تحدثنا في مقالين سابقين عن هدف قوانين العمل، وذكرنا بعض أوجه القصور في ذلك المشروع، وفي هذا المقال الختامي عن مشروع قانون العمل، لابد وأن نؤكد أنه لا يوجد قانون كل ما به سلبيات، فلابد وأن توجد بأي تشريع جديد بعض الأوجه الإيجابية، فقد استحدث مشروع القانون في مادته رقم 32 صندوق للعمالة غير المنتظمة، ويكون لهذا الصندوق الشخصية الاعتبارية المستقلة، وأنه يحصل من صاحب العمل ما بين 1% : 3 % من قيمة الأجر، وعلى الصندوق أن يحدد قواعد تشغيل تلك العمالة، وبعض حقوقها.

كما أن ذلك المشروع قد أتى ببعض الحقوق المكتسبة للمرأة العاملة، وبحسب حديث منسوب لوزير القوى العاملة منشور على موقع الوطن بتاريخ 14 ديسمبر، فإن مشروع القانون يقر مجموعة من الحقوق أهمها: حظر انهاء خدمة المرأة العاملة أو فصلها أثناء حصولها على إجازة الوضع، كما أن للمرأة العاملة الحق في الحصول على إجازة وضع مدفوعة الأجر لمدة أربعة أشهر تشمل المدة التي تسبق الوضع والتي تليه على ألا تقل مدة هذه الإجازة بعد الوضع عن 45 يوما، وحصول المرأة على إجازة وضع بحد أكثر مرتين، كما يكون  للعاملة التي تُرضع طفلها خلال السنتين التاليتين لتاريخ الوضع الحق في فترتي راحة للرضاعة لا تقل كل منهما عن نصف ساعة، وأيضا للعاملة الحق في ضم فترتي راحة، وتُحسب الفترتان الإضافيتان من ساعات العمل دون تخفيض من راتبها.

وكذلك يكون للعاملة في المنشأة التي تستخدم 25 عاملًا فأكثر، الحق في الحصول على إجازة بدون أجر لمدة لا تتجاوز سنتين، وذلك لرعاية طفلها و لا تستحق هذه الإجازة لأكثر من ثلاث مرات طوال مدة خدمتها، وأن للمرأة العاملة أن تُنهي عقد العمل بسبب زواجها، أو حملها، أو إنجابها، على أن تخطر صاحب العمل كتابة برغبتها في ذلك خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إبرام عقد الزواج، أو ثبوت الحمل، أو من تاريخ الوضع بحسب الأحوال، كما أن مشروع القانون قد ألزم صاحب العمل بإنشاء دار حضانة أو يعهد إلى دار للحضانة برعاية أطفال العاملات، وذلك للمؤسسات التي يشتغل بها 100 عامل على الأقل.

لكن على الرغم من وجود تلك المكاسب إلا أن المشروع لم يزل به العديد من النقاط السوداء، وأهمها في صدد الحقوق والحريات الحق في الإضراب، إذ أنه رغم اعتراف القانون بحق الإضراب استجابة للدستور والمواثيق الدولية. إلا أن الشروط الواردة لتنظيم الاضراب في القانون فرغت هذا الحق من محتواه وفتحت الباب لفصل العمال في حالة مخالفتهم لهذه الشروط. وهو بذلك قام بتقييد حق الإضراب بشروط تعجيزية والتوسع في الحظر يؤدى بنا إلى استمرار الدوران في الدائرة المعروفة من استحالة تطبيق القانون، لتكون النتيجة وقوع إضرابات تقع خارج القانون لأن العمال لا يمكنهم الالتزام بشروطه، وأهم تلك الشروط التعجيزية أن يقوم العمال بإخطار كل من صاحب العمل والجهة الإدارية المختصة. قبل التاريخ المحدد للإضراب بعشرة أيام على الأقل. بموجب كتاب مسجل وموصى عليه بعلم الوصول. على أن يتضمن الإخطار. فضلًا عن الأسباب الدافعة إليه وتاريخ بدايته ثم تاريخ نهايته أيضاً. وهو اشتراط يعارض المنطق. حيث أن العمال لا يضربون بصورة مسرحية أو إعلامية وإنما لحين الاستجابة لمطالبهم وهم بالتالي لا يفترض علمهم المسبق بالمدى الزمني للإضراب.

ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل أن هناك أيضا مشاكل في كيفية معالجة مشروع القانون لعقد العمل بشكل عام، بين العقد محدد المدة أو غير ذلك، دونما مراعاة حتى للأصول العلمية في تعريف عقد العمل والحقوق المترتبة عليه، أو دون تعريف للحقوق المترتبة للعمال على حالات إنهاء عقود العمل.

وإجمالًا، فإننا نرى أن هذا القانون الذي يعتبر في خطواته الأخيرة نحو الإصدار من مجلس النواب لم يحظ بالنقاش المجتمعي الضروري والفعال قبل أن تدفع به الحكومة إلى مجلس النواب والشيوخ، حيث كان الأوجب أن يتم عرضه على أهله المخاطبين بأحكامه، وهم العمال ذاتهم، أو من يمثلهم فعليًا، وليس من الجهات الرسمية، أو حتى أخذ رأي المؤسسات الحقوقية العاملة في المجال العمالي، فالمجتمع إن كان في حاجة إلى تحديث قانون العمل، والذي مر عليه ما يقارب العشرين عامًا. وهو في عرف القوانين الاجتماعية ليس بالعمر الطويل، ولكن إذا دقت الحاجة إلى تعديله فيجب أن يكون التعديل على قدر للتصدي ومواجهة المشاكل والأزمات التي أفرزها القانون القديم، كما يجب أن يكون القانون المستحدث قادرًا على معالجة المشكلات والأزمات التي عانى منها مجتمع العمال خلال الفترات السابقة، ويجب أن تكون النصوص المستحدثة مراعية للظروف التي يمر بها العمال في أوقات سريانه بما يضمن لهم حياة كريمة بما يضمن معه تفعيل الضمانات الدستورية الواردة بالدستور المصري في نسخته الأخيرة لسنة 2014 ، كما أنه ومن باب التعاطي الحقوقي والدولي يجب الحفاظ على المكتسبات العمالية الواردة بالاتفاقيات الحقوقية والوفاء بالالتزامات الواردة بها.

كما أنه يجب على المشرع أن يستحضر المعطيات التي دفعته لتعديل قانون العمل وذلك لتحديد أهداف وملامح التشريع المرجو ثم لصياغته بالطريقة الملائمة وربما يراه البعض أمرًا تنظيريًا أكثر من اللازم، لكنه في الحقيقة تجسيد لمنطق بسيط، وهو العقلانية والنظرة الشمولية في التعامل مع قضايا الصياغة التشريعية وقد اعتاد عليه النواب ومارسته البرلمانات طويلًا، حيث كلما كانت ممارسة هذا النهج مستقرة وعامة كلما كانت جودة التشريعات أعلى وتوافقها مع مبادئ الديموقراطية والحكم الجيد، وذلك بما يحقق الغاية المثلى من أي تشريع والمتمثلة في ضمان تنظيمه للحقوق والمصالح بين الأفراد المخاطبين بأحكامه، وأن يكون هذا التشريع قادرًا على مسايرة التطورات التي أخذت بها المجتمعات الدولية في ذلك السياق، وأن يكون القانون ليس مجاملًا لفئة على حساب فئة هي الأجدر بالحماية لكونها الفئة الأضعف، ولا أذكرك بأن ضياع حقوق العمال أو التهافت نحو تسيير أمورهم بطرية لا ترعى مصالحهم لا يعود على المجتمع سوى بالخسارة دومًا.

اقرأ أيضًا: 

قراءة في مشروع قانون العمل.. عن أهداف القانون (1-3)

قراءة في مشروع قانون العمل.. ملاحظات أولية (2-3)