عصف حادث حريق مسرح بني سويف في 5 ديسمبر 2005 بالعديد من بيوت وقصور الثقافة بالأقاليم. ما أدى لتدني أوضاعها ووقف معظم الأنشطة خاصة المسرحية. حيث قامت هيئة الدفاع المدني بغلق الغالبية العظمى وتحويل نشاطها في شقق مؤجرة حتى انتهاء عملية التطوير والالتزام بالاشتراطات الأمنية ضد الحريق. الأمر الذي لم يحدث حتى الآن وعطّل أغلب المواقع الثقافية لمدة 15 سنة متواصلة بالأقاليم والمحافظات.
ووفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن عـدد قصور وبيوت الثقافة بلغ 594 قصرا وبيت ثقافة في 2016. وقد تخطى العدد حاليا 600 موقع. وتدخل أزمة كورونا على الخط لتزيد الأمر صعوبة وتؤدي لتعطيل معظم الأنشطة والفاعليات بها وتحويلها إلى نظام الأونلاين.
تعاني قصور الثقافة العديد من المشكلات والأزمات وأهمها ضعف المخصصات المالية الخاصة بالنشاط. حيث تذهب معظم الميزانية لصالح الأجور ومرتبات الموظفين بنسبة 92.5% -وفقا لوزير الثقافة السابق حلمي النمنم- والذي ذكر في تصريح سابق أن الهيئة “مثقلة بعمالة كثيفة لا حاجة إليها”.
وتحصل قصور الثقافة على دعم قدره 648 مليون جنيه. وتقدر قيمة الإنشاءات بـ108 ملايين. وما تحتاج إليه الهيئة لتنفيذ خطتها الثقافية الخاصة يقدر بـ500 مليون. وتحتاج إلى ميزانية إضافية تقدر بـ492 مليوناً شاملة المرتبات -وفقا لرئيس الهيئة السابق الدكتور أحمد عواد.
قصور الثقافة.. مواقع معطلة
تعمل قصور الثقافة في الإسكندرية بالجهود الذاتية. ومعظمها مغلق والأنشطة متوقفة وتعاني الإهمال. ويبلغ عدد المراكز الثقافية بالإسكندرية 40 مركزا لا يعمل منها سوى عشرة مراكز فقط منها الحرية والإبداع والأنفوشى والشاطبي.
واضطرت العديد من مقرات قصور الثقافة بالإسكندرية على مدى السنوات الماضية إلى غلق أبوابها بفعل الانهيار أو الترميم أو الإغلاق. وأصبح الكثير من المناطق تمارس نشاطها عبر شقة سكنية.
فقصر ثقافة سيدي جابر للتذوق تم غلق المسرح الخاص به. بعدما كانت تقام على خشبته العديد من المؤتمرات الثقافية وعروض الفنون الشعبية والكورال. لكن بقرار من الدفاع المدني ولكون المسرح غير مطابق لمواصفات السلامة ويمثل خطرًا على رواده تم غلقه. ولم يتم تأمينه ضد الحوادث وأصبح نشاط القصر يقام ببعض الحجرات أو صالة المدخل.
قصور الثقافة وبيوتها للأشباح فقط
أما قصر ثقافة القباري فقد توقف نشاطه منذ أعوام بعد أن تعرض لانهيار جزء من السقف بسبب انعدام الصيانة. وذلك لحين تدبير الميزانية اللازمة. فيما تقلص دور قصر ثقافة برج العرب في أماكن كثيرة مثل مناطق الدخيلة والعجمي وحتى العرب وقرى مناطق مريوط والساحل وبنجر السكر.
وأكد الشاعر مدحت فاروق أن وسائل الاتصال الثقافي بالإسكندرية منقطعة عن الجماهير. حيث تم غلق أغلب قصور الثقافة بقرار الحماية المدنية ولم يتم إعادة فتحها. وقال إن هذه القصور كانت بمثابة حائط صد لزوايا التطرف.
أزمة المسارح بالمنوفية
في مدينة شبين الكوم تم غلق قصر الثقافة منذ عام 2009 للصيانة والترميم على أن تنتهى الأعمال خلال عامين بتكلفة 38 مليون جنيه. وتم نقل أعماله بمقر إداري صغير بحي غرب شبين. ورغم الانتهاء من تطويره لم يتم افتتاحه حتى الآن.
