يُعد من أهم أساسيات دور الدولة في المجتمعات الحديثة المحافظة على ثروات الشعوب والمال العام، وحسن إدارته وتنميته. بينما تبرز أهمية هذا الدور الاجتماعي للسلطات الحاكمة للدول في ظل تطورات النظريات أو النظم الاقتصادية الغالبة في العصر الحديث. ومن بينها العولمة، واتساع أنشطة الشركات المتعددة الجنسيات.
انطلاقًا من هنا أصبح أمرًا حتميًا أن تتعامل الدول ككيانات سياسية مع تلك الكيانات والتيارات الاقتصادية. ولكن هل على الدولة أن تتخلى عن دورها الرئيسي في الحفاظ على ثروات البلاد أو السعي نحو خصخصتها وجعلها سلعة سوقية لا تختلف عن مسميات القطاع الخاص أو أن تكون تصرفاتها غير متماشية مع الحفاظ على الثروات والأصول مما يهدر حقوق الأجيال المقبلة ويزعزع المركز المالي للبلاد؟
هنا يبرز الدور الهام الذي يجب أن تضطلع به الدولة في إدارة عملية الاندماج في الاقتصاد العالمي. وهو يتضمن دورها في توفير الحماية للقطاعات المعرضة للتضرر من عمليات السوق والدفاع عنها. جنبًا إلى جنب مع الاستثمار في القطاعات ذات المنفعة العامة. تلك التي لا يُقبل القطاع الخاص على الاستثمار فيها.
حدود دور الدولة في التعامل مع المال العام
هذه الحدود بين حماية ثروات وأصول الدول والدخول في الاستثمار ذو المنفعة العامة، يتطرق إليها الباحث طارق عبدالعال، في ورقة سياسات جديدة، صدرت عن مركز التنمية والدعم والإعلام (دام). وقد حملت عنوان “المال العام وصندوق مصر السيادي.. الطريق الموازي للخصخصة”.
للاطلاع على الورقة كاملة..
يضع الباحث -في ورقته- سؤالًا رئيسيًا يحاول الإجابة عليه: هل تسلك الدولة سبيل جديد لخصخة المال العام عن طريق نزع صفة النفع العام عنه، وتحويله لمال خاص للدولة بما يتيح لها حرية التصرف فيه وتحويل ملكيته للصندوق السيادي بينما يستعرض الأسس الدستورية والقانونية المؤسسة لحماية المال العام؟
وهو يحاول تبيان التفرقة الموضوعية ما بين المال العام للدولة “الملكية العامة للدولة”، والمال المملوك ملكية خاصة للدولة. ويبين أيضًا الطرق القانونية لحماية المال العام، وكذلك كيفية تخصيصه.
يتطرق الباحث كذلك إلى أهم مثال تطبيقي على التصرف في المال العام بحسب القانون المنظم والمنشئ له. وهو الصندوق السيادي المصري. وما تمثله الصلاحيات المنصوص عليها بقانون إنشائه وتعديله. وقد أباح التصرف في المال العام.
والمعروف عن الصناديق السيادية تُنشأ بغرض استغلال الفوائض المالية في الدول وتنميتها. وليس بغرض التصرف في الأصول والعقارات. لأن في ذلك تهديد لحقوق الأجيال المقبلة في هذه الثروات. وهو ما يتناقض مع الأسس الدستورية المؤكدة على هذه الحقوق.
المال العام وحدود التصرف فيه
يشكل المال العام، بما يحتويه من موارد طبيعية، وعقارات وأموال منقولة تسيطر عليها السلطة السياسية الحاكمة للدولة، إرثًا دائمًا، وحقًا مملوكًا للشعب في جميع الأوقات. ومن ثم بات الحفاظ عليه من أي شطط أو عدوان يمثل أصلًا قانونيًا. علاوة على كونه يُعد من القيم العامة والمبادئ النبيلة الحاكمة للتصرفات البشرية حيال هذه الأموال أو الممتلكات العامة. سواء كانت هذه التصرفات التي تمثل عدوانًا قد أتت من قبل الأفراد، أو تصرفات من الممكن أن تُنسب للسلطة السياسية بإهدارها أو تبديدها للممتلكات العامة. ويكون ذلك بعدم الحفاظ عليها أو إتيان تصرفات تمس بسلامة أو قيمة تلك الأموال.
إذ أنه من الضروري أن يقف دور الدولة عند حدود الحفاظ والتنمية لهذه الثروات الاقتصادية، إن لم يكن زيادة قيمتها.
تعريف المال العام
هنا، يشير الباحث إلى تعريف محكمة النقض المصرية للمال العام. تقول عنه: “هو المال المملوك للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة. ويتم تخصيصه بالفعل لمنفعة عامة”. وقد أولت المدونات الدستورية الثروات الطبيعية للبلاد عناية فائقة. ذلك لكونها لا تمثل حقًا فقط للأجيال المعاصرة للدولة في زمن ما. وإنما تمثل حقوقًا متوارثة لكل الأجيال المقبلة للحياة. ومن ثم وجبت رعايتها وعدم استنزافها.
كما يجب على الدولة أن تولي رعايتها لثروات البلاد. ولا يقصد بتلك الرعاية أن تحافظ فقط على حالتها التي هي عليها. وهي ما يطلق عليها عناية وقائية. بل يجب أن تنطلق
رعايتها إلى السعي نحو تطويرها وزيادتها قدر المستطاع. وقد أفرد المشرع الدستوري نص المادة 32 من الدستور المصري الأخير لهذا المقام، كما بين الباحث في ورقته.
ويعتبر الأصل القانوني في تعريف المال العام هو نص المادة 87 من القانون المدني: تعتبر أموالًا عامة، العقارات والمنقوالت التي للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة. وهي التي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص. وهذه الأموال لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تمليكها بالتقادم. والأموال تخصص للنفع العام أي لاستعمال الجمهور مباشرة أو لخدمة مرفق عام. فهي بذلك تستهدف غرضًا يخالف ذلك الذي يحكم الأموال الخاصة. الأمر الذي استتبع خضوعها لنظام قانوني يغاير ذلك الذي ينظم الأموال الخاصة في القانون المدني. وبذلك يستهدف النظام القانوني للأموال العمومية حمايتها. وذلك عن طريق عدم جواز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم.
بين المال العام والملكية الخاصة للدولة
الملكية الخاصة للدولة هي تلك الأملاك المملوكة لها بصفة خاصة، ويصرح القانون بجواز التصرف فيها. وتشمل كل ما يخرج عن النفع العام. وحتى يكون هذا التصرف صحيحًا من الناحية القانونية يجب أن يتم التصرف ممن خول له القانون التصرف في هذا المال. أو بمعنى آخر الجهة المالكة لهذا المال. أو التي تمت إحالة هذا المال الخاص إليها، بما يتماشى مع أسس وظيفتها واحتياجاتها لإدارة مرفقها.
يشير الباحث إلى أهمية التمييز والتفرقة بين أملاك الدولة العامة وأملاكها الخاصة في اختلاف النظم القانونية التي تخضع لأحكامها الفرقتين. إذ تخضع أملاك الدولة الخاصة لأحكام القانون الخاص. ما يعني أن القضاء المدني هو المختص بنظر المنازعات التي تتعلق به. أما أملاك الدولة العامة فهي تخضع لأحكام القانون العام. وهي تتميز عن الأموال الخاصة بإضفاء حماية خاصة. ذلك نظرًا لدورها في تحقيق النفع العام. وبالتالي، فإن القضاء الإداري هو المختص بنظر المنازعات المتعلقة به.
كما أن الأموال العامة تتميز عن الأموال الخاصة للدولة من حيث الطبيعة الأساسية في كونها من الأصل مخصصة للنفع العام لكل المواطنين. وكذلك عدم قابليتها للتملك من قبل الأشخاص.
ولا يجوز تملك الأموال الخاصة المملوكة للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة. وكذلك أموال الوحدات الاقتصادية التابعة للمؤسسات العامة أو الهيئات العامة وشركات القطاع العام غير التابعة إليهما والأوقاف الخيرية أو كسب أي حق عيني على هذه الأموال بالتقادم. كما لا يجوز التعدي على الأموال المشار إليها بالفقرة السابقة. وفي حال حصول التعدي يكون للوزير المختص حق إزالته إداريًا.
