يعلم دارسو تاريخ العلاقات الدولية أن المبدأ الحاكم في العلاقات الدولية هو مبدأ القوة. وقديما قال الرومان القوة تخلق الحق وتحميه. وأن القوى التي ترسل قواتها خارج حدودها هي القوى الكبرى التي تردع أي طرف عن مغامرة مواجهة القوة الكبرى. لذلك لن يتدخل الغرب عسكريا ضد روسيا في أوكرانيا. لاسيما بعد الوصول لأسلحة الدمار الشامل ووسائل توصليها لأي مكان والقدرة على التدمير الشامل المتبادل.
ولفهم خلفيات الصراع بين روسيا وأوكرانيا لابد من العودة إلى جذر المشكلة والتي ترجع إلى عهد الاتحاد السوفييتي وتحديدا في عهود لينين، ستالين وجورباتشوف ومن بعدهم الرئيس الروسي بوريس يلتسين. فلينين وستالين رأيا أن العدو الاول للشيوعية هي القومية. ومن أجل ضرب فكرة القومية قاما باقتطاع أقاليم من جمهوريات سوفييتية وألحقاها بجمهوريات أخرى بسكانها، اقتطاع القرم ومناطق في غرب روسيا وضمها إلى أوكرانيا. كما أن الغرب استغل ضعف الاتحاد السوفييتي. ثم روسيا في عهد يلتسين لضم دول من المعسكر الشرقي. بل ومن جمهوريات الاتحات السوفييتي إلى حلف الناتو.
مع استعادة روسيا لقوتها في عهد بوتين بدأ في لملمة أطراف بلاده ومحاولة إيجاد روابط مع جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، ومنع الناتو من التمدد شرقا إلى حدود بلاده، وحدد بالأساس جورجيا وأوكرانيا كخط أحمر لا يمكن ضمهما إلى الناتو.
وقف الغرب وراء نشر الفوضى في أوكرانيا عام 2014. فيما سمي الثورة البرتقالية للإطاحة بحكم الرئيس الأوكراني المتفهم للموقف الروسي. وأتوا بأحد عملائهم للحكم وهو الرئيس الحالي زيلينيسكي الذي بدأ في استفزاز روسيا والاعتداء على الروس في القرم وإقليم الدونباس.
رد بوتين بترتيب استفتاء في القرم وافق فيه 98% من السكان على الانضمام إلى روسيا فقام بوتين بالسيطرة على الإقليم عسكريا وضمه لروسيا. وهو إقليم روسي سبق أن اقتطعه ستالين من روسيا وضمه لأوكرانيا.
في عام 2014 تم توقيع اتفاق مينسك الذي نص على منح إقليم الدونباس حكما ذاتيا. وهو ما لم يطبقه الرئيس الاوكراني الحالي زيلينسكي. بل أمعن في التضييق على سكان الأقليم من أصل روسي.
لاحقا شجعت واشنطن زيلينسكي على استفزاز روسيا عبر طلب الانضمام للناتو والإمعان في التضييق على سكان الدونباس. وأعتقد واهما أن الغرب عامة وواشنطن خاصة سوف تساعده عسكريا وتمنع أي غزو روسي لبلاده، فواصل الاستفزاز بتشجيع أمريكي.
وجه بوتين رسائل عدة لأوكرنيا. ولكن رئيسها واصل الاستفزاز مراهنا على دعم غربي عسكري. فنفذ بوتين تهديداته وأرسل قواته إلى شرق أوكرانيا.
كل ما فعله الغرب هو الإدانة والاستنكار والتصريحات الزاعقة. لكنه أعلن أنه لن يتدخل عسكريا مطلقا. على أساس أن أوكرانيا ليست عضوا في الحلف. وبموجب المادة الخامسة من معاهدة الحلف فإن مبدأ الدفاع الجماعي يخص الدول الأعضاء في الحلف فقط. ومن ثم أرسلت دول الحلف تعزيزات عسكرية إلى دول شرق أوروبا الأعضاء في الحلف مثل بولندا والمجر ودول البلطيق الثلاث أستونيا، لاتفيا وليتوانيا.
إذا استمر القتال فإن بوتين سوف يحقق ما يريد ويعيد ترتيب قواعد اللعبة لعالم متعدد الأقطاب ولن تنضم أوكرانيا للناتو ولن يعود الدونباس لها، وهذا هو حال من يراهن على واشنطن وتحديدا من يحاول استفزاز روسيا بوتين.
حياد أوكرانيا.. هو الحل
بعد مشاهدة المؤتمر الصحفي للأمين العام لحلف الناتو مساء الجمعة ٢٥ فبراير واندفاعه في الحديث عن خطط الحلف لتقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا بدأت الطلقة الأولى لاحتمال اتساع الحرب وتحولها إلى حرب عالمية مدمرة للجميع.
لذلك أعتقد أن تبني أي دولة رئيسية في أوروبا لمفاوضات روسية أوكرانية تنهض على إعلان أوكرانيا دولة محايدة لا هي شرقية ولا غربية، تتبع الحياد على النمط السويسري ولا تمتلك أسلحة نووية ولا توقع اتفاقات للدفاع المشترك مع أي دولة ولا تنضم للناتو يمثل المخرج المقبول من الحرب الحالية ويمهد لسلام دائم في المنطقة. الرئيس الأوكراني ألمح إلى استعداه لبحث هذه الفكرة.. روسيا وافقت على مفاوضات في مينسك، الرفض جاء من الغرب، واشنطن ولندن، وأتصور أن الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا تؤيد هذه الفكرة.
لذلك اعتقد ان التحرك المطلوب لابد ان يأتي من قبل طرف له مصداقية فيطرح هذه الفكرة ويدعو لمفاوضات فورية لحياد اوكرنيا، وفي تقديري انه حل كفيل بوقف طاحونة الحرب ومنع حدوث سيناريو كارثي بتدخل الناتو فتتحول هذه الحرب إلى حرب عالمية بين دول نووية يكتوي بنيرانها العالم أجمع.