فيه حتى وإن كان المشتري دولة عربية.

يضيف أن المشتري يجب أن يكون “وطنيا” بصرف النظر عن أن قيمة الصفقة تعطي قبلة حياة للبورصة المصرية وتنعش التداولات. مرجحا أن يظهر مشتر قومي ينافس على السعر في ظل تدني أسعار الأسهم عن القيم العادلة.

الفرصة سانحة أمام ساويرس.. فهل يغتنمها؟

لا يشير الخبراء إلى الاسم الذي يقصدونه بالمشتري الوطني. لكن يظهر في الصورة الملياردير المصري ورئيس شركة أوراسكوم للاستثمار القابضة -نجيب ساويرس. الذي لديه رغبة ملحة في الحصول على رخصة لإنشاء بنك بمصر منذ عقود.

حاول “ساويرس” إتمام صفقة استحواذه على شركة “سي آي كابيتال” القابضة من البنك التجاري الدولي عام 2016. ولم تتم الصفقة حينها لسبب غير معلوم  لكن رجل الأعمال قال إن البنك المركزي وراء رفضها.

وقال ساويرس -في كلمته بجلسة ريادة الأعمال والابتكار في منتدى شباب العالم نسخة 2017- إنه سعى بكل الطرق لفتح بنك خاص في مصر. لكنه يظن أن المسؤولين يرفضون إصدار رخصة لفرد. وحال دخوله هيرميس سيصبح ساويرس مالكا لبنك الاستثمار العربي وأحد أقطاب الخدمات المالية في مصر عموما.

ما يثير مخاوف المحللين من عرض هيرمس هو الكيان العملاق الذي يحاول بنك أبوظبى الأول تأسيسه بعد استحواذه أخيرا على بنك “عودة مصر” ودمج  أصولهما معا خلال عام 2022 الحالي.

عقب نقل أسهم “عودة” أصبح البنك الإماراتي أحد أكبر البنوك الدولية العاملة فى مصر من حيث الأصول بقيمة 130 مليار جنيه. وكذلك صاحب شبكة فروع ضخمة. وحال شراء هيرمس ستتم إضافة بنك الاستثمار العربي إليه أيضا.

أمام اعتراضات السعر أبدى بنك أبوظبى الأول اهتمامه بحسمها وأنها ضمن أولوياته في العام الجديد. مبديا الاستعداد لرفع السعر بقيمة أعلى بعد إجراء الفحص النافي للجهالة. والذي يتيح فحص جميع المعلومات المتعلقة بهيرمس وكبار عملائها وأصولها واستثماراتها.

مجلس إدارة “هيرمس” قرر هو الآخر تعيين مستشار مالي دولي وآخر قانوني محلي لتقديم المشورة بشأن العرض لشراء حصة الأغلبية في المجموعة.

هيرمس والسعر العادل

هاني توفيق -الخبير الاقتصادي- يقول إن الاستثمار الأجنبي الحقيقى مرحب به طبعا لكن بالسعر العادل. مطالبا برفع قيمة السهم إلى 25 جنيها لإغراء حملة الأسهم من صغار المستثمرين لأن السعر المعروض قريب من سعر السوق.

وطالب “توفيق” أيضا باتفاق مسبق مع المؤسسات الرئيسية المالكة لـ35% من الأسهم حالياً. وغير ذلك لا يمكن إتمام الصفقة. فالإدارة الحالية قادرة على التوسع والنمو، ولديها ملاءة مالية وخطة توسعية أفقية بالانتشار الجغرافي ورأسية بمنتجات وأنشطة. لجعل قيمة الشركة في مكان آخر تماما وأبعد بكثير عن الـ19 جنيها للسهم.

توجد مشكلة تواجه الصفقة تتمثل في عدم وجود حصة حاكمة في هيرمس تسهل البيع. فغالبية أسهمها حرة التداول ومع مستثمرين مختلفين يصعب إقناعهم بسهولة.

تمتلك “دي إف المحدودة” نحو 12.26% من الأسهم. و”آر إيه مينا” القابضة بنسبة 11.69%. وبنك أوف نيويورك ميلتون بنسبة 8.6% و”ريمكو للاستثمار” بنسبة 9.33% ونظام الإثابة وتحفيز العاملين لهيرمس بنسبة 5.2٪. وكل تلك الكيانات تمثل جميعا مجموع 47.10% من إجمالي الأسهم والباقي 52.9% أسهم حرة مملوكة لمستثمرين لا تزيد نسبة أي منهم على 5٪.