وتعمل باقي المواقع من داخل شقق سكنية صغيرة بالباجور ومنوف وبركة السبع والسادات ومنتيريس حتى أشمون الذي يخدم 66 قرية.
وقال أحمد فوزي -مدير عام ثقافة المنوفية- أن المحافظة تمتلك 28 موقعا ثقافيا. منها 9 قصور ثقافة و10 مكتبات و15 بيت ثقافة تغطي قرى ومراكز المحافظة بالمنوفية تخدم 4 ملايين أهمها قصر ثقافة شبين الذي سيتم افتتاحه قريبا.
وأشار إلى أن أنشطة قصر شبين مستمرة طوال هذه السنوات ولم تتوقف في مواقع أخرى. ولكن تمارسها بالتعاون مع النقابات والمؤسسات كالمجلس القومى للمرأة ومديرية الشباب وحديقة الطفل. مبينا أن هذا غير مناسب لمعارض الفنون التشكيلية وعروض الفنون الشعبية والمسرحية وتكلفهم إيجارات لأماكن العرض التي تثقل كاهل ميزانية الثقافة.
القاص هيثم شرابي -رئيس نادي أدب شبين الكوم سابقا- أكد أن جميع دور السينما والمسارح مغلقة منذ 15 عاما. وتقوم الفرقة القومية بالمنوفية وفرق المراكز وشرائح نوادي المسرح من الشباب بتقديم عروضها بمدرجات الجامعة. وهو مكان غير مؤهل ولا يتسع لعمل الديكور ولا يسمح بعرض الأعمال إلا لمدة يوم واحد أمام لجنة التحكيم فقط. ولا يستفيد منها الجمهور المستهدف من العروض.
ويرى “شرابي” أن بيوت الثقافة غير مؤهلة تكنولوجيا لجذب الشباب وتشغيل العروض أونلاين. معتبرا أن “الأونلاين” في ترويج الأنشطة “تفقيل وتستيف ورق بنشر مجموعة من الفديوهات يتم تسجيلها لا تحقق مشاهدات يتم التجهيز لها بشكل مركزي دون مشاركة الفروع”.
نوادي الأدب
تمتلك قنا 24 موقعا ثقافيا بينها ثلاثة قصور فقط والباقي عبارة عن بيوت. يقول أنور جمال -مدير عام ثقافة قنا- إن 90% من المواقع تعمل ولا يوجد مواقع متوقفة حتى التي تم نقلها لأماكن أخرى بهدف التطوير.
وأضاف: نعمل في حدود الإمكانيات المتاحة. فبيوت الثقافة التي تم نقلها في شقق صغيرة تقيم أنشطة تتناسب معها مثل عمل ندوات أو ورش صغيرة للرسم.
وتابع أن مخصصات الأنشطة تكون مركزية من القطاع. حيث يذهب نصفها للمسرح وحده. فيما تعد مخصصات نوادي الأدب والمرسم وفرق الموسيقية والفنون الشعبية ضعيفة ولا يمكن توجيه الأنشطة حسب الأكثر نشاطا أو احتياجا حسب رؤية القائمين على المكان.
عوض الله الصعيدي -رئيس نادي الأدب بقنا- أكد غياب الأنشطة الموسيقية والمسرحية عن محافظة قنا بعد توقفها في قصر ثقافة نجع حمادي منذ 6 سنوات واقتصارها على نشاط نوادي الأدب. منتقدا طريقة تعامل الهيئة مع الأدباء ووصفها بـ”المهينة” في الحصول على البدلات التي تتعطل بالشهور من أجل 100 جنيه: مؤتمر أدباء الأقاليم الذي استمر ثلاثة أيام بقنا لم يسمع عنه أحد بالشارع المجاور. كان عبارة عن حفلات ترفيه. ولو تم توجيه هذه الأموال للفرق الحرة والأنشطة لكان أفضل.
وذكر أن بيوت ثقافة مدينة فرشوط وأبو تشت مغلقة حتى الآن. وتم ضم الاثنين في شقة قديمة عبارة عن “خرابة” وسط المجاري كما أن الموظفين يعملون من المنزل.
ستائر ضد الحريق
تمتلك محافظة كفر الشيخ 12 قصرًا للثقافة ومجمعا ثقافيا كبيرا استغرق إنشاؤه 20 عاما بتكلفة وصلت إلى أكثر من 50 مليون جنيه على مساحة 2000 متر. وتم افتتاحه تجريبيا عام 2017. لكن توقف المجمع عن العمل بعد الافتتاح بسبب غياب اشتراطات الحماية المدنية. حيث يتطلب الأمر 3 ملايين جنيه من الهيئة العامة لقصور الثقافة لعمل ستارة خاصة مضادة للحريق ومراوح شفط أعلى سلالم المبنى وتركيب إنذارات حريق أعلى مجاري التكييف وكاميرات مراقبة وبوابات أمنية لحماية المسرح ضد أى حريق.
تُعاني قصور وبيوت الثقافة في كفر الشيخ مشكلات عدة. أهمها نقص تمويل بعضها كـ”كفوة- بلطيم- قلين- الرياض -مطوبس”. وتوقف العمل ببعضها منذ سنوات وعلى رأسها قصر ثقافة دسوق، الذي بدأت به أعمال تطوير وإعادة إنشاء لم تنته حتى الآن.
يقول الأديب والناقد سمير المنزلاوي: تم التبرع بقطعة أرض منذ عام 2017 وتم تخصيصها لإنشاء قصر ثقافة يخدم مطوبس وفوه بمساحة 800 متر وتم اعتماد 5 ملايين جنيه للإنشاء. إلا أن هذا المبلغ تم أخذه لاستكمال الأعمال بقصر ثقافة دسوق. وما زال الأدباء والشعراء بمركز مطوبس يقيمون حفلات وأمسيات ومعارض للمواهب. إما بقاعة المؤتمرات بمجلس مدينة مطوبس أو بمركز الإعلام. لأن الشقة مقر قصر الثقافة لا تتعدى مساحتها 60 مترا ولا تسع أمسيات شعرية وأدبية. وأشار إلى أن قصر ثقافة المعداوي خاو من العاملين والأنشطة. فلم يقدم أي أنشطة تذكر. فالعاملون يقومون بترك عملهم للبحث عن زيادة مرتباتهم بأعمال إضافية في أوقات العمل الرسمية.
تعزز القيم الإنسانية
في سوهاج 18 موقعا ثقافيا متنوعا بين بيوت وقصور.
ويقول أحمد حسين -موظف بقصر ثقافة طهطا- إن الأنشطة تعاني ضعف الدعم المادي. حيث يصل دعم أنشطة المسرح في بعض القصور إلي ما يقارب 15000 جنيه. وهي لا تكفي عروض الفرق والأعمال التي يتم تقديمها والغالبية يقوم بالجهود الذاتية.
ولفت إلى توقف أنشطة المواهب لعدم توفير الخامات للرواد. كما توقف نادي المرأة في بعض بيوت الثقافة نظرا لعدم وجود أي دعم مادي. ويقتصر الدور الثقافي في الغالب على الندوات ودورات خياطة. وجميعها تقوم بالمجان ما عدا ما يقام خلال شهر رمضان فقط يكون أجر المحاضر 50 جنيها بعد الضريبة تصل إلى 45 جنيها.
وقال أحمد صابر -مدير عام قصر ثقافة طهطا- إن الدعم المادي لبعض نوادي الأدب ضعيف لا يتجاوز ثلاثة آلاف جنيه. يتم إنفاقها على الندوات والمحاضرات والأمسيات الشعرية ويتكرر هذا الدعم مرتين في العام بمبالغ أقل.
وطالب بإعادة النظر في الموظفين بالقصور. فالغالبية منهم “غير مدرب” ومؤهل للتعامل فكريا مع الرواد ولا يقومون بتسويق العرض المسرحي المميز”. مما أدى إلى ضعف الأنشطة.
وطالب محمد يس -موظف بقصر ثقافة سوهاج- بتطوير ألعاب الأطفال داخل بيوت الثقافة وتحويل كافة المكتبات إلى رقمية وتطوير نوادي تكنولوجيا سوهاج وطهطا والمنشأة. لأن أغلب عملها يقتصر على دورات الكمبيوتر شبه المعطلة، فضلا عن أن الأجهزة قديمة.
عزوف الأدباء
الشاعر عارف البرديسي -رئيس نادي الأدب بجرجا سابقا- قال إن هناك حالة تردٍ تعاني منها قصور الثقافة أدت إلى عزوف الأدباء والمثقفين عن المشاركة في أي فعاليات خاصة بالثقافة حاليا. وذلك بسبب تعقيد إجراءات عمل الأنشطة وضعف المخصصات المالية الخاصة ببدلات الضيوف المشاركين في الندوات وورش التدريب.
