سجلت أسعار النفط مستوى قياسيًا مع اشتعال الأزمة الأوكرانية، لتبلغ 100 دولار للبرميل في أعلى سعر منذ 8 سنوات. وسط تجاهل من السعودية لدعوات الولايات المتحدة بعدم ضخ المزيد من الخام لضبط الأسعار في السوق.

قالت صحيفة “وول ستريت” الأمريكية، إن السعودية كانت أمام معضلة: إما مساعدة الغرب عبر ضخ المزيد من النفط الخام لترويض السوق، وأما الوقوف بجانب تحالف نفطي عمره خمس سنوات، يساعد موسكو على حساب واشنطن “تقصد أوبك +”.

دعا الرئيس بايدن مرارًا وتكرارًا المنتجين بالخليج العربي إلى ضخ المزيد من النفط لخفض أسعار البنزين التي بلغت بالنسبة للأمريكيين، ضعف ما كانت عليه قبل وباء كورونا.

بدلاً من ذلك، قال السعوديون إنهم لن يضخوا أكثر مما اتفقوا عليه العام الماضي. وذلك في إطار اتفاق بين منظمة البلدان المصدرة للبترول وروسيا، وهو تحالف يسمى “أوبك +”. ويسمح الاتفاق بزيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميًا كل شهر. لكنه لم يفعل شيئًا يذكر لوقف ارتفاع أسعار النفط. لكن السعوديون ضخوا أقل من حصتهم، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.

السعودية متمسكة بالوقوف إلى جانب الروس

أضافت الصحيفة أنه حتى الوقت الحالي لا تزال السعودية أكبر مصدر للنفط الخام في العالم متمسكة بروسيا. ذلك رغم ارتفاع خام برنت القياسي العالمي للنفط بنسبة 22% هذا العام.

في روسيا، التي تضخ حوالي 10% من النفط العالمي، ستعزز الأسعار المرتفعة إيرادات الدولة وتساعد في توفير حاجز ضد العقوبات الغربية. لكن في الولايات المتحدة، أدى ارتفاع أسعار الطاقة إلى إذكاء التضخم. كما أضر بأرقام استطلاعات رأي بايدن، وعقد قدرة الغرب على فرض العقوبات.

يمكن للمملكة العربية السعودية أن تخفض الأسعار لأنها لا تضخ بكامل طاقتها البالغة حوالي 12 مليون برميل يوميًا. وتنتج حاليًا حوالي 10 ملايين برميل فقط. ويمكن أن تصل إلى طاقتها الكاملة خلال ثلاثة أشهر فقط

يقول خبراء بسوق النفط إن أي إشارة على استعدادها للقيام بذلك ستؤدي على الأرجح إلى انخفاض أسعار النفط.

قال البيت الأبيض إن بايدن اتصل بالملك سلمان الأسبوع الماضي للحديث عن مجموعة من قضايا الشرق الأوسط. بما في ذلك “ضمان استقرار إمدادات الطاقة العالمية”. وبعد وقت قصير من المكالمة، سلط بيان صادر عن الملك سلمان الضوء على دور اتفاقية “أوبك +” التاريخية. قال إنه من المهم التمسك باتفاقها.

في منتدى الطاقة الدولي بالرياض، دعا فاتح بيرول رئيس وكالة الطاقة الدولية، التي تضم الولايات المتحدة “أوبك +”، إلى ضخ المزيد من النفط، في وقت كان فيه بريت ماكجورك، منسق إدارة بايدن للشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، ومبعوث وزارة الخارجية لشئون الطاقة عاموس هوشستين، بالرياض أيضًا.

خوف من تقلبات الأسواق أم عقاب سعودي لأمريكا

في لقاء خاص، رفض وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان الدعوات لضخ المزيد من النفط. موضحًا أن إعادة التفاوض بشأن الحصص بين أعضاء أوبك يخاطر بإحداث تقلبات في أسواق النفط، بدلًا من استقرارها.

وقال مندوب في أوبك للصحيفة الأمريكية: “السعودية ليست على نفس الجهة مع الولايات المتحدة حاليًا.. ونعلم جميعًا أنهم غير مستعدين للتعاون مع واشنطن لتهدئة السوق”.

