أمام حقله، يجلس المزارع عطية صلاح مدققًا النظر في محصوله الذي ينتظر الحصاد. ويحسب حسبة الخسائر التي مُني لها بسبب تسعير التجار للقنطار زنة 60 كيلو جرام بسعر 60 جنيهًا. بما يعني أن الكيلو لن يتجاوز جنيه واحد.

ليست تلك الأزمة الأولى التي تعرض لها المزارع الأربعيني. فقبل عشر أعوام حدث الأمر ذاته، وبيع محصول البصل حينها بسعر لا يتجاوز نصف الجنيه في 2012 بسبب مصادر في التصدير حينها وارتفاع المخزونات الأوروبية.

البصل يحتل المرتبة الرابعة بعد الموالح والبطاطس وبنجر العلف في صادرات مصر التي تحتل المركز الخامس بعد الهند والصين والمكسيك بجملة صادرات ذلك المحصول بوجه عام والرابع بعد الهند والصين والولايات المتحدة الأمريكية في جملة إنتاج البصل الجاف.

 

مميزات البصل المصري

يرجع تميز المنتج المصري لصفات الجودة والقدرة التخزينية وتحمل التداول والشحن. بجانب توافره طوال العام في الأسواق بنسبة مواد صلبة مرتفعة تجعله ممتاز لعمليات التجفيف.

يقول عطية صلاح إن الإنتاج العام الحالي شهد ارتفاعا كبيرا في الأعباء. بسبب تزايد تكاليف الشتلات والري والحرث وتنظيف الأرض من الحشائش. وفي النهاية جاء سعر البيع ليمثل ضربة قاصمة للمزارع.

يؤكد حسين عبدالرحمن أبوصدام، نقيب الفلاحين، إن مزارعي البصل يتعرضون لخسائر ضخمة للعام الثاني علي التوالي. فالفدان يتكلف ما بين 25 و35 ألف جنيه، بجانب ما بين نصف وطن سماد كيماوي حسب طريقة الري والزراعة.

كان طن سماد اليوريا المدعم (تسليم الجمعيات الزراعية) العام الماضي بنحو 3290 جنيها. فيما وصل سعره العام الحالي 4500 جنيه فيما يتضاعف سعره بالسوق الحرة.

يقول صدام إن فدان البصل ينتج ما بين 15 و20 طنا. حسب النوع، وجودة التربة وطريقة الزراعة مما يعني أن متوسط خسارة المزارعين تصل الي 10 آلاف جنيه لكل فدان.

يتم زراعة البصل بطرق مختلفة أشهرها في مصر طريقة الشتل إذا تم تخصيص مساحة صغيرة توضع فيها البذور وبعد شهرين يتم تقليعها بسُمك القلم الرصاص “بزق”، ثم إعادة شتلها في الأرض المستديمة بعد تجهيزها.

يستهلك الفدان شتلة بصل تعادل نحو قيراطين وكان القيراط العام الماضي يباع حتى 3 آلاف جنيه وتضاعف ثمنه خلال العام الحالي بسبب ظروف الإنتاج.

خسائر قياسية لمزارعي البصل بسبب زيادة الإنتاج

مع تدني أسعار البصل لزيادة المعروض نظًرا لزيادة المساحات المنزرعة وزيادة الإنتاجية. مع ضعف عمليات التصدير وقلة مصادر التسويق وضعف عمليات التصنيع وقلة المصانع التي تعمل بمجال التجفيف.

في دراسة لمجلة الشرق الأوسط للبحوث الزراعية، فإن كمية إنتاج البصل زادت إحصائيًا بكمية كبيرة بنحو 80.1 ألف طن سنويا تمثل 3.6٪ من المتوسط خلال الفترة من عام 2005 وحتى 8201.

استنبط قسم بحوث البصل بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية لأربعة أصناف عالية الإنتاجية تصلح للاستهلاك المتنوع ما بين الطازج والتصدير والتجفيف. وتلبى رغبات السوق المحلى والأسواق الخارجية والاحتياجات التصنيعية. وهي أصناف “جيزة 6 ومحسن وجيزة 20 وجيزة أبيض وجيزة أحمر”.

كما يجري استنباط ثلاث أصناف جديدة هي: تركيبي أبيض لأغراض التجفيف. والتي تعطى قيمة مضافة وتستهلك عمالة وتضمن التصدير طوال السنة. و”جيزة مطاول” والذي يصلح لأغراض التجفيف وإنتاج البصل الأخضر. و”جيزة سبعينى” والذي يتميز بالتبكير في النضج.

تعتمد صناعات عملية التجفيف على نقل البصل لمجفف في صواني. ثم تعرضها لبخار على درجة 97 ‏درجة لمدة 4 ساعات، وتمريرها على ماكينة كشف المعادن للتأكد من خلوها ‏من المعادن.‏

بعدها يتم تعبئة البصل المجفف يدويا في أكياس بلاستيك ‏معتمة. ثم تجمع ‏حسب الطلب داخل عبوات كرتونية بنظارة لتسهيل عملية الفحص ‏دون فتح العبوات. ولضمان كفاءة التخزين ‏بعيدا عن الضوء، ما يعني أنها تقنيات سهلة.

تضع وزارة التجارة والصناعة تجفيف البصل ضمن المشروعات الصغيرة التي تدعمها خاصة أن الآلات التي يحتاجها: غسالة بصل كاملة/ مخرطة / هزاز/ ماكينة تجفيف/ كسارة/ غالية/ ميزان طبلية/ ماكينة تعبئة نصف آلية، وكلها غير معقدة كما أن نوعية البصل المصري وتصل نسبة المواد الصلبة به 18%.

دعم المزارعين ضروري لمواجهة الخسائر

تطالب نقابة الفلاحين بدعم مزارعي البصل وتعويضهم عن الخسائر الكبيرة التي يتعرضون لها. والاهتمام بمصانع تصنيع وتجهيز البصل للاستهلاك المحلي والتصدير ودعمهم. حتى لا تتأثر زراعات البصل على المدى البعيد خاصة أنها محصول تصديري مهم ومصدر للعملة الصعبة.

بلغت صادرات البصل الجاف نحو 175 مليون دولار عام 2020. رغم حالة الركود الاقتصادي العالمي بسبب جائحة كورونا والتغير المناخي.

تصل نسبة الزراعة المصرية ما بين 190 و200 ألف فدان. تنتج بين 2.8 و3 ملايين طن، يتم منها تصدير ما بين 350 و450 ألف طن في صورة طازجة. وما بين 16 و20 ألف طن بصل مجفف للخارج.

السعودية جاءت في مقدمة الدول المستوردة للبصل المصري تليها روسيا ثم هولندا بصادرات بلغت نحو: 256.2، و58.8 ، و31.3 ألف طن.

توصي الدراسات الأكاديمية بضرورة الاهتمام بأسواق التصدير المهمة مثل السعودية وروسيا وهولندا لضمان استقرار الكميات المصدرة والعمل على زيادة هذه الكميات، والاهتمام بدراسة أسواق الدول المنافسة لمصر خاصة من حيث أسعار وتمور التصدير.

كما تدعو إلى تشجيع الزراعة التعاقدية للمحاصيل التصديرية لضمان قيام المزارع ببيع محصوله. والعمل على استقرار المساحة المزروعة وسعر المزرعة والإنتاج المحلي لمحصول البصل لإحداث نوع من الاستقرار الاقتصادي في صادراتها.