حسب دستور 2014، فإن عام 2022 كان المفترض فيه أن تنتهي الولاية الثانية لرئيس الجمهورية الحالي، وينتهي معها عهده الذي كان فترتين كل فترة أربع سنوات ويكون مجموعهما ثماني سنوات، فلم يكن له حق الترشح لفترة ثالثة. ومن ثم، فإن هذا كان يعني -بالبداهة- أن مصر كانت مقبلة على تغييرات سياسية كبرى في عام 2022، حيث يتم انتخاب رئيس جديد، ويبدأ معه عهد جديد ربما يختلف وربما يتفق في قليل أو كثير مع الرئيس الحالي لكنه -في كل الأحوال- سيكون عهدا جديدا برئيس جديد ورجال جدد ومؤسسات جديدة.

كان نص المادة 140 من دستور 2014م يقول: “يُنتخَب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة”.

لكن حسب التعديلات الدستورية التي جرت في ربيع 2019، فإن فترة الرئيس تضاعفت من ثماني سنوات إلى ستة عشر عاما، فبدلا من أن ينتهي عهده في منتصف عام 2022، فإنه سوف ينتهي في 2030، وذلك ما لم تتم تعديلات دستورية أخرى تسمح بتمديد العهد إلى ما بعد 2030، علما أن السنوات الثماني التي تمت إضافتها عبارة عن عامين تم إلحاقهما بالفترة الحالية، ثم ست سنوات تمثل فترة ثالثة يجوز للرئيس الترشح لها.

بعد تعديلات 2019 أصبح نص المادة 140 كالتالي: “يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين رئاسيتين متتاليتين.

ثم أُضيقت المادة 141 مكرر وهي التي منحت الرئيس الحالي سنتين على فترته الثانية وكذلك هي التي سمحت له بالترشح لفترة ثالثة من ست سنوات ونص المادة يقول: “تنتهي مدة رئيس الجمهورية الحالي بانقضاء ست سنوات من تاريخ إعلان انتخابه رئيسا للجمهورية في 2018، ويجوز إعادة انتخابه لمرة تالية”.

**************

مُجمل التعديلات الدستورية التي جرت في عام 2019 أسست لحقبة جديدة من أحقاب النظام الجمهوري، هذه الحقبة الجديدة تشترك مع ما سبقها في بعض الخصائص العامة وتختلف عنها في خصائص أخرى.

أما الخصائص المشتركة فتدور حول فكرة أن رئيس الجمهورية له الحق في السيطرة الكاملة على كافة السلطات وعلى كافة المؤسسات، ثم يكون له الحق أن يحكم طوال حياته، ففكرة الخروج من السلطة غير واردة، وفكرة التداول السلمي عليها غير واردة، وفكرة تسليمها لرئيس بعده يختاره الشعب في انتخابات حرة غير واردة، ولا يختلف في ذلك رئيس عن رئيس، فلولا الموت لبقي الرئيس جمال عبدالناصر إلى آخر يوم في حياته، ولولا الاغتيال لبقي الرئيس السادات كذلك، ولولا ظهور النجل والحديث عن التوريث لما تخلى الجيش عن حماية الرئيس مبارك ولبقي في موقعه إلى آخر يوم في حياته، هذا هو التقليد المستقر والمشترك في كافة أحقاب النظام الجمهوري: استحواذ الرئيس على كافة السلطات ثم البقاء في موقعه مدى الحياة.

أما الخصائص الجديدة التي تنفرد وتمتاز بها الحقبة الجديدة فهي الزيادة الواضحة في جرعة العسكرة وقد وصلت الجرعة ذروتها في تعديل المادة 200 من الدستور والتي أضافت للجيش -بصفة دستورية-  مهمات سياسية مباشرة وصريحة بصورة لم تحدث من قبل في أي حقبة من أحقاب النظام الجمهوري، حيث تنص المادة 200 بعد تعديلها في ربيع 2019 على أن من مهمات القوات المسلحة بعد حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها:

1- صون الدستور والديمقراطية.

2- الحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها.

3- الحفاظ على مكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد.

وهذه المهمات الملقاة على عاتق القوات المسلحة تتناقض -بجلاء ووضوح- مع طبيعة أي قوات مسلحة في أي دولة حديثة تقوم على توزيع الاختصاصات واحترام طبيعة المؤسسات.

