أتاح اتفاق إبراهيم بين دولة الإمارات العربية وإسرائيل العديد من المميزات للقوة الإقليمية الصاعدة. كذلك ساعد في جعل دولة الاحتلال طرفًا غير مباشر في بعض عمليات التفاوض -وأحيانًا الضغط- للحصول على معدات عسكرية. لم يكن مسموحًا في المنطقة الحصول عليها سوى لإسرائيل.
في تحليله المختصر “تفريغ مفاوضات F-35 الإماراتية”، يرى جرانت روملي، وهو زميل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، ومستشار سابق لسياسة الشرق الأوسط في مكتب وزير الدفاع الأمريكي. أن الولايات المتحدة تواجه تحديات كبيرة في عالم انتهت فيه كقطب أوحد، بعد عودة قوى عظمى للساحة، خاصة الصين. لذلك “يجب على واشنطن أن تزن رغبتها في الحفاظ على شراكة أمنية وثيقة مع الإمارات. في مقابل العلاقات المتنامية لأبو ظبي مع الصين”، كما يقول.
الإمارات وثمرة اتفاق إبراهيم
أفادت تقارير في ديسمبر / كانون الأول، الماضي، أن الإمارات كانت تعلق المحادثات بشأن بيع أسلحة بقيمة 23 مليار دولار مع الولايات المتحدة. بعد التفاوض في الأيام الأخيرة لإدارة ترامب، شملت الصفقة ما يصل إلى خمسين طائرة مقاتلة من طراز F-35، وثمانية عشر طائرة بدون طيار من طراز MQ-9 Reaper، وحوالي 10 مليارات دولار من الذخائر المتقدمة. في حال إتمام الصفقة، ستصبح الإمارات أول دولة عربية في الشرق الأوسط تستخدم هذه الطرازات من الطائرات.
يقول روملي: جاء البيع في أعقاب اتفاقات إبراهيم، اتفاقية التطبيع الإماراتية مع إسرائيل. عند توليه منصبه، راجعت إدارة بايدن الصفقة، ثم أعلنت في أبريل الماضي أنها ستستمر. مؤخرًا، في نوفمبر/تشرين الثاني، كرر مسؤول كبير أن الولايات المتحدة لا تزال “ملتزمة تمامًا” بالصفقة.
ومع ذلك، حذر مسؤولو الإدارة باستمرار من أنها “لم تكن صفقة منتهية”. كما أشار المسؤولون الإماراتيون علنًا وسرًا، إلى أن الانهيار الحالي في المحادثات نابع من “المتطلبات الفنية” و “القيود التشغيلية السيادية”، والتي لن يكون من السهل التغلب على أي منها.
مخاوف الولايات المتحدة وتواجد الصين
من الناحية القانونية، يُحظر على مبيعات الأسلحة الأمريكية المحتملة إلى دول الشرق الأوسط تضمين أي مواد يمكن أن تقوض التفوق العسكري النوعي لإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، ينص قانون مراقبة تصدير الأسلحة على أنه يجوز للمشترين المحتملين استخدام هذه العناصر “لأغراض محددة فقط”. بما في ذلك الأمن الداخلي، والدفاع المشروع عن النفس، والمشاركة في التدابير الجماعية التي تطلبها الأمم المتحدة أو المنظمات المماثلة.
تضيف هذه القيود طبقة من التعقيد إلى كل صفقة أسلحة مع شركاء الولايات المتحدة في المنطقة. لكنها شائكة -بشكل خاص- في هذه الحالة، نظرًا لقدرات F-35 التي لا مثيل لها. يأتي ذلك وسط “تاريخ حديث للإمارات في التدخلات الأجنبية في اليمن وليبيا والصومال”، وفق المستشار السابق في وزارة الدفاع الأمريكية.
يُضيف روملي: طغت المخاوف الأمريكية المتزايدة بشأن علاقة أبو ظبي الوثيقة بشكل متزايد بالصين على هذا البيع. من منظور تقني، فإن مسؤولي الدفاع حذرون للغاية بشأن قدرات التخفي الخاصة بالطائرة F-35، وتكنولوجيا الاستشعار، والميزات الأخرى التي تجعلها جوهرة تاج القوة الجوية الأمريكية.
هنا، يضرب روملي مثلًا بطرد تركيا من برنامج F-35 لاستلامها نظام الدفاع الجوي الروسي S-400، والذي تم تصميمه جزئيًا لهزيمة طائرات مثل هذه.
