فرضت أزمة الحرب الروسية الأوكرانية نفسها على الأحداث العالمية اليوم. ذلك بسبب التداخلات من أطراف دولية عديدة في الصراع. ونحن في هذه المقالة لا نتحدث عن السبب أو التأثير السياسي للأزمة. وإنما ننظر لها من منظور اقتصادي بحت. حتى يتثنى لنا الحكم وتوقع مدة استمرار هذا الصراع من عدمه. وهل سيتحمل العالم كل هذه التكاليف؟

الطرف الأول والأقوى في الصراع هو روسيا التي تتحكم في تحريك الحدث. ذلك بما تملكه من أدوات وكروت ضغط قوية جدًا أمام الاتحاد الأوروبي وأمريكا. بل والعالم كله. وسوف تتخطى هذه الأزمة القارة الأوروبية لتؤثر على الاقتصاد العالمي كله.

ففي مجال الطاقة، تأتي روسيا في المركز الثاني عالميًا بعد السعودية كأكبر مصدر للنفط على مستوى العالم، بحوالي 72.6 مليار دولار. كما يحصل الاتحاد الأوروبي على 27% من احتياجاته من النفط الخام من روسيا وحدها كأكبر مصدر للنفط للاتحاد الأوروبي. وهي أول أداة ضغط في يد روسيا.

أما بالنسبة للغاز الروسي، فتعتبر روسيا أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم 2020. ذلك بحوالي 240 مليار متر مكعب، وبفارق كبير عن أقرب منافسيه وهي الولايات المتحدة الأمريكية. ويحصل الاتحاد الأوروبي على 41.1% من احتياجاته من الغاز الطبيعي من روسيا وحدها، بفارق كبير أيضًا عن أقرب منافسيه. وهذا ثاني كارت في يد روسيا، وهو من محاور الصراع الحالي.

لذلك، فإن تأثير الحرب الروسية سوف يتخطى جميع الخطوط على مستوى العالم. وقد وصلت زيادة سعر النفط إلى مستويات قياسية لم تحدث منذ سنوات. ليتخطى سعر البرميل 102 دولار خلال الساعات الأولى منذ بداية الصراع. ذلك بنسبة زيادة حوالي 6% كما هو موضح في الشكل القادم:

كما ارتفعت أسعار الغاز بنسبة حوالي 4%  ليتخطي 4.5 دولار كما هو موضح في الشكل القادم:

أما على مستوى أسعار السلع الزراعية فتاتي روسيا وأوكرانيا كأكبر مصدرين للقمح عالمية. ذلك بعد الصين، ويبلغ إجمالي إنتاج القمح على مستوى العالم 780 مليون طن، تنتج الصين منه 134 مليون في المرتبة الأولى. ثم تأتي بعدها روسيا في المركز الثاني بقيمة 86 مليون طن، ثم ثالثًا أوكرانيا بحوالي 26 مليون طن.

وقد زادت أسعار القمح عالميًا بنسبة تصل إلى 6% منذ بداية التوترات بين روسيا وأوكرانيا، ووصل السعر اليوم مع بداية الحرب بينهما إلى أعلى مستوى له في 9 سنوات.

وفي الأصل يلاحظ أنه كانت هناك مشكلة كبيرة في إنتاج القمح وسلاسل الإمداد بعد أزمة جائحة كورونا. فما بالكم بأزمه وصراع بصورة مباشرة بين أكبر مصدري القمح على مستوى العالم.

في حين قفزت أسعار الذرة إلى أعلى مستوى في ثمانية أشهر، وارتفعت الذرة 5.1% إلى 7.16 دولارات للبوشل (وهو مكيال للحبوب)، مسجلة أعلى مستوى منذ 10 يونيو. كما زادت عقود فول الصويا لشهر مايو بحوالي 4.2% إلى 17.41 دولارًا. وبالمثل، زادت أسعار الكثير من المعادن، والفحم عالميًا بخلاف السلع الزراعية. حيث تعتبر أوكرانيا من أكبر دول أوروبا في إنتاجها.

كما يتغير سعر الذهب تقريبًا كل ساعة عن الأخرى بسبب التوترات العالمية. حيث يعتبر الملاذ الآمن للاستثمار وللحفاظ على قيمة الثروة والاحتياطي.

كل ذلك يدل على أن أزمة الحرب الروسية الأوكرانية سوف تلقي بظلالها على اقتصاديات العالم ككل وليس على دول الصراع فحسب. فهل يتحمل الاقتصاد العالمي تكلفة هذا الصراع وتزيد أطراف الصراع لتنضم دول أخرى له؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحمد رشدي ناصف
أحمد رشدي ناصف

أحمد رشدي ناصف باحث ماجستير اقتصاد بكلية الدراسات الأفريقية العليا -قسم الساياسة والاقتصاد- جامعة القاهرة