نشرت مجلة “The Diplomat” مقالًا بعنوان “العملات المشفرة وتمويل الإرهاب في آسيا”، تناولت فيه قدرة العملات المشفرة على جذب الجماعات الإرهابية. ذلك عن طريق عمليات إدراج تجعلها بمثابة آلية إضافية لتمويل الأنشطة المحظورة. كما تطرق المقال إلى قصور دور المؤسسات المالية في الرقابة والتنظيم على المعاملات المالية التي تستخدم العملات المشفرة. فضلًا عن توسع نطاق النشاط الإرهابي نتيجة قدرة التنظيمات المتطرفة على الحصول على التمويل بتكلفة أقل -مستخدمة هذه الوسيلة- بعيدًا عن الآليات الرقابية.

79% ارتفاع في حجم تعامل الجماعات الإرهابية بالعملات المشفرة

ووفقًا لـ blockchain، فقد حققت الأنشطة الإجرامية معدلات قياسية باستخدام العملات المشفرة. وقد بلغ حجم معاملاتها ما قيمته 14 مليار دولار من العملات الرقمية في عام 2021، مسجلة ارتفاعًا من 7.8 مليار دولار في عام 2020، بنسبة 79%.

العملات المشفرة كواحدة من أحدث آليات تمويل الجماعات الإرهابية توفر مزايا لا تتمتع بها العملات التقليدية. لعل أبرز هذه المزايا إمكانية إخفاء هوية المستخدمين. وكذلك اتساع نطاق التداول مع مختلف الأفراد في مختلف أنحاء العالم. إضافة إلى صعوبة تعقب التعاملات باستخدام العملات المشفرة أو تحديد أطرافها.

وفي أغسطس 2020، أعلنت الولايات المتحدة أنها صادرت ملايين الدولارات عبر أكثر من 300 حساب عملة مشفرة مرتبطة بحماس والقاعدة وداعش.

وعلى الصعيد الآسيوي، رصد المعهد الفلبيني لأبحاث السلام والعنف والإرهاب (PIPTVR) في مايو 2020، أول معاملة عملة مشفرة على الإطلاق قامت بها جماعة أنصار الخلافة المرتبطة بداعش في الفلبين.

عوامل انتشار العملات المشفرة في فكر الجماعات الإرهابية:

قصور إجراءات تنظيم المعاملات بالعملات المشفرة

تشكل العملات المشفرة فضاءً جديدًا في المعاملات المالية. وهو ما ينعكس على قدرة الأجهزة التنظيمية والرقابية على تتبع واستكشاف مسار هذه التعاملات. وقد حاولت فرقة العمل المالية (FATF) أن تضع قواعد توجيهية لتنظيم عمليات نقل العملات المشفرة في عام 2020. وكان ذلك بغرض تأمين الأصول الافتراضية من غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. ولكن لا يوجد كثير من الدول تلتزم بهذه المبادئ، وعلى رأسها بالدول الآسيوية، على سبيل المثال، إندونيسيا، والفلبين. ما يكشف عن فجوات كبيرة في الإرادة السياسية لتتبع تدفقات هذه العملات.

غياب قواعد الحماية

في إندونيسيا على وجه الخصوص، تواجه العملة المشفرة خطر تحفيز زيادة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. ومع ذلك تظل الخطوات التي تحمي استخدام وملكية العملات الرقمية غائبة إلى حد كبير عن قوانين الأمن السيبراني الناشئة في البلاد.

اقرأ أيضًا: كيف ساهمت أسواق الفن في تهديد العالم بالجريمة والإرهاب؟

كذلك، أشار مجلس مكافحة غسل الأموال في الفلبين، في تقييمه لمخاطر تمويل الإرهاب لعام 2021، إلى معاملات العملة الافتراضية المشبوهة التي تبلغ قيمتها 1.77 مليون بيزو فلبيني بين عامي 2019 و2020. ومع ذلك لا تزال البلاد تسمح باستخدام العملة المشفرة كمناقصة قانونية. كما يتم صرفها كعملة ورقية من بنك الاتحاد الفلبيني.

توسيع قاعدة الاستقطاب من المجتمعات المحلية

تعتبر العملات المشفرة وسيلة ملائمة لتمويل الفروع المحلية للتنظيمات الإرهابية. ذلك بسبب القدرة على إخفاء هوية القائمين على التحويلات المالية. كما أنها توفر الوصول الأسهل للأذرع الإرهابية البعيدة عن مركزية التنظيم، كما في الفلبين وإندونيسيا. ولم يكن ذلك ليتحقق بسهولة عبر الآليات التقليدية للتحويل، بسبب المراقبة الدورية لتدفقات الأموال القادمة للعناصر الإرهابية. وبالتالي، فإن الاعتماد على العملات المشفرة يسمح للجماعات الإرهابية بإمكانية التوسع في المناطق المجاورة وتسهيل المزيد من مهام التجنيد، كما هو الأمر مع جماعة مجاهدي بنجلادش الجديدة (Neo-JMB).

السعي الدؤوب لتجاوز الميزة العسكرية للخصم

لجأت الجماعات الإرهابية إلى تجاوز ميزة خصمها من خلال التخلي عن الأساليب التقليدية لقياس النجاح العسكري من حيث استحداث آليات التكتيك والمهارات التقنية، لتجاوز شبكة دفاع الخصم، وتفكيك قيود الموارد، نظرًا لانخفاض تكاليف استخدام هذه العملات. ما يعني أن الحرب ستصبح أقل تكلفة. وبالتالي، توسع نطاق النشاط الحركي للتنظيمات المسلحة.

مصدر إضافي للتمويل

تعتبر العملات الرقمية وسيلة إضافية لآليات تمويل الجماعات الإرهابية تختلف قدرتها النسبية على تحقيق أكبر قدر من المكاسب باختلاف طبيعة المجتمع.

على سبيل المثال، في أفريقيا، تنشط الجماعات الإرهابية في حقول الغاز والنفط والموارد الاستخراجية. وأخيرًا، توسعت في أنشطة الخطف الجماعي والقرصنة وسرقة الماشية. وفي الدول التي تنخفض بها القدرات الرقابية للتدفقات المالية الرقمية، من المتوقع ان تحتل العملات الرقمية أولوية كبيرة لدى آليات التمويل الخاصة بالجماعات الإرهابية.

بناءً على ما تقدم، فإن العملات المشفرة تمثل ثورة جديدة تضاف إلى آليات الإرهاب الرقمي، لما قدمته من حلول لمواجهة إشكاليات وسائل التمويل التقليدية، وقدرتها على تحدي سلطة البنوك المركزية باستخدام هويات مزيفة. وبالتالي تواجه الحكومات خاصة في نطاق دول الشرق الأوسط أزمات مركبة تتعلق بمشروعية استخدام العملات المشفرة. إضافة إلى تحدي تطور تقنيات الإرهاب الرقمي بخطوات سريعة تفوق إمكانات الدول فيما يخص البنية التحتية الرقمية، والحاجة إلى التشريعات اللازمة للحد من الأنشطة الإرهابية، ووضع آليات الرقابة على النشاط الرقمي.