تقترض وزارة المالية الأسبوع الحالي 48 مليار جنيه في صورة أدوات دين حكومية متعددة الآجال. لاستخدامها في تمويل عجز الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2021/2022. وسط ارتفاع عبء الفوائد لتلتهم نحو 40% من مصروفات الموازنة.

سجل عجز الموازنة 3.9% خلال النصف الأول من العام المالي الحالي 2022/2021 ليبلغ 266.94 مليار جنيه مقابل 204.6 مليار جنيه. خلال الفترة ذاتها من العام المالي الماضي تعادل 3.6%. لكن وزارة المالية تتوقع انخفاض عجز الموازنة إلى 6.9% للعام المالي بأكمله مقارنة بنحو 7.4% للعام الماضي. مع توقعات بتحسن الأداء الفعلي خلال الأشهر الستة الأخيرة من السنة المالية (يناير- يونيو 2022).

تمثل أعباء خدمة الدين العام (الفوائد) مشكلة للموازنة العامة للدولة إذ وصلت نسبته من إجمالي الموازنة العامة إلى 40% تقريبا. ليمثل الرقم الأكبر في المصروفات، فخلال الفترة من (يوليو – نوفمبر 2021). سجلت الفوائد نحو 263.9 مليار جنيه من أصل 658.9 مليار جنيه إجمالي المصروفات.

تعتمد وزارة المالية على طروحات أدوات الدين الحكومية في تغطية عجز الموازنة. بأذون خزانة قصيرة الأجل أقل من عام أو سندات متوسطة لا تزيد عن 7 سنوات في المتوسط، وطويلة الأجل تتجاوز 10 سنوات. ما يجعل الدين العام مثار جدل مستمر حول الحدود الآمنة التي لا يجب تخطيها.

ارتفاع الناتج المحلي

وقال الدكتور محمد معيط، في تصريحات تليفزيونية، إن أرقام الدين العام المصري ليست وحدة قياس لمستوى الدين. فالناتج المحلي الإجمالي هو الفيصل في العملية، ومصر لديها ناتج مرتفع.

بحسب البنك الدولي، فإن العجز الكلي للموازنة تراجع خلال السنوات المالية الخمس الماضية. ليصل إلى 8% من إجمالي الناتج المحلي في السنة المالية 2019/2020. وما يقدر بنحو 7.4% من إجمالي الناتج المحلي في السنة المالية 2020/2021. ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى احتواء فاتورة أجور موظفي الخدمة المدنية وترشيد دعم الطاقة.

ويتوقع البنك أن تستأنف نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي مسارها الهبوط في ضوء استمرار ضبط أوضاع المالية العامة. بما في ذلك تحسين تعبئة الإيرادات المحلية مع دخول إستراتيجية الإيرادات متوسطة الأجل التي تمت الموافقة عليها في الآونة الأخيرة حيز التنفيذ. وتراجع الحاجة إلى الاقتراض الخارجي بالتزامن مع تحسن مصادر الدخل الأجنبي مع انحسار أزمة كورونا تدريجياً.

طروحات كبيرة

بلغ العائد المتوقع (الفائدة) لطروحات الأسبوع الحالي مستوى 11.34% علي الأذون قصيرة الأجل استحقاق 91 يومًا و%12.11 على الأذون استحقاق 6 أشهر. و12.89٪ على الأذون استحقاق 9 أشهر.

لكن ذلك العائد لأذون الخزانة يظل أقل من مستوى أكتوبر ونوفمبر 2021. حينما بلغ سعر العائد المرجح 13.2% في المتوسط قبل خصم الضرائب خلال أكتوبر 2021 وأول ثلاثة إصدارات في نوفمبر 2021. مقارنة بـ 13.4% في المتوسط خلال الربع الثالث من 2021.

وسجل العائد المرجح 13.5% في المتوسط بالربع الثاني من 2020 و14.5% في المتوسط خلال ديسمبر 2019 ويناير وفبراير 2020. أي قبل الخفض التراكمي لأسعار العائد الأساسية بقيمة 400 نقطة أساس خلال 16 مارس 2020 و24 سبتمبر 2020 و12 نوفمبر 2020.

شهدت طروحات الأوراق المالية الحكومية زيادة في العرض مصحوبة بزيادة في الطلب. لتبلغ نسبة زيادة العرض في نسبة العطاءات المقبولة لتسجل نسبة 2.4 مرة في المتوسط، خلال أكتوبر2021. وأول ثلاثة إصدارات في نوفمبر 2021. مقارنة بـ 1.1 مرة خلال الربع الثالث.

كما زاد الطلب في نسبة التغطية لتسجل 1.3 مرة في المتوسط خلال أكتوبر 2021. وكذلك أول ثلاثة إصدارات في نوفمبر 2021 مقارنة بـ 1.8 مرة، خلال الربع الثاني من 2021.

بحسب بيانات البنك المركزي، سجل الدين الخارجي لمصر 137.859 مليار دولار في نهاية العام المالي 2021/2020. مقابل نحو 123.490 مليار دولار في نهاية العام المالي 2020/2019 بزيادة قدرها 14.369 مليار دولار

مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، قال خلال مؤتمر صحفي قبل يومين. إن نسبة الدين الخارجي ما زالت في إطار الحدود الآمنة بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي. مضيفًا أنه مع زيادة النمو في الاقتصاد تنخفض نسبة الدين الخارجي كما أن مصر قادرة على سداد التزاماتها الدولية. ولم تتأخر في السداد بأي وقت.

يرتكن مدبولي إلى طريقة قياس مستوى الدين الذي يمثل العلاقة بين قسمة الدين على الناتج المحلي. وبالتالي كلما ارتفع الأخير انخفض الناتج من عملية القسمة.

الدين العام.. هل لا يزال آمنًا؟

كشف أخر تقارير وزارة المالية أن إجمالي الدين الحكومي (المحلي والخارجي) بلغ 5 تريليونات جنيه تعادل 87.5% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية يونيو 2020. مقارنة بـ 4.8 تريليون جنيه في نهاية يونيو 2019 تعادل 90.2% من الناتج المحلي.

وسجل الدين الخارجي لمصر سجل على مستوي فصلي (3 أشهر) 137.420 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام المالي 2021-2022. وفقاً للبنك المركزي المصري، وتبلغ نسبة الدين الخارجي الناتج المحلي الإجمالي إلى 34.5%.

الخبير الاقتصادي نادي عزام يقول إن ارتفاع الدين ليس مشكلة في حد ذاته. لكن الأمر مرتبط بكيفية إنفاقه وهل يتم توجيه لمشروعات استثمار تدر عائدًا يساهم في الإنتاج والسداد أم جوانب استهلاكية.

الدكتور محمد معيط، وزير المالية، ألمح إلى جوانب الاقتراض حينما قال في تصريحات تليفزيونية. إن الدولة اقترضت من أجل استكمال المشروعات القومية التي بدأتها حتى توفر للمواطنين الاحتياجات الأساسية. وفرص العمل وزيادة المعاشات والعلاوات ولكي لا تضطر لتسريح العمال.

وأضاف معيط أن الدين فى 30 يونيو 2017 مقسوم على الناتج المحلى الإجمالي بلغ 108%. وتراجع في  30 يونيو 2020 إلى 88% ولولا فيروس كورونا لانخفض إلى 82%. أي أن الوزارة استطاعت تخفيض الدين بنسبة 20% خلال 3 سنوات.

وحدث نقص في الإيرادات بقيمة 400 مليار جنيه خلال عامي 2020 و2021 وانخفاض في الناتج المحلي حينها. خاصة قطاعي السياحة والفنادق بجانب انخفاض الصادرات. وحينها انخفض الناتج المحلي على مدار عامي كورونا 3.6 و3.3% ما رفع نسبة الدين إلى 91.6% في العامين.

يوضح نادي عزام أن هيكل الدين العام بالاستقرار، إذ يشـكل الديـن العـام متوســط وطويــل الأجل مــا يزيــد علــى ثلثــي إجمالــي الديــن العــام. فالديون قصيرة الأجل تشكل نحو 8.8% من إجمالي الدين الخارجي بما يعادل  13.716 مليار دولار بنهاية 20/21. ما يمنح الحكومة مرونة في السداد.