كذلك، حذر المسؤولون الأمريكيون مرارًا وتكرارًا من أن شبكة الهاتف المحمول 5G -التي تسيطر عليها هواوي- تكمن بالقرب من قواعد F-35 ومناطق التشغيل. هكذا يمكن يمكن استخدامها لتتبع وجمع المعلومات الاستخبارية بشكل سلبي على الطائرات والمشغلين دون علم الدولة المضيفة.
بسبب الضغط الأمريكي، حظرت بريطانيا -الشريك الرئيسي في برنامج F-35- شركة هواوي من شبكات 5G. قام شركاء آخرون إما بسنّ سياسات تقييدية مماثلة، أو اختيار موفري الخدمة نفسها من البدلاء. الاستثناء الوحيد هو كوريا الجنوبية، التي يرتبط اقتصادها وقطاع الاتصالات بها ارتباطًا وثيقًا بالصين. لدرجة أن الفصل التام للمخاوف الأمنية غير ممكن إلى حد كبير. من أمثلة هذا الارتباط، أدى نشر نظام دفاع جوي أمريكي في كوريا الجنوبية في عام 2017 إلى مقاطعة السياحة الصينية. الأمر الذي كلف كوريا الجنوبية ما يقدر بنحو 5.1 مليار دولار من العائدات المفقودة.
في حالة الإمارات، وقع المسؤولون اتفاقية في عام 2019 لشركة هواوي لتزويد البنية التحتية للدولة بالجيل الخامس، والبدء في بناء مئات الأبراج الخلوية.
شراكة الإمارات القوية مع بكين
بالإضافة إلى القضايا الفنية، تشعر واشنطن بالقلق إزاء مسار علاقة أبو ظبي الأمنية والاقتصادية مع بكين. مثلما حدث في أوائل عام 2021، عندما أفرغت الطائرات العسكرية الصينية صناديق لمواد غير محددة في الإمارات. في وقت لاحق من ذلك العام، قدرت وكالات المخابرات الأمريكية أن الصين “ربما تبني منشأة عسكرية سرية في ميناء خليفة شمال أبو ظبي”.
يوضح روملي أن الإمارات برزت أيضًا كواحدة من أهم شركاء بكين التجاريين الإقليميين. في عام 2019، قدرت مجلة الإيكونوميست أن ما يقرب من ثلثي الصادرات الصينية إلى أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط تتدفق عبر الإمارات. علاوة على ذلك، صرح السفير الصيني ني جيان في ديسمبر/كانون الأول، الماضي، أن “الاستثمار الصيني المباشر غير المالي” في الإمارات يمثل ما يقرب من 50 % من إجمالي استثمارات بلاده في العالم العربي.
يقلل المسؤولون الإماراتيون بانتظام من المخاوف الأمريكية من أن علاقاتهم الاقتصادية مع الصين تحول دون توثيق العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة. مع ذلك، يصبح المسؤولون الأمريكيون حذرين عندما تعرض هذه العلاقات المنصات الأمريكية لخطر المراقبة.
لكن، وفق روملي. تعيد الولايات المتحدة النظر بشأن سياستها في بيع الطرازات المتقدمة من الطائرات دون طيار. برز ذلك من خلال بيع MQ-9 إلى الإمارات. طالما كانت الولايات المتحدة حذرة من تصدير هذه المعدات، مستندة في هذا الموقف إلى تفسير صارم لنظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ متعدد الأطراف (MTCR).
مع ذلك، أعلنت إدارة ترامب في عام 2020 أنها “ستعيد تفسير نهج الولايات المتحدة للسماح بمزيد من صادرات الطائرات المسلحة بدون طيار”، مستشهدة بالمنافسة المتزايدة مع الصين وروسيا في سوق الأسلحة. اشترت الإمارات، والسعودية، ومصر، بالفعل أنواعًا مختلفة من الطائرات الصينية بدون طيار Wing Loong، وهي منافسة للطائرة MQ-9.
يُزعم كذلك أن الإماراتيين نشروا هذه الطائرات في ليبيا وإثيوبيا واليمن. كما يقول المستشار السابق لسياسة الشرق الأوسط في مكتب وزير الدفاع الأمريكي.
أهداف الإمارات
ليس سراً أن أبو ظبي كانت تريد طائرة F-35 لسنوات. منذ عام 2011، كان المسؤولون الإماراتيون يطلبون إحاطات سرية حول قدراتها، تمهيدًا للدخول في مفاوضات العقود. في معرض دبي للطيران 2017، قال نائب قائد القوات الجوية راشد الشامسي: “نحن في الإمارات نعيش بالفعل في بيئة من الجيل الخامس. لذا فإن الحصول على طائرة مقاتلة من طراز F-35 هو مجرد خطوة إلى الأمام للتعامل مع عقلية الجيل الخامس “.
من شأن هذه الصفقة أن تمكّن أبو ظبي من إعادة تأكيد تقارب علاقتها الأمنية مع واشنطن. حيث تستضيف الإمارات بالفعل آلاف القوات الأمريكية في قاعدة “الظفرة” الجوية، وتتميز بأنها الدولة العربية الوحيدة التي شاركت في ست عمليات للتحالف مع الولايات المتحدة منذ حرب الخليج عام 1991.
لذلك، يرى الإماراتيون أن الاستحواذ على F-35 هو الخطوة المنطقية التالية في تعاون الجيشين.
خلال التفاوض، استخدمت أبو ظبي “كتيب إرشادات مألوف”، كما يقول روملي. في عام 1998، أعلن البلدان عن صفقة لإرسال ثمانين طائرة من طراز F-16 إلى الإمارات العربية المتحدة. مع ذلك -على مدار المفاوضات- أدت الطلبات الإماراتية إلى إنشاء متغير أكثر تقدمًا من طراز F-16، وهو Block 60، والذي تضمن كمبيوتر مهام جديد، وعرض قمرة القيادة، ونظام رادار، وخزانات وقود مطابقة.
كان هذا البديل الجديد أكثر تقدمًا مما كان لدى القوات الجوية الأمريكية في ذلك الوقت. كيف انتزعت أبو ظبي هذه الامتيازات؟
بدائل فرنسية
في العام السابق للدخول في الصفقة، أعلن الإماراتيون أنهم اشتروا ثلاثين طائرة فرنسية من طراز ميراج 2000-9. وحذروا من أنه في حالة عدم تلبية طلبات ترقية طائرات F-16، فإنهم “سيبحثون في مكان آخر عن طائرات إضافية”. من خلال لعبة كرة قاسية، انتهى الأمر بالإماراتيين بمقاتلة الجيل الرابع الأكثر تقدمًا في السوق.
أيضًا كرر الإماراتيون هذا التكتيك في ديسمبر/كانون الأول الماضي. قبل أيام فقط من اجتماعهم في واشنطن لمناقشة صفقة F-35، حيث أعلنوا عن شراء ثمانين مقاتلة من طراز “رافال” من فرنسا.
فيما يتعلق بالعلاقات مع الصين، تشعر الإمارات والعديد من شركاء الولايات المتحدة في المنطقة -مثل إسرائيل- بالقلق من الاضطرار إلى الاختيار بين علاقة أمنية مع واشنطن وعلاقة اقتصادية مع بكين. ذكر أحد المحللين في مقال نشر في ديسمبر/ كانون الأول من قبل TFIGlobal، أن أبو ظبي تحاول إعادة صياغة نفسها على أنها “سنغافورة الشرق الأوسط”. أي تقديم نفسها كمركز تجاري وتكنولوجي رئيسي في المنطقة مع الحفاظ على بعض مظاهر الحياد في شؤونها. يعتبر الإماراتيون التعاون مع الصين جزء من هذا المسعى.
من المحتمل أيضًا أن ينظر إلى العلاقات مع بكين على أنها “بوليصة تأمين”. في عصر يكون فيه مستقبل الوجود الإقليمي لأمريكا غير مؤكد.
هل تبقى أمريكا شريكًا موثوقًا؟
في ختام تحليل الزميل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، والمستشار السابق لسياسة الشرق الأوسط في مكتب وزير الدفاع الأمريكي. يلفت إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تزن فوائد المضي في بيع F-35 مقابل مخاطر زيادة ضعف الطائرة. أو -في حالة انهيار الصفقة – تحفيز الإمارات على مطالبة الصين أو روسيا بمقاتلات من الجيل الخامس.
ومن جانبها، يجب على أبو ظبي أن تدرك أن نفوذها قد انخفض في ظل إدارة بايدن. التي تدعم البيع لكنها لا تبدو متحمسة لها مثل إدارة ترامب. لكن ما يزيد من إلحاح المحادثات الهجوم الحوثي الأخير على أبو ظبي. والذي دفع المسؤولين الإماراتيين إلى الضغط من أجل المزيد من الدعم الدفاعي الأمريكي.
يختتم روملي في النهاية بالتأكيد على أن هذه الصفقة تمثل أحد الاختبارات الرئيسية الأولى. يتساءل: هل بإمكان الولايات المتحدة تحويل تركيزها إلى منافسة القوى العظمى العالمية. مع إقناع دول الشرق الأوسط بأنها لا تزال شريكًا موثوقًا به؟