الحماية الدولية للمال العام
يتطرق الباحث إلى نصوص القانون الدولي حول مفهوم الثروات الطبيعية انطلاقًا من المبدأ العام في حق الشعوب تقرير مصيرها. وهو ما ينعكس عنه حق الدول في السيادة على ثرواتها الطبيعية. ويقول وفق هذا التعريف أن السيادة على الثروات والمصادر الطبيعية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالسيادة على الإقليم. مما يعني في نظر القانون الدولي أن الثروات والمصادر الطبيعية بطبيعتهما يتبعان دائمًا ملكية الدولة.
ولقد اعتبر إعلان الحق في التنمية السيادة الدائمة على الثروات والموارد الطبيعية من المكونات الأساسية للحق في التنمية. وكذلك شرطًا ضروريًا لإعماله على الصعيد الدولي. وفي هذا الصدد قد جاء القرار رقم 1803 للعام 1962 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. ليذكر أن الشرط الجوهري لتأكيد سيادة الدولة هو تحقيق السيادة على المصادر الطبيعية. ومن ثم، فإن انتهاك هذه السيادة والتعدي عليها يشكل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين.
فالبعد الاقتصادي للسيادة إذًا يصبح من أسباب وجودها. وفي نفس الوقت يمثل ضمانًا لتحقيق السالم والأمن الدوليين.
وقد أكد ذلك المعنى العهدان الدوليان الخاصان بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية. ويكفي أن نسوق ما جاء في المادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. على أنه: لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها. وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. كما أنه لجميع الشعوب، سعيًا وراء أهدافها الخاصة، التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية. ذلك دونما إخلال بأي التزامات منبثقة عن مقتضيات التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة. ولا يجوز في أي حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاصة.
للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا
إلزام الدول بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية
يقول الباحث -في ورقته- إن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لا تزال محل خلاف حول أولويات الاهتمام بها، ودون أي إجراء حول أهمية التأكيد عليها في التشريعات الدستورية المحلية. ويضيف أن معظم المشكلات الكبيرة التي يعاني منها المجتمع البشري هي ليست في عالم الأشياء. وإنما في عالم الأفراد. وأن أكبر فشل للإنسان هو في عدم القدرة على تحقيق حقوقه. لا سيما الاقتصادية والاجتماعية منها. لما تمثله من احترام للإنسان وصون كرامته وحفظ قيمته التي أكدتها الشرائع السماوية.
إن تضمين التشريعات الوطنية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتحديد آليات تنفيذها يعد مؤشرًا على اهتمام الدولة واحترامها لمواطنيها. ولا يتحقق هذا الاهتمام -كما يلفت الباحث- إلا برصد الموازنات العامة لتنفيذ البرامج والسياسات التي تساعد على تأمين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لأفراد المجتمع.
كما أن العلاقة بين التنمية المستدامة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية هي علاقة مكملة لبعضها البعض. فالتنمية لن تتحقق إذا كانت الدساتير لا تعبر عن مساواة الأفراد بالحقوق والخدمات الأساسية. وبنفس الوقت، فإن تمتع الفرد بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يقوي ويدعم ركائز التقدم والتنمية.
وعلى هذا الأساس تبنت الأمم المتحدة منذ العام 1966 عهدًا دوليًا بدأ العمل به عام 1976. وقد أكد على تمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه.
رغم ذلك، فقد أتت الصياغة لنصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية غير مرضية لطموح المواطنين. وبشكل أكثر خصوصية في مجموعة الحقوق التي يجب أن تمثل التزامًا على عاتق الدولة. إذ جاءت معظمها بصياغات غير ملزمة للحكومات. وحوت ألفاظًا مثل “تعمل الحكومات – تسعى الدول الأطراف – تكفل الدول”. وهذه الصياغات لا تحقق الضمانات الكافية نحو تحقيق عدالة اقتصادية وتوازنات مجتمعية في معظم الحقوق التي تهم قطاعات كبيرة من المواطنين. مثل الحق في السكن والصحة والغذاء. وهو الأمر الذي يجعل الحكومات في حل حقيقي من الوفاء بهذه الالتزامات دونما معقب دولي حقيقي. أو مراجعة لهذه التصرفات.
السيادة والعولمة
يقول الباحث إنه لا تعد السيادة الوطنية ناجزة، ما لم تسيطر الدولة على مواردها الطبيعية بشكل كامل. فهي جزء لا يتجزأ من السيادة الإقليمية.