يشير إلى أن المشروعات القومية تدر عائدًا كبيًرا على الناتج المحلي مما سيسهل في الإنتاج والتصدير وتقليل الاستيراد. فالمشروعات القومية في المجال الزراعي والسمكي والتصنيع ساهمت في تجاوز الصادرات المصرية ٣٠ مليار دولار للمرة الأولى.

تقييم الدين

تتم عملية التقييم لجميــع عمليات الاقتراض ضمن الحـدود التـي تـم وضعهـا وفق عدة عوامل: نسبة الدين بالعملة الأجنبية إلى الدين الداخلي، ونوع العملات المكونة للدين بالعملات المحلية والأجنبية. بجانب متوسط فترة استحقاق الدين العام والحد الأقصى لنسبة الدين الذي يمكن أن يكون مستحق الدفــع حال موازنة السنة الواحدة أو  السنتين.

كما تشمل الحد الأقصى لنسبة الدين قصير الأجل سـنة وأقل والدين متوسط الأجل (من عام وحتى 7 أعوام) والدين طويل الأجل (أكثر من 7 سنوات) كنسبة من إجمالي الدين العام. والحد الأقصى لنسبة الدين ذي المعدل المتغير إلى نسبة الدين ذي المعدل الثابت وحدود سعر فائدة الاقتراض المحلي والخارجي. ونسبة الدين العام إلى إجمالي الحصيلة الضريبيـة.

والفوائد المطلوب سدادها عن القروض المحلية والأجنبية في الموازنة الجارية 2021/2022 بنحو 579.5 مليار جنيه. تعادل 8.2% من الناتج المحلي. مقابل 566 مليار جنيه تعادل 8.3% من الناتج المحلي للعام المالي الحالي. بزيادة قدرها 13.5 مليار جنيه.

تمثل أقساط القروض التي يحل موعد سدادها أو إهلاكها خلال العام المالي الحالي نحو 593 مليار جنيه. وهي تعادل 8.1% من الناتج المحلي. وذلك مقابل 555.5 مليار جنيه في العام المالي السابق بزيادة قدرها 37.4 مليار جنيه.

أقساط القروض في الموازنة تتمثل فيما يلي: أقساط خارجية معاد إقراضها بقيمة 5.4 مليار جنيه. وسداد قروض بنك الاستثمار القومي بقيمة 146 مليون جنيه. وسداد قروض لمصادر أخرى بقيمة 189.3 مليار جنيه مقابل 169.1 مليون جنيه. وسندات على الخزانة العامة بقيمة 282.6 مليون جنيه مقابل 344.8 مليون جنيه.

وتبلغ جملة سداد القروض المحلية 477.67 مليار جنيه مقابل 519.2 مليار جنيه بتراجع قدره 41.6 مليار جنيه. أما جملة سداد القروض الخارجية فتبلغ 115.3 مليار جنيه مقابل 36.2 مليار جنيه العام الحالي. وهي موزعة بين أقساط الدين العام الخارجي 114.3 مليار جنيه مقابل 35.05 مليار جنيه في الفترة المقارنة. بينما تبلع الأقساط الخارجية التي تسدها الجهات بنحو 947 مليون جنيه مقابل 1.2 مليار جنيه للعام السابق.

زيادة مذهلة

ويقول عزام إن الدين الحكومي يرتفع بصورة كبيرة على مستوى العام ففي عام 2020. ارتفع الدين العالمي إلى 256% من إجمالي الناتج المحلي، طبقا لآخر تحديث أجراه صندوق النقد الدولي في قاعدة بيانات الدين العالمي.

بحسب صندوق النقد الدولي كانت زيادة الدين مذهلة في الاقتصاديات المتقدمة. حيث ارتفع الدين العام من نحو 70% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2007 إلى 124% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2020. كما قفز الدين الخاص بوتيرة أكثر اعتدالا من 164% إلى 178% من إجمالي الناتج المحلي في الفترة ذاتها.

تخطط وزارة المالية لخفض الدين لما دون 90% بحلول نهاية العام المالي الحالي في 30 يونيو 2022. وأقل من 85% من الناتج المحلي عام 2025/2026، عبر إستراتيجية لإطالة عمر الدين وطروحات دولية بعائد أقل ومدد زمنية أطول.