وللخروج من الأزمة يرى “البرديسي” ضرورة العدول عن طريقة وضع خطط مسبقة وإرسالها إلى الأقاليم التي تستغرق شهورا في الرد والموافقة. وهي الإجراءات نفسها التي يتم اعتمادها في صرف بدلات المحاضرين والمدربين التي تستغرق 6 أشهر.
ارتباك الإدارات
حالة من الارتباك داخل بيوت الثقافة بالفيوم ما بين قرارات متخبطة وصادمة وركود أنشطة تفاعلية ثقافية في معظم المواقع.
هذا أرجعته شيماء خالد -موظفة بقصر ثقافة الفيوم- إلى عدم الاستقرار في الإدارات. ما أدى إلى ركود في النشاط بالمراكز وأطراف المدينة وعزوف الشباب. فضلا عن المماطلة في الموافقة على الأنشطة.
إعادة هيكلة
ويرى هيثم شرابي ضرورة إعادة هيكلة الموظفين بقصور وبيوت الثقافة لوجود أعداد كبيرة زائدة. فيما تتم أغلب الأنشطة على الورق ويحصلون الموظفون على مكافآت ضخمة عليها بينما لا يحصل الشباب والكوادر الثقافية وفرق الإبداع إلا على مبالغ هزيلة جدا. حيث يحصل الشاب الممثل على 100 جنيه مقابل أجره في مسرحية. ما تسبب في وقف أغلب الفرق عن العمل وورش التدريب في كل الأنشطة بالمحافظات بسبب ضعف المقابل. إضافة لوقف الأنشطة الخاصة بالأطفال وورش تدريب النساء لعدم توافر الخامات في ورش الرسم.
وأكد ضرورة إنشاء وحدات حسابية بالمحافظات لأن قصر الوحدات على القطاعات المركزية يعطل الأنشطة بالشهور. ويؤدي لعدم التمكن من رصد الاحتياجات إلا بالاتفاق مع القائمين عليه مركزيا. مشيرا إلى أن ما يزيد الأمر تعقيدا أن هذه الإدارات تشترط أن يكون محاضر الندوة ذات محتوى حصري للهيئة. مما يؤدي لعزوف عدد كبير من أساتذة الجامعة والأدباء عن المشاركة بسبب ضعف العائد وهو بين 50 و100 جنيه.
قصور الثقافة وبيوت إقامة للمغتربين
وقال “شرابي” لـ”مصر 360″ إن تطوير المنشآت الثقافية وحده غير كافٍ. ونحتاج إلى زيادة الميزانية المخصصة للثقافة والحفاظ على قوة مصر الناعمة. لأن الثقافة أمن قومي. وقال إنه لا بد من الاهتمام بزيادة عدد بيوت الثقافة والمكتبات بما يتناسب مع عدد السكان بالمدن والقرى. فضلا عن إعادة الهيكلة الإدارية لقطاعات وزارة الثقافة. حيث تعمل كل هيئة بقانون مستقل عن الأخرى كأنها جزر معزولة. فيما طالب بعمل قانون موحد والاعتماد على لوائح داخلية منظمة للعمل بهيئات وزارة الثقافة. ما يتيح إعادة توزيع الموظفين بالدواوين الرئيسية التي تتحكم في توزيع الميزانيات حسب الأهواء وتستحوذ على النصيب الأكبر من المكافآت للموظفين الكبار.
وقال عباس حمزة -رئيس نادي الأدب المركزي بأسوان- إنه من الضروري توفير أماكن لإقامة وإعاشة الرواد المشاركين في الأنشطة بقصور الثقافة في الأقاليم. خاصة بالصعيد حيث يصعب أن يأتي الضيف لعقد ندوة أو أمسية من القاهرة أو أي مكان بعيد ثم يعود في اليوم نفسه. وذلك في ظل عدم توافر الدعم المادي للإقامة والمعيشة. مما سبب حالة عزوف خاصة بالصعيد وكذلك الأمر في الفرقة المسرحية والموسيقية والفنون. مما يعطل عرضها خارج المحافظة لعدم وجود أماكن للإقامة أو بدلات مجزية تكفي المشاركين. مما يقلل تبادل الخبرات وحبس المواهب والإبداع. فيما طالب بإنشاء بيوت للإقامة تكون ملحقة بقصور الثقافة تسهل إقامة المشاركين بالفعاليات وتفعيل الحركة الثقافية للوصول إلى أكبر قدر من الجماهير.