خرج الأزهر من تابوت صمته وقرر الرد على ما أثير مؤخرا في الإعلام حول بعض القضايا التي كانت مثار جدل وخلاف بتجدد موقفه من 14 قضية تخص المرأة.

ورغم أن هذه الفتاوى للإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب قديمة فإنها أثارت جدلا بمواقع التواصل الاجتماعي. خاصة قضية مشاركة الزوجة زوجها في ثروته حال مشاركتها فيها. فيما يعرف فقهيا بـ”حق الكد والسعاية“.

وقد نص الإعلان الجديد على أن العنف ضد المرأة مُحرم شرعا. وأن التحرش جريمة لا يجوز تبريرها. والعادات والتقاليد ظلمت المرأة باسم الدين. والأصل في الزواج واحدة وليس التعدد. وأنه لا مشروعية في ختان الإناث أو سند ديني.

وجاء في الإعلان أن الإجبار على الزواج مرفوض شرعا ودينا. وضرب الزوجات محظور بحسب الأصل. وبيت الطاعة لا وجود له في الإسلام. وجميع الوظائف العليا جائزة للمرأة بما فيها الرئاسة والقضاء. وسفر المرأة دون “مِحِرِم” جائز برفقة مأمونة.

وذكرت الوثيقة أن الطلاق التعسفي حرام. ولم تبين موقف الأزهر من الطلاق الشفوي رغم كونه محل خلاف مجتمعي بين مؤيد ومعارض. وطالبت الدولة سابقا المؤسسة الدينية ببيان موقف رسمي منه. وأكد أن زواج القاصرات ضرر. والحرمان من الميراث عدوان على حدود الله. فيما يعتبر أهم جاء بالوثيقة هي قضية مشاركة الزوجة في ثروة الزوج إذا كانت عاملة بخلاف نصيبها من الميراث.

المرأة وسند حق الكد والسعاية

يستند الفقهاء على مشروعية حق الكد والسعاية للمرأة بمشاركة مال الزوج بالأثر الوارد عن عمر بن الخطاب. فقد كان “عامر” قصّارا وزوجته حبيبة بنت زريق ترقم الأثواب. فيما اكتسب الاثنان مالا كثيرا فمات عامر وترك الأموال. فأخذ ورثته مفاتح المخازن واقتسموا المال. بينما قامت عليهم زوجته حبيبة المذكورة. فضلا عن ادعائها عمل يدها وسعايتها. فترافعت مع الورثة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقضى بينهما بشركة المال نصفين. فأخذت حبيبة النصف بالشركة والربع من نصيب الزوج بالميراث لأنه لم يترك الأولاد وأخذ الورثة الباقي.

وفي المذهب المالكي اتفق مالك وأصحابه أن كل امرأة ذات صنعة وسعاية مثل نسج وغزل ومحمل أنها كانت شريكة فيما بينها وبين زوجها من مال.

معنى الكد والسعاية

الشيخ أحمد علي تركي -ممثل مصر لنشر الثقافة الدينية في قارة أفريقيا ومدرس القرآن بالأزهر- يوضح أن قضية مشاركة الزوجة العاملة في ثروة الزوج تعرف فقهيا بالحق في الكد والسعاية. وهو حق المرأة في الثروة التي تنشئها وتكونها مع زوجها خلال فترة الحياة. بفضل عمل الزوج خارج البيت وعمل الزوجة داخل البيت وخارجه.

واستكمل: “هذا الحق يضمن للزوجة إذا انتهت العلاقة الزوجية بينها وبين زوجها إما بالطلاق أو الوفاة أن يتم تحديد وحساب مجموع الثروة التي تم تكوينها خلال فترة الحياة الزوجية. فتحصل على جزء منها مقابل ما بذلته من مجهودات مادية ومعنوية بجانب زوجها.

وقال إن حق الكد والسعاية يدخل فيه كل من قدر على الاشتغال والتكسب من أفراد الأسرة سعاية اليتيم. سعاية الأخت. سعاية الأخ. سعاية الولد. ومن له عدة زوجات فلكل واحدة سعايتها. فيما اعتبر تركي حرمان المرأة التي شاركت زوجها وكدت في تنمية ثروته من أخذ نصيب منه “ظلما وتسلط على أموال الناس بالباطل”. فالمرأة التي تشارك زوجها في الخدمة زيادة على الأعباء الأخرى كزوجة وأم. فالنتاج هو حصيلة جهد مشترك بينهما وليس ملكاً خالصاً للرجل. فمن الظلم أكل أموال الناس بالباطل ومنعهم من حقوق ملكيتهم.

فتوى حق المرأة في ظل مستجدات العصر

وأثنى على موقف شيخ الأزهر من هذه القضية بإحياء فتوى “حق الكد والسعاية” لحفظ حقوق المرأة العاملة التي بذلت جهدا في تنمية ثروة زوجها. خاصة في ظل المستجدات العصرية التي أوجبت على المرأة النزول لسوق العمل ومشاركة زوجها أعباء الحياة.

وأكد أن التراث الإسلامي غني بمعالجات لقضايا شتى. إذا تأملناها سنقف على مدى غزارة وعمق هذا التراث وحرص الشريعة الإسلامية على صون حقوق المرأة وكفالة كل ما من شأنه حفظ كرامتها وضمان حقوقها.

إن استفادة المرأة من حقها -حسب تركي- في كدها وسعايتها ضمان لها وعدم ضياع جهدها في ما تصل إليه الأسرة من استقرار ورخاء. ولأن في ذلك تشجيعا لها على الاستمرار في هذه الخدمة وتحفيزا لها على تطوير كفاءتها في إطار مشاركتها الرجل في أعباء الحياة.

حق المرأة في السعاية والكد يجب أن يكون له امتداد في واقعنا المعاصر على المرأة. لأنها تتحمل أعباء كبيرة وتقدم تضحيات جمة تسهم في توفير عوائد مادية ومعنوية للزوج والأسرة.

من المرأة إلى الدعوة للتحاور

حث الإعلان الجديد من الأزهر علي تجديد الخطاب الديني لكنه “حوار مشروط”. على أن ينطلق الحوار من المشروع التأسيسى لهيئة كبار العلماء حول حقوق المرأة. والصادر بيانه عام 2012 الذي انتهى إليه الاجتهاد الأزهري في هذه القضايا. حيث يرى الإعلان أنه يرتكز على تأكيد المساواة الكاملة للمرأة مع الرجل. ويتضمَّن تأكيداً لحقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية من الرأي الفقهي.

أيضا أن ينطلق الحوار من منهج الإمام الطيب فى تعزيز الاجتهاد الجماعي بين المعنيين والمتخصصين حول هذه المسائل وغيرها ممَّا يشغل المجتمع. مستهدفا نقاشا جادا لا يجنح نحو الإثارة ويحترم الحقيقة وينبذ الصراع. ومع إتاحة الملف أمام جميع الباحثين والمهتمين والقائمين على المؤسسات والهيئات الإعلامية وهيئات العمل على ملف المرأة الحكومية والأهلية ليكون دليلاً إرشادياً بما تم إنجازه.

الدكتورة آمنة نصير -أستاذ العقيدة والفلسفة والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر- في تصريح مقتضب لـ”مصر 360″ وصفت الإعلان والقائمين عليه بأنهم “أصحاب هوى لا يمكن الرد عليهم”.

حالة صمت

ويرى عمرو عبد المنعم -الباحث في الدراسات الإسلامية- أن دعوة الأزهر للتجديد وفتح حوار حول قضايا هامة أثارت جدلا خطوة جيدة كسرت حالة الصمت التي طالت الأزهر. مشيرا إلى أن الخلاف الفقهي حول القضايا الاجتماعية ليست مستحدثة وإنما هي أصل في الفقه مما استوجب الاجتهاد الديني حولها.

وقال إن حالة الجمود الفقهي والاعتماد على أراء الفقهاء في التراث أزمة تعانيها المؤسسات الدينية. فيما فتح الباب للحوار والتجديد حاليا يعبر عن اتجاه وموقف جديد داخل الأزهر “قلعة السلفية” -حسب وصفه. وأضاف لـ”مصر 360″ أن التجديد منهج أسسه الإمام محمد عبده داخل الأزهر منذ بداية القرن الماضي. حيث كان أكثر التصاقا بقضايا الواقع من هيئة كبار العلماء حاليا. والتي وصفها بأنها “بعيدة عن الواقع وقضايا المجتمع ليس فقط في قضايا المرأة لكن في قضايا هامة مثل الإرهاب”.

