في تعريفها تقول الحكومة إن مبادرة “حياة كريمة” أبعدُ من كونها تهدفُ إلى تحسين ظروف المعيشة والحياة اليومية للمواطن المصري. ذلك لأنها تستهدف أيضًا التدخل الآني والعاجل لتكريم الإنسان المصري وحفظ كرامته وحقه في العيش الكريم. ذلك المواطن الذي يستحق العدالة الاجتماعية وتعترف الدولة بـ”تحمله فاتورة الإصلاح الاقتصادي. والذي كان خير مساند لها في معركتها نحو البناء والتنمية. فكان هو البطل الحقيقي في تحمل كافة الظروف والمراحل الصعبة بكل تجرد وإخلاص وحب للوطن”.

هكذا هي سياسة الدولة المصرية المعلنة. وهي تجعل من مبادرات دعم المواطن كـ”حياة كريمة” أيقونة لـ”الجمهورية الجديدة” التي أعلن عنها الرئيس، ووصفها بأنها “جمهورية الحلم والأمل.. جمهورية العلم والعمل.. المسالمة وليست المستسلمة”، التي سيبنيها المصريون سويًا.

وهو الأمر الذي يطرح سؤالًا مشروعًا: هل نجحت مصر في اختبار العدالة الاجتماعية؟ وذلك على هامش  

لقد أطلقت مصر -في هذا الاتجاه- العديد من المبادرات تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي. وكانت جميعها تستهدف تحقيق تلك التصورات عن العدالة الاجتماعية في مصر. ذلك في أشكال من الدعم تنوعت بين “مبادرة حياة كريمة – تطوير الريف المصري – مبادرة مائة مليون صحة – حملة القضاء على فايروس سي”.

كما أطلقت الحكومة استراتيجية التنمية المستدامة “رؤية مصر 2030” عام 2016. بينما حدثتها بإطلاق النسخة الثانية منها مطلع عام 2018. بغرض أن تتماشى مع الأهداف الإنمائية المستدامة الـ 17 التي أطلقتها الأمم المتحدة من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة بين جموع البشر على مستوى العالم خلال عام 2015.

منذ ذلك الحين تصدر مصطلح العدالة الاجتماعية حديث المسؤولين على جميع الأصعدة. خاصة المتعلقة بالفقراء ليتحول الامر في اذهان العديد من المواطنين أن الامر يتلق بتقديم الدعم للفقراء المحتاجين وفق اعراف والثقافة الاجتماعية السائدة ، وهو ما يجعل الوضع الراهن بعيد عن مفهوم العدالة الاجتماعية ، وطرق تحقيقها ، والمبادئ الأساسية لها .

مفهوم العدالة الاجتماعية

العدالة الاجتماعية هي نظرية سياسية وفلسفية تؤكد أن هناك أبعادًا لمفهوم العدالة تتجاوز تلك المجسدة في مبادئ القانون المدني أو الجنائي. أو العرض والطلب الاقتصاديين. أو الأطر الأخلاقية التقليدية. إذ تميل العدالة الاجتماعية إلى التركيز أكثر على العلاقات العادلة بين المجموعات داخل المجتمع. ذلك بدلاً من عدالة السلوك الفردي أو العدالة للأفراد.

ومفهوم العدالة الاجتماعية يتمثل في أنه يجب أن يتمتع جميع الناس بفرص متساوية للوصول إلى الثروة والصحة والتعليم والتوظيف والرفاهية والعدالة والامتيازات والفرص. ذلك بغض النظر عن ظروفهم القانونية أو السياسية أو الاقتصادية أو غيرها.

ففي الممارسة الحديثة، لا يجب تفضيل مجموعة من البشر على آخرين، لأي سبب كان سواء كان الجنس أو العرق أو المعتقد أو التوجه الجنسي أو الوضع الطبقي.

ومن الناحية الاجتماعية، تسعى العدالة الاجتماعية إلى الوصول إلى الفرص المتساوية بين جميع المواطنين. ذلك بغض النظر عن انتماءاتهم.

وينعكس ذلك على الناحية الاقتصادية، فوفق مفهوم العدالة الاجتماعية تسعى الدول والحكومات إلى وقف تدهور الأوضاع الاجتماعية للمجموعات المهمشة. فضلًا عن السعي نحو خلق فرص حقيقية على الأرض من أجل تمكينهم من الطرق والأدوات التي تساهم في إنهاء حالة التدهور. ومن بين تلك الأدوات إعادة توزيع الثروة كحجر زاوية من أجل خلق الفرص المتساوية بين المواطنين والمواطنات.

وعادة ما يكون سوق العمل وسياسة العمل والعمالة المنظمة من بين أكبر مجالات الاهتمام بالعدالة الاجتماعية في القطاع الخاص. ففي سوق العمل، تكون الأجور والفرص المتساوية لجميع الفئات الديموغرافية عادةً نقطتين رئيسيتين لتقييم مدى التقدم المحرز فيما يتعلق بتحقيق العدالة الاجتماعية. وغالبًا ما يتم تأطير إنشاء النقابات العمالية وانتشارها في إطار العدالة الاجتماعية. ذلك من أجل تعزيز مصالح العمال ضد أصحاب العمل الاستغلاليين. ولخلق حالة من التوازن بين المصالح الطرفين، والتي تكون في أغلب الأحوال متباينة.

حجم القوى العاملة في مصر

وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن القوى العاملة في مصر بلغت خلال الربع الرابع من العام الماضي 29,653 مليون فرد، مقابل 29,380 مليون فرد خلال الربع السابق. ذلك بنسبة ارتفاع مقدارها 0,9%.

وقد بلغت قوة العمل في الحضر 13,234 مليون فرد. بينما بلغت في الريف 16,419 مليون فرد. أما على مستوى النوع، فقد بلغ حجم قوة العمل للذكور 24,487 مليون فرد. بينما بلغت للإناث 5,166 مليون فرد.

وتلك الأرقام تؤكد على أن هناك فجوة في التوظيف ما بين الحضر والريف. وهو ما ينعكس على الرواتب ومعدلات الدخل. فغالبية الوظائف في الريف ترتبط بالزراعة. تلك الوظائف التي تتمحور غالبيتها ضمن العمالة غير منتظمة والمرتبطة بالزراعة البحتة. ذلك دون غطاء تشريعي يحمي ويصون حقوق المنتمين إلى تلك المهن. وهو ما ينعكس على نقص أو انعدام سياسات الضمان الاجتماعي لقطاع واسع من المواطنين والمواطنات.

كما سجلت الأرقام فجوة كبيرة ما بين الجنسين في مساحة التوظيف. فهناك انخفاض ملحوظ في نسبة الفرص المتاحة أمام النساء في سوق العمل. وهو ما يعني انخفاض معدلات دخلهن بشكل كبير. كما يضع العراقيل أمام تمكينهن على المستوى الاقتصادي، وقدرتهن على الاستقلال المالي. إذ بلغ معدل البطالة بين الذكور 5.2%. بينما بلغ معدل البطالة بين الإناث 17.8%.

وقد بلغت نسبة المتعطلين في الفئة العمرية (15 – 29 سنة) 64,3% من إجمالي المتعطلين. فيما بلغت 31.7% لإجمالي الفئة العمـرية (20- 24 سنة). حيث بلغت (31,0% للذكور، و32,7% للإناث). وهو ما يعني انعدام الدخل الذاتي لقطاع واسع من المواطنين والمواطنات الذين يمثلون/لن القاعدة الهرمية للسكان.

العدالة الاجتماعية والتعليم في مصر

ينص الدستور المصري في المادة 19 منه على “التعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم، لا تقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي”. إلا أنه للأسف الشديد لم تلتزم الحكومة بالنسبة المقررة في الدستور إلى الآن. وبحسب قاعدة بيانات البنك الدولي، لم تتجاوز الميزانية المخصصة للتعليم ثلث النسب التي تخصصها الدول النامية في المتوسط.

كما أنه لا توجد سياسات تعليمية واضحة في مصر، يكون لها إطار استراتيجي يمكن الاعتماد عليه في تقدير التقدم المحرز في هذا الملف. وبما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية عبر توفير الفرص المتساوية لجميع المواطنين والمواطنات دون تمييز بما يضمن التوزيع العادل بين المواطنين وفق انتماءاتهم الطبقية والديمغرافية.