**************

إذا كان لعام 2022 من ملامح تميزه عما سبقه من سنوات الحقبة الجديدة التي بدأت في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، فأهم هذه الملامح هو وصول الحقبة الجديدة إلى ذروة كمالها ونقطة تمامها وانتصارها الكامل على كل ما كان يواجهها من تحديات في الداخل ومن خصومات وتحالفات مضادة في الخارج، فهي تستقبل 2022 والشعب يسلم لها بذلك، لا فرق بين مؤيديها الذين كانت تراودهم الشكوك تجاه قدرتها على تجاوز ما يعترضها من عقبات، ولا معارضيها بمختلف اتجاهاتهم الذين لم يكونوا يتوقعون لها كل هذا الانتصار ولا كل هذا الاستمرار ولا كل هذا الاستقرار. لقد تجاوز النظام الجديد نقطة البداية وخلق واقعا جديدا وسحب الجميع -مؤيدين ومعارضين- إلى أرضه وملعبه، فسبق مؤيديه وطمأنهم إلى جدارته وقوته وصواب مسيرته واستمرار حمايته لمصالحهم، وفي الوقت ذاته دفع معارضيه إلى ساحة اليأس وفقدان الحيلة وتوهان البوصلة.

نجحت قسوة النظام على مدى السنوات من 2013 – 2022 في اجتثاث فكرة المعارضة المنظمة من جذورها، سواء كانت من داخل جهاز الدولة، أو كانت من القوى المدنية على اختلاف مشاربها، أو من القوى الدينية على اختلاف تياراتها، لقد وصل منسوب المعارضة إلى نقطة الصفر.

ثم نجحت سياسة النظام في امتصاص المناكفات الإقليمية والدولية التي كان يأتي بعضها من دولة قطر وقناتها الإعلامية وبعضها الآخر من تركيا وما يبث منها من قنوات موجهة للجمهور المصري، وقد تلاشت هذه وتلك، بعد المصالحة مع قطر ومد جسور التفاهم مع تركيا. لم يكن النظام يعيش دون صداع إقليمي ووجع دماغ من هنا وهناك مثلما هو في 2022، حيث وصل الصداع إلى نقطة الصفر ووصل وجع الدماغ إلى نقطة العدم.

**************

من زاوية النظام الحاكم ومؤيديه فإن 2022 هو عام الانتصار الكامل وبلوغ السيطرة ذروتها، ومن زاوية معارضيه فإن الأمر له قراءات عديدة، ذلك أنهم أطياف واسعة ومتعددة ومختلفة مع بعضها، وربما تكون اختلافات بعض المعارضين مع بعض المعارضين أشد وأقوى من اختلافات بعضهم مع نظام الحكم.

ما لا يختلف عليه معارض ولا مؤيد هو :

رقم واحد: أن النظام جلب استقرارا وأمنا في إقليم بات الاستقرار فيه مطلبا صعبا وبات الأمن فيه مطلبا عزيز المنال.

رقم اثنين: أن النظام ينفذ على أرض الواقع مشروعات عمرانية تقريبا في كل مكان تقع عليه عين المواطن.

رقم ثلاثة: أن النظام لديه تصور للحكم يتمسك به ويطبقه ويدافع عنه سواء في وجه منتقديه في الخارج أو معارضيه في الداخل.

رقم أربعة: أن النظام باتت لديه قاعدة اجتماعية من مؤيدين ومن منتفعين ومن كثيرين لا يجدون بديلا غيره.

رقم خمسة: أن النظام سبق كل الأنظمة السابقة عليه في أمرين: في توسعات السجون وفي استفحال أرقام الديون.

رقم ستة: أن النظام نجح في بسط مشاعر الخوف من نقد السلطة لدى عموم المصريين لا فرق في الخوف والسكوت بين النخب وعامة المواطنين.

رقم سبعة: أن النظام نجح في صرف أنظار الناس عن الخوض في القضايا الكبرى مثل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ومياه النيل والفساد والحقوق والحريات.

رقم ثمانية: أن النظام نجح في تركيز النقاش العام على القضايا الصغيرة  مثل فلانة رقصت وفلانة ماتت وفلان انتحر وفلان تزوج وعلانة رفعت قضية على ترتان وهكذا.

رقم تسعة: من غير الوارد في مثل هذا السياق أن يقدم النظام أي تنازلات عما يعتبرها ثوابته الأساسية وأهمها حتمية الحكم بالقبضة الحديدية.

رقم عشرة: رغم كل ماسبق، فإن الأوضاع الإقليمية المنهارة تجعل من النظام قصة نجاح تحتذى في شرق أوسط يتداعى وعالم عربي يتدهور كل يوم عن اليوم السابق.

**************

من زاوية الشعب، فإن التطبيع مع الأمر الواقع نصف الحكمة، انتظارا للحظة تتوفر وتنضج فيها شروط التغيير – هو نصفها الآخر.

من زاوية الحكم، من الصعب الجمع بين القوة والحكمة، ومن الأصعب التوفيق بين الانتصار والتواضع، وهذا هو مكمن الخطر.