وأكد ضرورة الدخول في نقاش واسع مع هيئة كبار العلماء ورموز الفكر والعلم حول أهم القضايا الاجتماعية والعلمية لأن كل المعارف والعلوم تقوم على قراءات مختلفة قائمة على بيانات واقعية دون تحفز. ولفت إلى ضرورة تزامن التجديد مع عملية إصلاح مؤسسي. فوفقا لـ”عمرو” فإن هناك صراعا داخل المؤسسة الدينية بين القلة من الإصلاحيين والسلفيين الذين يمثلون الأغلبية.

رفض العنف  

واعتبر الدكتور سعد الهلالي -أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر- أن ضرب الزوجات خطاب تحريضي ضد المرأة. فضلا عن أنه ناتج عن تصويرها في الفقه السلفي على أنها مجرد وعاء جنسي بلا حقوق. بالإضافة إلى أنها “أدنى” من الرجل ولا يجب أن تخرج من المنازل وتحتاج إلى من يقودها. فيما اعتبر إعلان الأزهر لهذه الحقوق ترسيخا لحقوق المرأة كإنسانة. مطالبا أن يتضمن خطاب التجديد حرص المؤسسة الدينية على الحقوق الخاصة بالمرأة ووقف الخطاب التحريضي.

ويرى أن هناك أسبابا لتقنين حق السعاية في وظيفة “ربة المنزل” التي لا تعمل في وظيفة خارج المنزل. مبينا أن تلك مهام وظيفة خدمية في ثلاث مهمات. الأولى إدارة شؤون المنزل اليومية بالنفس أو بالإشراف على تجهيز المأكل والملبس وتهيئة السكنى نظافة وترتيبا لأهله.

والثانية هي إعانة الزوج في جدولة أموره ومشاركته الرد على هاتفه واستقبال ضيوفه وتذكيره بمهامه واحتماله في ضغوطات عمله. والثالثة في الأكثرية إرضاع المواليد وحضانتهم والقيام على تمريضهم ونظافتهم وألعابهم ومتابعة دروسهم وتدريباتهم وخروجاتهم وأصحابهم ومشكلاتهم. فكل هذه الأعمال تستحق عليها المرأة حق الكد والكفاية.

اختلاط المال

الشيخ كامل النحاسي من علماء الأزهر اعتبر فتوى الأزهر في الكد والسعاية ليس فقط انتصارا للمرأة العاملة اللي أسهمت في تنمية وزيادة ثروة زوجها. لكن تنظم حق الابن الذي ساعد في تنمية وزيادة ثروة الأب واختلط المال مع والده في التجارة أو الزراعة أو أي عمل كان ويدخل جهده في ثروة الأب. لافتا إلى أن هذه الحالات كانت تخلق احتقانا وكراهية بين الأخوة وبعضهم وكثير من حالات التشاجر وقتل بين الأخوة بسبب الميراث وإحساس أحدهم أن عمره ضاع دون ما يحصل على حقه.

ووصفها “كامل” بأنها دعوة محمودة ومشكورة وتطوير في الفكر النمطى تستوجب تشريعا قانونيا لصيانة الحقوق وضمان وصولها إلى أصحابها.

توضيح

أصدر المركز العالمي للفتوى بالأزهر توضيحا عن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب حول موضوع “الكد والسعاية”. قال فيه: “الفتوى ضرورة خاصة في ظل المستجدات العصرية التي أوجبت على المرأة النزول لسوق العمل ومشاركة زوجها أعباء الحياة. فالكد والسعاية سواء كانت من عملها أو ميراثها أو ذمة مالية قديمة قبل زواجها منحتها لزوجها أو فتحت له حسابا بالبنك. يقدر هذا المال كذمة مالية مستقلة. فلا يحق للورثة مشاركة الزوجة في هذا المال إذا رحل الزوج ولم يكن هناك ما يثبت حق المرأة في الكد والسعاية يقدر بتقدير الزوجة.