كما أن العولمة لن تكون مشروعًا ناجحًا عادلًا يضم أندادًا. إلا إذا آمنت الواليات المتحدة الأمريكية نفسها بأنه لا يمكن لها أن تكون مستثناة من الشرعية الدولية ومن قواعد القانون الدولي ومن اتفاقيات منظمة التجارة الدولية.
فبأي حق تنقض واشنطن الاتفاقيات الخاصة بتحرير التجارة الخارجية. فتفرض الرسوم الجمركية على واردات الصلب والحديد ثانية؟ وأي حق يجيز لواشنطن ولصندوق النقد والبنك الدوليين فرض نظام اقتصادي-اجتماعي يتعارض كلية مع مبدأ التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد؟ وبأي حق تضع الولايات المتحدة نفسها فوق القانون فتفرض على العالم أجمع ألا يخضع مواطنوها لأحكام المحكمة الجنائية الدولية التي يدافع عنها الاتحاد الأوروبي بقوة وتشن واشنطن حملة دولية مكثفة ضدها؟
الخصخصة.. نشأتها والتجربة المصرية
يتطرق الباحث إلى الخصخصة. ويشير إلى أن النشأة الحقيقية لهذا التوجه الاقتصادي قد بدأت تدريجيًا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتفككه في أواخر ثمنينيات القرن الماضي. فمنذ بداية حقبة التسعينيات على الساحة الاقتصادية العالمية بدأت معظم دول أوروبا الشرقية التي كانت تطبق النظام الاشتراكي في التحول إلى اقتصاد السوق. كما اتجهت أيضًا معظم الدول النامية نحو فتح اقتصادها على الاقتصاد العالمي. وبدأت السير نحو الإصالحات الاقتصادية اللازمة لتهيئة اقتصادها ليتوافق مع اقتصاد السوق.
وقد كانت رغبة صندوق النقد والبنك الدوليين مؤكدة الوضوح في توجيه الدول النامية وإغرائها نحو التوجه إلى اقتصاد السوق الحر وتحرير النشاط الاقتصادي والخصخصة.
وفي مصر، بدأت الحكومة في الترويج لاتباع سياسة الخصخصة بأنها ستتم بخصوص أو خصخصة الشركات الخاسرة فقط. ولكن من الناحية الواقعية والفعلية تم بيع العديد من الشركات والمصانع الناجحة والقوية والمؤثرة في الاقتصاد القومي دونما أدنى مراعاة لحقوق الوطن أو حقوق أبنائه. إضافة إلى ما طال عمليات البيع من فساد مالي ورشاوي والبيع بأثمان زهيدة. وما اتبعه ذلك من تشريد للعمال في الشركات والمصانع التي تم بيعها تحت مسمى المعاش المبكر. أو دفع تعويضات نقدية لترك الخدمة. وهو الأمر الذي أنتج زيادة كثيفة في أعداد البطالة بين أبناء الشعب المصري.
وهنا، يلفت الباحث إلى تخلي الحكومة عن العاملين. ذلك بإدخالها العديد من التعديلات القانونية في المدونات العمالية. وكانت جميعها تصب في مصلحة صاحب العمل. بينما كانت الطامة الكبرى -وفق الباحث- في نهاية عمليات البيع، بعدم توجيه العائد المتحصل من خصخصة وبيع الشركات أو الأراضي إلى إنشاء مجالات إنتاجية جديدة يحتاجها الاقتصاد القومي كبديل عن الشركات التي تم بيعها. أو على الأقل لاستيعاب العديد من الطاقات العاملة، تقليلًا لحجم مشكلة البطالة.
وهو يرى أن ما حدث فيما يتعلق بالخصخصة في مصر من الأسباب القوية التي كانت مقدمة كافية لقيام ثورة الشعب المصري في 2011. إذ أثرت سياسات الخصخصة بكونها قد ساعدت على زيادة الأسعار بشكل لا يتناسب مع مستوى دخول المواطنين المصريين. وبالتالي عملت على زيادة معدلات الفقر لدى غالبية الشعب المصري. كما أدت إلى زيادة الفوارق الطبقية، وانحسار معظم الثروة المصرية في أيدي حفنة قليلة.
للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا
الصناديق السيادية
ظهرت فكرة الصناديق السيادية في ظل التطور الذي يشهده النظام المالي العالمي. وتكمن مهمتها في تسيير وإدارة مختلف الثروات والاحتياطيات المالية للدول. إذ تقوم الدول بإنشاء هذه الصناديق لأهداف اقتصادية. وهي صناديق حكومية تعود ملكيتها للدولة، وتتكون من أصول مالية يتم تمويلها بالفوائض المالية لها. كما تعتبر الصناديق السيادية ظاهرة ليست جديدة على الشأن المالي العالمي. وتعود بدايتها إلى دولة الكويت، حينما أنشئت هيئة الاستثمار الكويتي سنة 1953. وتلا ذلك ظهور هذه الصناديق تحت مسميات مختلفة في سنغافورة ودولة الإمارات في سبعينيات القرن الماضي. حتى وصلت إلى 53 صندوقًا سنة 2008.
وصناديق الثروة السيادية أو (المحافظ السيادية)، مُكلفة بإدارة تلك الثروات، وتحوي أصولًا ثابتة مثل الأراضي، العقارات التجارية أو الأسهم والسندات، والنسب المباشرة في الشركات.
وتسعى الحكومات إليها للمحافظة على ثرواتها من ناحية، وزيادة عوائدها من ناحية أخرى.
كما أنها الطريقة المثلى للدول التي تتمتع بفائض مالي حالي تدخره إلى حدث أو طارئ أو أزمة مالية اقتصادية في المستقبل. ويجب أن يتم إنشاء أكثر من صندوق حتى يكون هناك تنوع وتوازن بالاستثمارات. وأن تتمتع بالحذر، وأن تتم إدارتها من خلال نخبة إداريين محترفين للحصول على النتائج المطلوبة وليس العكس.
ومن أسباب نشأة الصناديق السيادية، حاجة البلدان التي تمتلك مدُخرات كبيرة وتريد الحفاظ على هذه المدخرات. بل وتسعى لزيادة أرباحها. ولكن لا يتم استثمارها في أصول عالية الخطورة. إذ أنها مملوكة للدولة وتستثمر بالأصول التقليدية.
ومدخرات بعض الدول تكون عبارة عن ملكيتها لثروة السلع (خصوصًا النفط والغاز)، كما هو الحال في الصين وسنغافورة اللتين لديهما فائض تجاري كبير.
الحالة المصرية مع الصندوق السيادي
يتطرق الباحث إلى خطوة إنشاء الصناديق السيادية في مصر. فيلفت إلى قانون إنشاء الصندوق المصري رقم 177 لسنة 2018، والذي تم نشره بالجريدة الرسمية بالعدد 33 مكرر أ بتاريخ 18 / 8 / 2018. وذلك بإنشاء صندوق مصر، والذي تم تعديله بموجب القانون رقم 197 لسنة 2020، والذي قام بتغيير اسمه من “صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية” إلى “صندوق مصر”.
ويهدف الصندوق إلى المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال إدارة أمواله وأصوله وتحقيق الاستغلال الأمثل لها، وفقًا لأفضل المعايير والقواعد الدولية لتعظيم قيمتها من أجل الأجيال القادمة. ذلك حسب ما ورد بالمادة الثالثة من القانون رقم 177 لسنة 2018. ثم جاء التعديل الوارد بالقانون رقم 197 لسنة 2020 موسعًا من دائرة أهداف الصندوق أو أغراضه. بإضافة إدارة أموال وأصول الجهات والشركات والكيانات المملوكة للدولة أو التابعة لها أو التي تساهم فيها والتي يُعهد إلى الصندوق بإدارتها.
هنا، يشير الباحث إلى أن تعديل قانون صندوق مصر قد وسع من دائرة صلاحيات الصندوق بشكل ليس له حد أو قيد. إذ أباح التعامل مع أموال الدولة بشكل عام دونما تفرقة ما بين المال العام أو المال المملوك لها بصفة خاصة. وهو الأمر الذي ينذر بخطورة بالغة على المال العام وثروات البلاد وحقوق الأجيال القادمة فيها.
ويضاف إلى ذلك ما جاء بالفقرة الأخيرة من المادة الخامسة من قانون الصندوق رقم 177 لسنة 2018 من قولها “وتُعد أموال الصندوق من الأموال المملوكة للدولة ملكية خاصة”. وهذه الفقرة -كما يوضح الباحث- تحمل من الخطورة ما لا يمكن معالجة عواقبه. إذ إن الملكية الخاصة للدولة تبيح التصرف للصندوق بكل الطرق بما فيها البيع. كما أنها تُخرج تلك الأموال من كافة أشكال الحماية القانونية المقررة للمال العام. وهو الأمر الذي يتعارض بشكل رئيسي مع الدستور المصري فيما يخص موارد الدولة الطبيعية وملكيتها للشعب وإلزام الدولة بحسن استغلالها ومراعات حقوق الأجيال القامة فيها.