يبلغ الإنفاق الحكومي على التعليم في مصر نسبة 2.4% من الموازنة العامة للدولة. وهو ما يؤثر بالسلب على العملية التعليمية. إذ ينخفض نصيب الطلاب المستهدفين بالعملية التعليمية. ويبلغ نصيب الطالب/الطالبة في مصر من الموازنة 5 آلاف و405 جنيهات سنويًا. فيما يبلغ نصيب الطالب في الدول المتقدمة (أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية) 11 ألفًا و200 دولار. أي ما يعادل 175 ألف جنيه مصري.

ويعاني قطاع التعليم في مصر من خلل واضح في توزيع الميزانية. حيث استحوذ الجهاز الإداري للوزارة وما يتبعها من أجهزة على 5.9 مليار جنيه من ميزانية عام 2018 /2019. وهو ما تفوق على الميزانية المخصصة لمدارس محافظة القاهرة وتضم 1.4 مليون تلميذ/تلميذة.

وعلى الجانب الآخر، فإن ضعف الإنفاق الحكومي تتحمله الأسرة المصرية من ميزانيتها الخاصة. إذ تنفق الأسرة على التعليم في المتوسط ما يبلغ 5 آلاف و184 جنيهًا سنويًا. ذلك بنسبة 9% من دخلها. وتختلف تلك النسبة بين المحافظات المختلفة. وهي ترتفع في الحضر وتنخفض في الريف، خاصة المناطق الفقيرة. وتستهلك الأسرة المصرية الغالبية العظمى من تلك الميزانية في الدروس الخصوصية.

وتتضح هنا الفجوة بشكل كبير فيما يتعلق بتحقيق العدالة الاجتماعية. إذ ينفق المواطنين الأغنى في مصر وتبلغ نسبتهم 10% من السكان أضعاف ما ينفقه الفقراء على التعليم. وهو أمر مخالف بشكل واضح لأهداف التنمية المستدامة التي أقرتها مصر ضمن استراتيجية 2030 [1]

العدالة الاجتماعية والصحة في مصر

تعد الصحة من أهم مؤشرات تحقيق العدالة الاجتماعية. ذلك بقياس مدى توافر العلاج للمواطنين والمواطنات وفرصة الوصول إليه والإتاحة والقبول بشكل مساو وعادل بين جميع الفئات المجتمعية.

وتعد مصر من أقل الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إنفاقًا على الصحة. وقد بلغت نسبة الإنفاق الحكومي على الصحة عام 2018 ما نسبته 1.6% من الموازنة العامة للدولة. وهو ما يختلف مع الحصة التي أقرها الدستور المصري، وتبلغ 3% تزداد بشكل تدريجي.

كما أن الوضع الحالي للإنفاق على الصحة يعاني من فجوة كبير ما بين رؤية مصر 2030 المتعلقة بالتنمية المستدامة، والمستهدف فيها أن يكون نصيب الفرد من الصحة 600 دولار سنويًا. بينما يبلغ نصيب الفرد في الوقت الحالي 152 دولارًا سنويًا.

على الجانب الآخر، تأتي مصر ضمن أعلى 5 دول في المنطقة (مع سوريا واليمن والسودان والمغرب) من حيث إنفاق الأفراد من ميزانيتهم الخاصة على الرعاية الصحية. وقد أشار الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إلى أن 70% من الرعاية الصحية في مصر يتم الحصول عليها من خلال المستشفيات والعيادات الخاصة، وليس من المرافق الصحية الحكومية.

وعلى مستوى القدرة على تقديم الخدمات الطبية، انخفض عدد الأطباء في القطاع الحكومي في مصر بنسبة 25% بين سنة 2017 و2018. وقد وصل المعدل لـ 12.4 طبيب لكل 10,000 مواطن. في حين أن المتوسط العالمي 32 طبيب، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.

وقد سلط انتشار فيروس كورونا الضوء على مشاكل القطاع الصحي في مصر. إذ تم رصد أن المشكلة الأولى تتمثل في ضعف الطاقة البشرية في القطاع الصحي المصري. [2]

 

[1] https://eipr.org/sites/default/files/reports/pdf/shr_hqyq_n_lnfq_l_ltlym_fy_msr_.pdf10

[2] https://aps.aucegypt.edu/ar/articles/559/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B9%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%B8%D9%84-%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%A1-%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7:-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A9-%D8%AD%D8%B8-%D9%88%D9%84%D8%A7-%D8%AD%D9%82%D8%9F

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صادر عن وحدة البحث بمركز التنمية والدعم والإعلام “دام”