عزف المصريون لعقود طويلة عن تسجيل العقارات بمصلحة الشهر العقاري. ذلك بسبب بطء الإجراءات والرسوم المرتفعة وتعقيد الإجراءات. التي كانت تصل في بعض الأحيان لعدة سنوات. إذ كانوا يكتفون بالعقود النهائية المحررة بين المنتفع بالوحدة السكنية أو دعاوى صحة التوقيع فقط.

تراهن الحكومة على تعديلات مجلس النواب الأخيرة على قانون الشهر العقاري في تحريك المياه الراكدة. ويتضمن إغراءات لتسجيل العقارات، بتقليص البت في طلب التسجيل إلى 30 يومًا. ذلك بعدما كانت تصل إلى سنتين في غالبية الأحوال، وأحيانًا إلى 5 سنوات.

التسهيلات التي تضمنها التعديل الجديد شملت: تقديم طلب التسجيل إلكترونيًا. بالإضافة إلى التقديم الورقي. مع وجود الطرفين عند إتمام التسجيل النهائي. فضلًا عن عدم اشتراط تسلسل الملكية كشرط للتسجيل. وهي مشكلة عانت منها الوحدات التي تناقلت بين ملاك متعددين.

تتضمن التعديلات أيضًا: تسجيل الحيازة الطويلة المكسبة للملكية من وضع اليد لمدة 15 عامًا. ذلك بشرط أن تكون مستقرة دون نزاعات. مع وجود إيصال مرافق يثبت ذلك. وكذلك إثبات الحيازة القصيرة للعقارات المستندة إلى عقد عرفي أو ابتدائي لمدة خمسة أعوام. على أن يشترط وجود إيصال مرافق، والعنوان في البطاقة الشخصية باسم الشخص صاحب العقد.

هذه التعديلات الجديدة اختصرت البيانات والمستندات المطلوبة للتسجيل لتتضمن البيانات الدالة على شخصية كل طرف وصفته وسلطته. على أن يستثنى من ذلك الصادر بشأنهم الأحكام النهائية المطلوب شهرها. وأيضًا خريطة رسمية رقمية مبين بها بيانات وإحداثيات العقار أو الوحدة محل التسجيل أو أي مستند رسمي آخر يحمل ذات البيانات (ليس شرط من هيئة المساحة ممكن من خريطة رقمية من جوجل). بالإضافة إلى السند القانوني لطلب التسجيل (العقد)، وإقرار من صاحب الشأن بالحقوق المقررة على العقار محل التسجيل.

مكاسب حكومية من تشجيع تسجيل العقارات

التعديلات تحقق للحكومة الكثير من الأهداف؛ أولها تشجيع التسجيل العقاري. وهو أمر من شأنه تعزيز موارد الدولة. فعدد العقارات المسجلة لا يتجاوز ما بين 5 و15%. وبالتالي توجد ملايين العقارات غير المسجلة.

وبوجد تضارب حول نسبة العقارات غير المسجلة في مصر. فوزارة العدل تقدرها بنحو 90% من إجمالي الوحدات. بينما الشهر العقاري يقول إنها حوالي 95%. ويؤكد مجلس الوزراء أنها تتجاوز 85%. فيما المتوسط بين تلك النسب يقدرها بنحو 10%.

وقد ألغت الدولة دعاوى صحة التوقيع التي كانت تستبدل بعمليات التسجيل. وأصبحت رسوم الشهر العقاري عند 500 جنيه للمساحة التي تقل عن 100 متر، وألف جنيه للزائد عن 200 متر، و1500 جنيه للمساحة التي تقل عن 300 متر. فيما تصل الرسوم لما يزيد عن 300 متر أيًا كانت المساحة إلى 2000 جنيه.

قيمة تسجيل العقارات قد تتراوح بين 11 و46 مليار جنيه

بحسبة بسيطة، فإن تسجيل جميع العقارات غير المسجلة في مصر توفر للدولة مبالغ تتراوح بين 11.5 و46 مليار جنيه. وذلك المبلغ محسوب على العقار وليس على الوحدات السكنية. أو بمعنى أخر يتعامل مع العقار كله كما لو كان وحدة سكنية واحدة.

وتشير التقديرات إلى أن العقارات غير المسجلة في مصر لا تقل عن 23 مليون عقار. والعقار لا يقل عن 5 وحدات سكنية. 