الصندوق السيادي المصري وحظر الرقابة عليه
يقول الباحث إن قانون الصندوق السيادي في مصر أباح حرية واسعة للصندوق في ممارسة عمله. ومنها شراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها، وإقراض أو ضمان صناديق الاستثمار والشركات التابعة، وله التصرف في الأصول المملوكة له أو الصناديق المملوكة له بالكامل بإحدى صور البيع أو التأجير المنتهي بالتملك، أو الترخيص بالانتفاع، أو المشاركة كحصة عينية وفقًا للقيمة السوقية لهذه الأصول.
وينص القانون (م 6 من القانون رقم 177 لسنة 2018) على أن نقل ملكية أي من الأصول غير المستغلة المملوكة ملكية خاصة للدولة إلى الصندوق أو أي من الصناديق التي يؤسسها والمملوكة له بالكامل، يكون بقرار من رئيس الجمهورية، بناءً على عرض رئيس مجلس الوزراء ووزير التخطيط.
كما أباح نص المادة الثامنة من ذات القانون سالف الذكر لإدارة الصندوق التصرف بالبيع فيما يؤول إليه من أموال. وهنا مكمن الخطورة، كما يشير الباحث، إذ بشكل رئيسي كيف يستقيم البيع مع الحفاظ على حقوق الأجيال المقبلة وفق نص الدستور؟ وكيف يستقيم التصرف بالبيع مع الحظر الوارد في نص المادة 32 فقرة أخيرة من الدستور المصري بقولها “ولا يجوز التصرف في أمالك الدولة العامة”؟ وكيف يستقيم أمر البيع مع الحرمة التي وصفها الدستور للمال العام وفق نص المادة 34 من الدستور من قولها إنه “للملكية العامة حرمة لا يجوز المساس بها، وحمايتها واجب وفقًا للقانون”.
يشير الباحث أيضًا إلى ما استحدثه القانون رقم 197 لسنة 2020، المعدل لقانون الصندوق السيادي، من نص يؤكد فكرة خروج هذا الصندوق عن كافة معايير الرقابة، وتمتعه باستقلالية مطلقة. حيث تم استبعاد الطعن على كل تعاقداته.
توصيات لحماية المال العام من الضياع
يقدم الباحث طارق عبدالعال عددًا من التوصيات لحماية المال العام من خطر ضياعه، ويشمل هذه التوصيات في الآتي:
– يجب بداية أن يكون هناك ضمان تشريعي في الرقابة على الحق المطلق للسلطة التنفيذية في إزالة صفة النفع العام عن الأموال العامة وتحويلها لأموال مملوكة ملكية خاصة للدولة، وأن يكون ذلك مخولًا لمجلس النواب، بعد إعداد تقارير بذلك من الجهاز المركزي للمحاسابات.
– ضرورة تعديل القانون المنظم للصندوق السيادي، بجعل أموال الصندوق لا تأتي من بيع الأصول أو التصرف فيها بأي طريق. وأن تقف حدود مجلس إدارة الصندوق في حالة العقارات على الإدارة فقط واستبعاد التصرف بالبيع.
– يجب أن تُستحدث سُبل رقابية مالية ومحاسبية داخلية حقيقية وخارجية أيضًا تجعل الأموال المخول للصندوق إدارتها في مأمن من أي عبث يضر بالمصالح الحقيقية للشعب. مثل أن تخضع تصرفات الصندوق لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات كاملة، وأن يرفع تقارير نشاطها بشكل دوري إلى مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وأن يتم مناقشته في جلسة علنية، وأن يعلن للشعب نتيجتها، لكونها تمثل حقوقه المالية.
– كما يجب أن تخضع تصرفات الصندوق للرقابة القضائية، وذلك بتعديل تلك النصوص التشريعية، التي تحصن تصرفاتها، وذلك ما يتماشى بشكل طبيعي مع مبدأ سيادة القانون.
للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا