المنافسة هي الأساس في أي ديمقراطية حقيقية.

هذه هي القاعدة الأولى لأي نظام ديمقراطي مستقر.

في الدول التي تعاني من الاستبداد وتعيش تحت وطأة تسلط سياسي تغيب المنافسة وتطل الأحادية بوجهها السيء.

فكر واحد، حزب واحد، رجل واحد، صوت واحد!

من هنا نستطيع فهم ظاهرة المتابعة الشعبية الكبيرة لانتخابات مجالس إدارات الأندية الجماهيرية التي كان آخرها انتخابات نادي الزمالك!

منذ سنوات غابت فكرة المنافسة عن مصر، جفت الفكرة وذبلت بتدخل كبير من السلطة في كل المساحات الحرة، فلا انتخابات ولا تنافس ولا تعدد من أي نوع!

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي طوال الأيام الأخيرة بمتابعة انتخابات نادي الزمالك، انقسم متابعو الشبكات الاجتماعية بين مؤيد لمرتضى منصور الذي فاز في الانتخابات بالفعل؛ وبين منافسه أحمد سليمان الذي نافس مرتضى وحصل على كتلة جيدة من الأصوات!

اعتبر الشعب الذي يفتقد للديمقراطية والمنافسة أن حالة المنافسة الساخنة في انتخابات النادي العريق هي التعبير الأمثل عن أحلامه بمجتمع تنافسي الكلمة فيه للناس ولصندوق الانتخابات الشفاف.

صحيح أن نادي الزمالك هو أحد الأندية الجماهيرية ومن الطبيعي أن تحظى انتخاباته بالمتابعة، لكن غياب المنافسة السياسية في الانتخابات العامة وبين الأحزاب والمؤسسات السياسية والنقابية جعل المتابعة الكبيرة أشبه بالإسقاط السياسي على مجتمع مقيد يفتقد لسخونة ونزاهة المنافسة والتعدد!

الأرقام وحدها كاشفة لأشواق الناس للحرية والمنافسة والتنوع، فرقم ال ٤٧ ألف مشارك في انتخابات نادي الزمالك هو رقم يعبر عن سخونة الانتخابات بقدر ما يعبر عن رغبة مؤكدة في المشاركة في الحياة العامة، واحترام وتقدير شعبي لفكرة الانتخاب، وثقة في قدرة الناس على حسم المعارك الانتخابية بأصواتها الحرة.

حسم العالم من حولنا خياراته منذ زمن: الديمقراطية هي الصيغة الأكثر نضجاً لحسم الخلاف والاختلاف بطريقة سلمية، ورغم أية عيوب أو ملاحظات على فكرة النظام الديمقراطي يبقى هو الأفضل والأكثر تعبيراً عن الناس، ولا يمكن أن يقاس بالتسلط والاستبداد والأحادية والحكم بالولاء لا بالكفاءة!

كل السخونة التي حملتها انتخابات نادي الزمالك والتي وصلت لتجاوزات قانونية استطاع النظام الديمقراطي احتواءها وتوجيهها لصالح احترام التصويت بعد معركة استمرت أسابيع، وهكذا يمكن استيعاب سخونة وحدة المعارك الانتخابية باللجوء إلى صناديق انتخاب واحترام إرادة الأغلبية في النهاية مهما اختلف الناخبون طوال فترة الانتخابات ومهما تبادلوا الاتهامات والسباب أحيانا!

قبل عدة أشهر كان المصريون يتابعون انتخابات مجلس إدارة النادي الأهلي، ورغم أن الانتخابات بدت محسومة مبكراً لصالح محمود الخطيب وقائمته لعدم وجود منافس قوي وحقيقي؛ ولرمزية الخطيب عند الجماهير الأهلاوية وعند أعضاء الجمعية العمومية على السواء،

إلا أن انتخابات النادي العريق حظيت بمتابعة جماهيرية كبيرة، ظهرت على شبكات التواصل الاجتماعي، فرغم ضعف المنافسة إلا أن وجود طرفين متنافسين بحرية كان مغرياً بالمتابعة والاهتمام، ففكرة المنافسة كانت حاضرة أيضا رغم سهولة المعركة الانتخابية والتوقعات المسبقة بحسم السباق لصالح الرمز التاريخي للأهلاوية.

الشعب المصري ليس فقط مؤهلاً للديمقراطية بل أنه يتمناها وينتظرها ويستحقها!

هذه حقيقة مؤكدة تثبتها الوقائع كل يوم.

وقد مارس الشعب المصري الديمقراطية فترات قصيرة طوال تاريخه الحديث، إلا أنه أثبت دائماً أنه كأي شعب متحضر يحترم التنافس ويقيم ويشارك ويتابع!

طوابير الانتخابات الطويلة والتي كانت تضم المئات بعد ثورة يناير كانت التعبير الحقيقي عن رغبة مؤكدة في المشاركة السياسية، والإسقاط السياسي الذي ظهر بوضوح في متابعات وتفاعلات كبيرة للناس مع انتخابات الناديين الأكثر جماهيرية في مصر هو تعبير جديد يضاف إلى احترام الناس للمنافسة وللتنوع والتعدد الذي لا يمكن لبلد أن يتقدم بدونه!

مارس المصريون الاختيار الحر بعد ثورة يناير، وتعلم  الملايين كيفية الانتخاب والمشاركة في الحملات الانتخابية في الأندية والنقابات المهنية والعمالية، حتى لو أحاطت الشبهات بتلك الانتخابات في كثير من الأحيان!

غيرت الثورة وعي الناس في مصر، وانفتحت الأجيال الجديدة على العالم بعلمه وحضارته، وأضحت قيم مثل الانتخاب والمشاركة وحرية الرأي والتعبير في الوعي الجديد حقاً ينتظره الناس، هؤلاء الذين ينظرون إلى العالم الذي لا يتوقف عن التطور، والذين يتابعون انتخابات الأندية لتعوض بداخلهم جزءا من أحلامهم!

هذا بلد مذهل في تنوعه وأفكار أبنائه واهتمامات شبابه.

حصار هذا التنوع هو خصم من قوة وقدرة وتأثير البلد ودوره ومستقبله!