تعاني النساء يوميًا من أشكال مختلفة من العنف. وقد يكون هذا العنف مسرحه المنزل أو الشارع أو غيرهما. بينما إحدى المساحات التي يمارس فيها العنف ضد المرأة بشكل واسع تكون داخل المراكز الطبية المختلفة. حيث تقع النساء ضحايا ما يُطلق عليه “العنف الطبي”.

لمناقشة ودراسة مشكلة العنف الطبي ضد النساء، أصدر مركز التنمية والدعم والإعلام (دام) ورقة سياسات جديدة. وقد حملت عنوان “ألم فوق الألم: العنف الطبي ضد النساء في مصر”. ويستعرض فيها الباحث ماريو ميخائيل أشكال العنف المختلفة التي تتعرض لها النساء من قبل الأطباء في مصر.

الحق في السلامة الجسدية وعدم التعرض لمعاملة قاسية أو مهينة بأي شكل من الأشكال يُعرف بأنه أحد أبرز وأهم حقوق الإنسان الأساسية. وقد ذكر هذا الحق في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. وأهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

ويأتي الحق في الصحة كمادة رئيسية في نص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفيها “أن لكل إنسان الحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية التي من الممكن بلوغها”.

ولقد ذكرت الاتفاقيات الدولية المرأة بشكل خاص في نصوصها. فنصت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة على أن تتخذ الدول إجراءات لإنهاء التمييز ضد المرأة في الرعاية الصحية وتقديم الخدمات المناسبة لتحقيق المساواة بين الجنسين. بينما ذكر العهد بشكل خاص الخدمات المتعلقة بالحمل والولادة، وخدمات ما بعد الولادة.

أيضًا، نص الدستور المصري على التزام الدولة بحماية المرأة من كافة أشكال العنف. كما كفل الحق في الصحة والرعاية الصحية المتكاملة لكل المواطنين. وأكد الدستور كذلك على حرمة جسد الإنسان، واعتبر الاعتداء عليه أو تشويهه جريمة.

للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا

العنف الطبي.. الولادة القيصرية

إحدى أشهر أشكال العنف الطبي ضد النساء هو الإجبار على إجراء جراحات قيصرية بشكل مفرط. وهنا، يشير المسح السكاني الصحي أن نسبة الولادات القيصرية تزيد عن النصف. فيما يذكر تقرير لصحيفة “الجارديان” البريطانية، أن نسبة الولادات القيصرية في مصر تصل إلى 63%. وتقول منظمة الصحة العالمية إن المعدل المثالي للولادات القيصرية نسبته تتراوح بين 10% و15%.

ويلفت الباحث ماريو ميخائيل -في ورقته بـ”دام”- إلى خطورة تفشي الولادات القيصرية التي يجريها الأطباء بشكل غير مبرر. وهذا العنف له دوافع عدة أهمها الربحية والسرعة التي توفرها مثل هذه الولادات مقارنة بالطبيعية.

وينشر بعض الأطباء ثقافة خاطئة بين النساء بأن القيصرية أفضل وأسرع وأقل ألما من الولادات الطبيعية. ويظهر هذا استغلال الأطباء والمؤسسات الطبية ثقة النساء في سبيل التكسب على حساب صحة حالاتهم الجسدية والنفسية. وهو ما يمثل عنفًا في أخطر أشكاله.

أشكال متعددة من العنف الطبي ضد النساء

يشير الباحث أيضًا إلى تعدد أشكال العنف الذي تتعرض له النساء في الولادات القيصرية غير الضرورية. وهي تشمل التعنيف اللفظي داخل بعض المؤسسات الطبية. وأيضًا العنف الذي تقع ضحيته بعض النساء أثناء الولادة. ويتنوع بين تشويه الأعضاء التناسلية وإجراء كشوف عذرية واستهانة بالآلام. فضلًا عن التحرش والاعتداءات الجنسية والاحتجازات غير المبررة في المصحات النفسية.

وتلفت شهادات النساء في مصر إلى تفشي أشكال العنف الطبي، وبشكل خاص الاعتداء الجنسي على النساء والتحرش بهن داخل العيادات والمستشفيات. كما تشير إلى تعريض صحة النساء للخطر. ذلك بسبب التحيز الجندري في التشخيص ضد المرأة، والاستهانة بآلامهن.

كذلك، تشير الإحصاءات إلى أن نسبة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث على يد أطباء قد بلغت 72%. وفي أغلب الحالات يتم إضفاء شرعية طبية كاذبة على بعض الممارسات الضارة بالنساء. وهنا يستغل مرتكبو هذه الجرائم سلطتهم المعرفية والاجتماعية كأطباء وثقة النساء فيهن. وقد يشمل العنف الإجبار على تناول عقاقير أو احتجازات غير مبررة أو تحيز جندري ضد المرأة في التشخيص أو تعنيف وإيذاء أو اعتداءات جنسية صريحة.

توصيات للقضاء على العنف الطبي ضد النساء

في سبيل مواجهة العنف الطبي ضد النساء، يقدم الباحث في ورقة دام عددًا من التوصيات المهمة، وتشمل:

تثقيف النساء صحيًا بشكل عام، عبر الإعلام وفي المدارس والجامعات. بالإضافة إلى تنظيم حملات توعية في القرى والمدن، وبشكل خاص في الأمور التي تتعلق بصحة المرأة مثل الحمل والولادة وتشويه الأعضاء التناسلية.

أيضًا، يجب تشديد الرقابة على المؤسسات الصحية المختلفة، الخاص منها والعام. مع وضع برامج أكاديمية في الجامعات لتخريج “الميدوايف”، وإنشاء مراكز لتدريب “الدولا”. وكذلك نشر تلك المهن في مختلف المؤسسات الصحية. وتنظيم حملات توعية لنشر تلك الثقافة في المجتمع،

يجب جعل الخيار متاح أمام الأمهات لاختيار الطبيب أو “الميدوايف” لإجراء عملية الولادة. ذلك إلى جانب إنشاء مراكز خاصة بالولادة يعمل بها “الميدوايف” بشكل أساسي، إلى جانب أطباء للتدخل عند الضرورة.

توضي الورقة كذلك بمعاقبة ومحاسبة الأطباء الذين يجرون عمليات قيصرية دون مبرر طبي حقيقي، ومن يمارسون كافة أشكال العنف الطبي ضد المرأة. مع تشديد الرقابة والعقوبات بحقهم. وكذا معاقبة ومحاسبة مؤسسات الصحة النفسية التي تحتجز الفتيات دون مبررات طبية.

وتنصح الورقة بتشديد الرقابة على المؤسسات الطبية المختلفة لردع حوادث التحرش في المؤسسات الطبية والعيادات، ومحاكمة ومعاقبة المعتدين والمتحرشين من الأطباء الذين يستغلون مهنتهم بشكل ناجز وسريع. مع تشجيع النساء على الإبلاغ عن وقائع العنف والاعتداءات المختلفة من خلال حملات التوعية والاستجابة السريعة للبلاغات.

كما تؤكد على ضرورة تجريم كشوف العذرية بشكل واضح ومحاسبة مرتكبيها، إذا كانوا أطباء أو غير أطباء. على أن تقدم تدريبات خاصة للأطباء لتثقيفهم بالأمور التي تخص النوع الاجتماعي وعلاقتها بالطب.

للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا