صارا متشابهين. يحكي أصحاب الحكمة عن تلك الملامح التي تتشابه مع الوقت والعشرة. عن الأزواج الذين يصيرون لهم نفس الملامح حتى إن الآخرين يعدونهم إخوة. هذا التشابه أو التناسخ الذي كان بمثابة علامة حب ووفاق هل يمكن أن يكون أهم عوامل الفشل؟

فشل الزواج من قبل

يبدو حلم ترويض الأنثى أمرًا يشغل بال الذكور على مر العصور. فمن رواية ترويض النمرة/ الشرسة لوليم شكسبير حتى الآن هناك عشرات وربما مئات التجليات للفكرة. فالرجل البدائي الذي خرج للصيد تعامل مع شريكته في الحياة بوصفها صيدا أو فريسة. عليه أن يكسر تمردها الذي يراه دون أن يُعيد تفسير ذلك التمرد بوصفه اختلافات في الشخصية والسلوك مرجعيتها اختلاف النوع والتنشئة. لكن المجتمع دأب على هذه الفكرة التي تجلت قديمًا في “ادبح لها القطة في ليلة دخلتها” حتى تخاف منه ولا تعصي له أمرًا.

اختفت الأشكال الصريحة للقمع والترويض. فلم يعد هناك الزوج الذي “يدبح” القطة. لكن هناك تنويعات أخرى. فتحت اسم الحب والغيرة يبدأ السعي لطمس ملامح الشريك.

انتقلت حالة الصراع للترويض من يد الذكر لتمتلك الأنثى ذات الرغبة. ومن لحظات الارتباط يسعى كل طرف لمحو خصوصية الشريك وجعله نسخة منه.

التأصيل للفشل

القطبان المتشابهان يتنافران. أحد أشهر قوانين الفيزياء ندرسها من المرحلة الابتدائية. ولأننا دأبنا على أن ننسى ما ندرسه بمجرد الامتحان والمرور إلى السنة التالية. كثيرون لا يلتفتون إلى هذا القانون. فقط يدركون الفشل حين يصير واقعًا. يلتقي الطرفان سواء كان عن قصة حب أو ارتباط بطريقة تقليدية. لكن في كل الحالات يسعى الرجل لتغيير المرأة التي يرتبط بها يريدها نسخة من تصوراته عن المرأة التي يراها نموذجية. فقد تكون غير محجبة فيكون أول الشروط أن ترتدي الحجاب. لديها أصدقاء من الرجال. فيمنعها من التواصل معهم. وربما امتدت سطوته إلى أصدقائها من النساء فهي يجب أن تُصبح كما يُريد. تسعى الأنثى بدورها لمحاولة تطويع الذكر. قد تفشل الكثيرات لكن بعض الإناث اللواتي ينجحن في ترويض ذكورهن يمنحن الأمل للباقيات في طريقهن للسعي نحو ترويض الذكر.

الطرفان يسعيان لمحو الآخر دون النظر لأبعد من قدميهما. ماذا بعد المحو؟

ألم ينجذب كل منهما للآخر لأنه مختلف؟ ما تلك الحمى لتغيير الآخر؟

ميراث اجتماعي ساكن ومتغلغل في اللا وعي يخرج في جمل ينطقها البعض. “مراته ممشياه”. وكأن المشاركة في القرار والحياة هي حالة من انتقاص الرجولة ومعيبة للرجل من أقرانه حتى من نساء عائلته. أمه-أخواته حتى من يعرفونه. فيُصبح الرجل الذي يشاور زوجته هو رجل منتقص. ولا فرق لدى المحيطين به بين رجل يتشاور مع زوجته ورجل ذي شخصية ضعيفة أو رجل يترك مسؤوليات قيادة البيت في يد زوجته. في كل الحالات يمثل هذا الرجل نموذج خزي وعار على الذكور الذين يسعون بقوة لتأكيد أنهم لا يشبهونه وأنهم أصحاب اليد العليا مع نسائهم.

ويسعى الرجل بدأب لمحو خصوصية شريكته وصفاتها. هذا التمسيخ الذي صنعه بقوة ودأب سيكون بعد ذلك تكئته للاتجاه نحو علاقة خارج الزواج أو لتأسيس مأساته وفشله. ليكون زوجا حزينا يحتاج إلى دعم نساء أخريات من خارج محيطه لأنه يعيش زواجا فاشلا بينما هو صانع الفشل ومؤسسه.

بين التناسخ والتقارب باب لفشل الزواج

فكرة أن الأزواج يتشابهون في الملامح ليست لدينا فقط. بل إنها فكرة عالمية. مما دعا جامعات مثل ميتشجان وستانفورد  لإجراء الدراسات حول تلك الفكرة. وجاء في الدراسة التي نشرتها جريدة الديلي ميل ونقلتها عنها بعض المواقع والصحف العربية: “وجاء في سياق دراسة جامعة ميشيغان أنه يمكن أن يحدث تشابه في ملامح الوجه لكل زوجين يعيشان معا لفترة أطول من الوقت. وذلك بفضل ما يتم تعريفه بمسمى محاكاة التعاطف المتكرر. أي القدرة على تكرار تعبيرات وردود فعل الأشخاص الذين يعيشون معًا أو يتعاملون عن قرب ويرتبطون وجدانيا بشكل وثيق”.

وبرغم هذا فإن إعادة النظر في تلك الدراسة كشفت عن عدم مصداقية تلك الفكرة. وبعيدًا عن الدراسات وانشغالات العلم فإن هذا التشابه الذي نؤيده في المخيلة الشعبية ينتج من طول عمر الزواج. قد يحدث هذا التصور من تكرار مشاهدتهما معًا أو إسقاطات من الرائي على الأزواج ودعم الصور النمطية بأنهما صارا متشابهين. وهذا يختلف تمامًا عن رغبة الرجل في طمس معالم شريكته.

إن الوعي بين منطقة التلاقي والاهتمامات المشتركة بين الطرفين حتى يمكنهما البدء في علاقة تدوم لا يعني وجود اختلافات. بل إن الاختلافات بين الزوجين إذا تم قبولها قد تكون دعامة لاستمرار الزواج ونجاحه. فالمشكلة الحقيقية التي تواجه الكثيرين من الأزواج هي عدم قبول الاختلاف. الرغبة الحقيقة في نجاح الزواج تعتمد على قبول الاختلاف والوعي الحقيقي بأن الأقطاب المتشابهة متنافرة.