لم تكن خدمة الإنترنت قد انتشرت في مصر بعد، حين تم إقرار قانون الخلع قبل أكثر من 20 عامًا. لو كان الإنترنت دارجًا آنذاك، ولو كان المصريون يعرفون موقع جوجل (الذي تأسس سنة 1998)، لربما امتلأ الموقع الشهير بالبحث عن “حديث الحديقة” الذي استند إليه المشرعون في وضع وإقرار قانون الخلع (المادة 20 من قانون 1 لسنة 2000).

الحديث الذي رواه البخاري والنسائي عن ابن عباس، يقول إن امرأة ثابت بن قيس قد جاءت إلى النبي محمد، وقالت: “يا رسول الله، إني ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام ما أطيقه بغضًا. فقال لها رسول الله ﷺ: أتردّين عليه حديقته؟ وكانت صداقًا لها. فقالت: نعم وأزيد. فقال لها: أما الزيادة فلا. وأمره أن يقبض الحديقة ويخلي سبيلها”. وفي رواية أخرى: “ويطلقها تطليقة”. وفي رواية ثالثة: “أنه طلقها عليه”.

وأجزم، أو هو أغلب الظن، أن قطاعًا كبيرًا من المصريين، حتى لا أقول الأغلبية، لم يكن يعرف شيئًا عن “حديث الحديقة”. وفي الواقع، كانت فترة زمنية قصيرة -بمقاييس المجتمعات- قد مرت منذ كانت الفنانة فاتن حمامة تستعرض مشكلات المطلقات والمعلقات في أفلامها. وأبرزها (أريد حلًا-1975)، و(أفواه وأرانب-1977). وهي مشكلات كانت تصل إلى حد تطبيق حكم طاعة الزوجة بواسطة البوليس، إلى أن تم بعد أقل من ثلاثة عقود، إحداث التغيير الثوري في علاقات الزواج بإقرار قانون الخلع، والذي سمح للمرأة المصرية للمرة الأولى -ربما على الإطلاق- أن تتخذ قرار الانفصال بمفردها، من دون انتظار تعطف الزوج أو اقتناع المحكمة.

صحيح أن ذلك القانون تم بضغط من أعلى، لعبت الدور الأقوى فيه السيدة سوزان مبارك ومؤسساتها، في مقابل موقف رجعي برلماني اتحد فيه -آنذاك- نواب كل من الحزب الوطني والإخوان المسلمون، إلا أن السلاح الأقوى في “المعركة”، كان في التأصيل الفقهي الذي وفره “حديث الحديقة”، والذي أتاح حماية شرعية للقانون المستحدث، في بلد تستمد تشريعاته -حسبما يقر الدستور- من الشريعة الإسلامية.

وبالمثل، لا أعتقد أن عدد من كانوا يعرفون بـ”حق الكد والسعاية”، الذي تحدث عنه فضيلة شيخ الأزهر أخيرًا، يزيد عن من كانوا يعرفون قبل عشرين عامًا بـ”حديث الحديقة”. لكن هذه المرة يتوفر الإنترنت في كل بيت وعلى كل هاتف، وسرعان ما عرف المصريون المعاصرون بقصة “حبيبة بن زريق”، التي كانت “نساجة طرازة”، وكان زوجها عمر بن الحارث، يتاجر فيما تنتجه وتصلحه حتى اكتسبوا من جراء ذلك مالًا وفير، ولما مات زوجها وترك المال والعقار فإن أولياءه تسلموا مفاتيح الخزائن، إلا أن الزوجة نازعتهم فى ذلك، وحين اختصموا إلى الخليفة عمر بن  الخطاب فإنه قضى للمرأة بنصف المال وبالإرث في النصف الباقي؛ لأن الزوجة كانت شريكة لزوجها فى الربح والعمل والكسب.

هكذا إذا، بلمح البصر، أصبح لدينا تأصيل فقهي/شرعي يسمح للزوجة بأن تنال حقها في تكوين ثروة الزوج، (بالإضافة إلى) حقها الأصلي في ميراثه. هكذا لم يعد مثل ذلك الحق مجرد “تقليد للغرب” كما كان يقال ويُتهم كل من طالب بعدم إغفال تعب الزوجة وعمرها الذي قضته إلى جوار زوجها تساعده وترعاه.

إن عمر الإسلام يزيد عن 14 قرنًا، وقد امتدت مفاعيله عبر مساحة جغرافية هائلة وبين أقوام وأعراق شديدة التنوع، واضطر فقهاؤه إلى التعامل مع عدد لا يُحصى من المشكلات الإنسانية المختلفة. ما يعني إنه لو كانت النية والإرادة تتجه نحو مواكبة العصر، ورفع الظلم الذي سببه عدم اتفاق شكل الأسرة الحديثة مع العرف الفقهي المستقر، فإنه يمكن دومًا، أو غالبًا، “العثور” بين ثنايا التراث على ما يفيدنا في التأصيل الفقهي لحل المشكلات الحديثة التي لا تزال كثيرة، طالما أننا لم نمتلك بعد الشجاعة والنضج الذي يتيح لنا أن نحل مشكلاتنا بأنفسنا وانطلاقًا من روح عصرنا.