فصلت التعديلات الجديدة بين أداء ضريبة التصرفات العقارية والتسجيل. والبند الأخير كان من المتوقع أن يمثل عائقًا في العقود التي تم توقيعها بعد عام. وقد فرضت وزارة المالية ضريبة مقطوعة على العقود التي تمت قبل العمل بالقانون رقم 11 لسنة 2013. بحيث يدفعها البائع الأخير فقط مهما تعددت عقود تسلسل الملكية.

إذا كانت قيمة العقد المحرر قبل 19 مايو 2013 نحو 250 ألف جنيه تكون قيمة الضريبة 1500 جنيه. وإذا كانت قيمة العقد أكثر من 250 ألف جنيه حتى 500 ألف جنيه، تكون قيمة الضريبة 2000 جنيه. بينما إذا كانت قيمة العقد أكثر من 500 ألف جنيه وحتى مليون جنيه، تكون قيمة الضريبة 3 آلاف جنيه. في حين إن كانت قيمة العقد أكثر من مليون جنيه، تكون الضريبة 4 آلاف جنيه، ودون غرامات تأخير.

وبالنسبة للعقود التي تمت قبل العمل بالقانون رقم 11 لسنة 2013، فسيدفعها البائع الأخير فقط. ذلك مهما تعددت عقود تسلسل الملكية. وأيضًا دون غرامات تأخير بنسبة 2.5% دون حد أقصى من قيمة التصرفات العقارية. سواءً كان هذا التصرف في العقارات المبينة أو الأراضي للبناء.

تسجيل العقارات يعزز الحصيلة الضريبية

يعزز التسجيل الحصيلة السنوية للضرائب العقارية أيضًا. فبسبب عدم التسجيل لا تستطيع المصلحة حصر من يملكون أكثر من وحدة سكنية.

ينص القانون على إعفاء الوحدة العقارية التي يتخذها المكلف بالضريبة سكنًا خاصًا له ولأسرته. على أن تعادل قيمتها السوقية 2 مليون جنيه. بينما يخضع للضريبة ما زاد على ذلك. وتشمل الأسرة هنا المُكلَف بأداء الضريبة وزوجته وأولاده القصر.

عزوف المواطنين عن التسجيل سابقًا ارتبط بالرسوم وطول الإجراءات ووجود بدائل. وقد قال المستشار عمر مروان، وزير العدل، قال إن مشكلة التسجيل في الإجراءات وليس الرسوم. وأكد أن الإجراءات اتسمت سابقًا بالتكرار والعقم.

التسجيل في الماضي، كان يتم قضائيًا إلى جانب الشهر العقاري. وذلك بالعديد من الإجراءات في مدة تصل إلى العام للحصول على الحكم عند رفع القضية. وبعدها تتم إعادة نفس الإجراءات بعد التوجه للشهر العقاري وتستغرق عامًا آخر.

عزوف المواطنين بسبب قيمة رسوم التسجيل

النائب أمين مسعود، عضو لجنة الإسكان والمرافق بمجلس النواب، اكتفى بالتأكيد على أن قيمة الرسوم بالشهر العقاري كانت السبب الرئيسي لهروب المواطنين من التعامل مع الشهر العقاري. وبالتالي تم التفكير في خفض الرسوم من جانب الحكومة. بما يساهم في حصر الثروة العقارية وزيادة موارد الدولة.

مسعود يؤكد أن تسجيل العقارات بالشهر العقاري، حق شرعي للدولة. بينما يشير إلى التعديلات الجديدة بأنها تسهم في وضع سجل دقيق وحصر شامل للثروة العقارية. كما تفيد المواطن في وجود ملكية موثقة ومسجلة بالشهر العقاري. ما يضمن عدم الاعتداء على حقوقه.

ويؤكد الخبير العقاري عبدالمجيد جادو تلك النقطة. يقول إن أحد أهم عناصر صناعة العقارات هي التداول بيسر دون الإخلال بحقوق الملكية. وهي نقطة يتم تحقيقها عبر التسجيل العقاري الذي يسمح للشخص بسهولة البيع والشراء وفقًا لاحتياجاته بإجراءات ميسرة.

يوضح جادو أن الشخص المتزوج حديثًا يمكنه الإقامة في وحدة 65 مترًا فقط. ومن ثم بيعها وشراء وحدة أكبر، حينما يتزايد عدد أفراد أسرته. لكن الإشكالية التي كانت تواجهه تتمثل في عدم القدرة على البيع لغياب تسجيل العقار. وهي تمنعه أيضًا من التعامل مع التمويل العقاري. بينما التسجيل يحفظ حق الملكية ويحقق سهولة التداول.

وقد وضع القانون عقوبات مشددة حال تقديم أوراق مزورة، بغرض الحصول من خلالها على التسجيل. مع إعطاء رئيس مأمورية الشهر العقاري أو أمين المكتب الضبطية القضائية لضبط تلك المحررات. وتصل العقوبة في القانون إلى الحبس سنة وغرامة 50 ألف جنيه.

يضيف جادو أن الرسوم المرتفعة والإجراءات المعقدة كانت الحائل في التسجيل العقاري من قبل الملايين. خاصة أن قيمتها الإجمالية كانت تصل إلى 8% من قيمة الوحدة السكنية. وأنه لتشجيع المواطنين على التعامل مع الشهر العقاري كان لابد من النظر في تلك الإجراءات المعقدة والطويلة.

نظام تسجيل العقارات القديم: الدفع لـ 6 جهات

النظام القديم للتسجيل اعتمد على طريق قضائي ثم الشهر العقاري. ما كان يتطلب دفع رسوم لـ 6 جهات دفعة واحدة. وهي: الشهر العقاري، ونقابة المحامين، ورسم ضريبة تصرفات، ورسم المساحة، ورسم دعوى صحة ونفاذ، ورسم الأمانة القضائية. وكان ملزمًا بـ 2.5% ضريبة تصرفات و1% لنقابة المحامين و4.5% مصروفات الأمانة القضائية. بالإضافة إلى مصروفات المساحة وقيمة ورقة العقد الخاصة بالعقار.

ووفقًا لخبراء، فإن النظام التسجيل الجديد يلغي التعسف الذي كان يتم من قبل هيئة المساحة، بعدما اشترطت التعديلات خريطة رقمية يمكن التقاطها من موقع جوجل الخرائط، وليس خريطة مفصلة من قبل هيئة المساحة، التي كانت تكبد الراغب في التسجيل مبالغ مرتفعة.

يقول جادو إن تنظيم سوق العقار من شأنه أن يخلق حالة من انتعاش المبيعات في السوق مع وجود بعض العملاء المتحفظين على الاستثمار به بسبب طول الإجراءات القانونية التي تضمن حقوقهم، وصعوبة تداوله وتسييل الأموال حال الاحتياج لسيولة سريعة.

لا يتضمن التعديل الجديد إجبار لصاحب العقار على التسجيل طالما لديه المرافق. لكنه سيواجه مشكلة زمنية حال رغبته في هدم أو البيع أو التنازل للغير. ذلك إلى جانب عدم القدرة على الحصول على قروض بضمان الوحدة السكنية لفتح مشروع أو غيرها أو بمعنى آخر تصبح وحدته رغم ملكيتها له كيان غير شرعي.

تعديلات تنعش التمويل العقاري

من المتوقع أن تنعش التعديلات الجديدة سوق التمويل العقاري للوحدات القديمة. فالبنوك أحجمت على مدار سنوات في التطبيق القوى لمبادرة على الشقق القديمة بسبب غياب الأراضي والوحدات المسجلة. وهو شرط أساسي لمنح التمويل.

وقد أطلق البنك المركزي المصري مبادرة تمويل جديدة بفائدة 3% في 13 يوليو الماضي 2021. لكن البنوك فضلت التعامل فقط مع وحدات وزارة الإسكان بسبب التسجيل. والتعديلات الجديدة من المقرر أن تنعش تلك النوعية من الوحدات، لتميزها بالقرب من القاهرة عن المشروعات الجديدة.

محمد هاني، صاحب مكتب تسويق عقاري، يقول إن مبادرة التمويل العقاري بفائدة 3% لم تنتفع منها سوى المشروعات الحكومية فقط. فشركات القطاع الخاص في كثير من الأقاليم لم تسجل قطعة الأرض التي بنت عليها المشروع من الأساس ولا تتجاوب مع العملاء الراغبين في إدخال وحدات بمشروعتها ضمن المبادرة.

يقول هاني إن الأشخاص الراغبين في الشراء بقلب المدن واجهوا مشكلة أيضًا. فالوحدات غالبيتها غير مسجل أو لديها مشكلات مزمنة في تسلسل الملكية لوجود ملاك ضمن السلسلة توفوا منذ سنوات. بينما التعديلات الجديد من المتوقع أن تنعش مبيعات الوحدات القديمة.

كانت العقود التي كانت تتم بنظام الدفعات مشكلة أيضًا. فالمالك لا يريد التسجيل إلا بعدما يحصل على جميع الأقساط من المشتري، وأحيانًا لا يريد التسجيل له حتى لا يتحمل دفع أي مبالغ مالية أو يشترط مسبقًا على المشتري. وهي مشكلة لابد من حلها حتى في التعديلات الجديدة.

بحسب وزير العدل، فإن تعديلات قانون الشهر العقاري الجديدة لن تطبق فور نشرها في الجريدة الرسمية. بل سيتم منح فرصة للمواطنين للتعرف على شهرين من نشرها في الجريدة الرسمية.

يضيف السمسار أن التوقيت جاء جيدًا. فتعديلات قانون الإيجار القديم من المتوقع أن تخلق طلبًا على الوحدات السكنية. وكان يجب تنظيم السوق لمنع تعرض الأشخاص للنصف أو وجود أكثر من حائز للوحدة السكنية الواحدة.

دعم صناعة التصدير

ظل التسجيل عقبة أيضًا أمام مساعي الدولة لإنعاش صناعة تصدير العقار (بيع العقار المحلي للأجانب). خاصة أن ما يصدره العالم بلغ 400 مليار دولار من العقارات نصيب مصر منها 500 مليون دولار. فالمستثمر الأجنبي يريد عقار مسجل خال من المشكلات وصيغة قانونية سليمة 100%.

توجد العديد من الدول حاليًا التي تطبق عملية تسجيل العقار للمشترى خلال 48 ساعة. وهو ما ساعدها في إحداث توسعات في عملية تصدير عقاراتها، خاصة تركيا والإمارات اللتان تنقلات نموذجًا عالميًا في ذلك المجال.

وشهد العام الماضي بيع 68 ألفًا و600 عقار للأجانب في تركيا، منها 64 ألفا و500 مسكن، وحوالي 4 آلاف قطعة أرض، بقيمة تقدر بـ40 مليار ليرة، بحسب الإدارة العامة للسجل العقاري التركي.

المهندس خالد عباس، نائب وزير الإسكان للمشروعات القومية، أكد في مؤتمر اقتصادي قبل شهور، أن الوزارة لديها خطة واضحة للمساهمة في تصدير العقار للخارج بمساعدة المطورين العقاريين، وتحقيق مبيعات للأجانب تتراوح بين 150 مليار جنيه و200 مليار جنيه خلال خمس سنوات.

وواجه تصدير العقار مشكلة في كون معظم الوحدات المباعة من شركات التطوير العقاري تباع نصف تشطيب. وهو ما لا يلبي احتياجات الأجانب، وحال رغبتهم في شراء بمناطق قديمة يفاجأ بالعقود الأولية لتي لا يعترف بها، فمن غير المنطقي أن يشتري فيلا أو عقار سعره 15 مليون جنيه، وكل ما يحصل عليه مجرد “ورقة أو عقد مُلون”.

وقال طارق شكري رئيس غرفة التطوير العقاري، في جلسة لمجلس النواب أخيرًا، إن إجراءات تسجيل العقار كلما كانت سهلة وسريعة ونافذة كلما انتعش تصدير العقارـ أحد موارد العملة الصعبة الذي لا تبلغ حصة مصر من صناعته عالميا 1% رغم حجم التنمية العمرانية التي تضمها.

كان شكري قد طالب في تصريحات تليفزيونية بتخفيض ضريبة العقارية من 2.5% إلى 1% فقط، إلى جانب وجود آليات ضامنة لسهولة الإجراءات والتطبيق على أرض الواقع حتي لا يكون التغيير ظاهريًا فقط، مع تطوير أداء موظفي الشهر العقاري حتى يكونوا قادرين على التطبيق والتعامل مع الرقمنة والتسجيل الإلكتروني.