قال مسؤولون أمريكيون وأوروبيون إن العقوبات المفروضة على صناعات النفط والغاز الروسية لم يتم النظر فيها الآن. وهو اعتراف بأن مثل هذه الإجراءات ستؤدي إلى زيادات غير مستدامة في الأسعار. ولكن حتى العقوبات ضد البنوك الروسية وغيرها من القطاعات يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات في إمدادات الطاقة لأن تجار النفط والغاز قد يتراجعون عن مخاطر العمل مع دولة خاضعة للعقوبات.

يقول الخبراء إن العقوبات الغربية التي تجري مناقشتها قد تقطع نحو 7٪ من إمدادات النفط العالمية.

قال فرانك فانون، الذي شغل منصب رئيس مكتب الطاقة بوزارة الخارجية في إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، إن الأسعار المرتفعة ستساعد الرئيس الروسي من خلال تعزيز الاحتياطيات الأجنبية ودعم عملة “الروبل” في مواجهة العقوبات. وأضاف: “فلاديمير بوتين بحاجة إلى أوبك أكثر من أي وقت مضى”.

السعودية اهتزت ثقتها بالضمانات الأمريكية

كانت موسكو والرياض في السابق عدوين للحرب الباردة. وقد دخلتا في تحالف لإنتاج النفط عام 2016. ذلك عندما أبرمت روسيا وحوالي 12 دولة أخرى اتفاقًا مع أوبك لتنظيم الإنتاج. وأعطى الاتفاق نفوذًا جديدًا بالسوق لروسيا، أحد أكبر ثلاثة منتجين للنفط الخام بالعالم. كما ألزم السعودية، أكبر مصدر للنفط بالعالم بصفقات أبرمت مع موسكو.

بحسب الصحيفة، فإن الاتفاقية جاءت مع صعود ولي العهد السعودي الشاب محمد بن سلمان، الذي فقد الدعم السياسي في الدول الغربية بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي، وسجن وتعذيب ناشطات في مجال حقوق المرأة، والأزمة الإنسانية في الحرب الأهلية اليمنية التي تدخل فيها السعوديون، حسبما ذكرت الصحيفة الأمريكية نصًا.

وأضافت أن الأمير محمد بن سلمان أقام علاقات أوثق مع روسيا والصين. بينما يطالب أيضًا بمطالب الولايات المتحدة التي لم تلبيها واشنطن. بما في ذلك مقابلة شخصي فردية مع بايدن.

في الوقت نفسه، اهتزت ثقتهم في الضمانات الأمنية الأمريكية في دول الخليج العربي الغنية بالنفط. فالسعوديون، على سبيل المثال، شعروا بالقلق بعد استهداف أهم منشآتهم النفطية عام 2019. ذلك في هجوم ألقي باللوم فيه على إيران ولم ترد الولايات المتحدة عسكريًا.

لدى السعوديين أسباب وراء تحالفهم مع روسيا للتحرك بحذر في زيادة إمدادات النفط. وجهة النظر السعودية هي أنه لا يوجد اختلال في التوازن بين العرض والطلب في سوق النفط العالمي الذي يتطلب المزيد من الخام.

يشير تقرير أوبك إلى وجود فائض عالمي قدره 1.4 مليون برميل يوميًا في الربع الأول. ما يثير مخاوف من تخمة المعروض. وكان السعوديون حذرين بشأن التصرف بمفردهم لاستخدام قوتهم السوقية بالماضي. بما في ذلك عام 2008 عندما سمحوا للأسعار بالارتفاع لمستوى قياسي بلغ 147 دولارًا للبرميل. ذلك قبل أن تؤدي الأزمة المالية إلى انهيار السوق مرة أخرى.

إذا كان هناك ارتفاع في الأسعار مشابه لما حدث عام 2008، قال المسؤولون السعوديون إن بإمكانهم إعادة النظر وضخ المزيد من النفط حال شعورهم بأن الأسعار مرتفعة للغاية بحيث سيكون لها تأثير يخمد ارتفاعها على المدى الطويل للطلب.

لكن من غير الواضح ما الذي سيحتاج السعوديون لإعادة النظر فيه؟ فالأسعار المرتفعة تمنح للسعوديين سيولة ستساعد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على رؤية بعض مشاريعه الأكثر طموحًا. بما في ذلك التحول في اقتصاد البلاد المصمم لتعزيز الصناعات غير النفطية.