ها هو خامس يوم للحرب الروسية على أوكرانيا. انطلقت صافرات الإنذار المدوية في أنحاء البلاد مصدرة رعبا عالميا لا أحد يعرف متى ينتهي.
آلات حربية ثقيلة اجتاحت أوكرانيا. وسط قلق وهلع المدنيين من مختلف الجنسيات. يهيمون في الأراضي الأوكرانية لبلوغ حدودها للهرب من ويلات الحرب.
مصريون مقسمون بين مقيمين وطلبة. انطلقت طلبات الاستغاثة من جانبهم لمحاولة مساعدتهم في التوصل إلى اتفاقات مع السفارة المصرية بشأن إجلائهم لعودتهم إلى بلاهم. وتسهيل دخولهم للدول المجاورة.
من أمام أحد الملاجئ أمس استقر “ياسين” للعبور إلى بولندا مع زوجته وأطفاله: “بعد تأزم الوضع في كييف لم يعد للانتظار سبيل. انطلقنا إلى الحدود وفي انتظار الإذن لنا بالعبور”.
عبد المنعم حاول العودة ومنعته حرب أوكرانيا
من أمام نافذته حيث تستقر عيناه بالتحليق إلى السماء لمراقبة الأجواء. يقف الطالب “عبد المنعم” متسائلا: هل أبقى في مكاني منتظرا الدعم الرسمي أم ألجأ إلى دولة أخرى؟
انتهى “عبد المنعم” من حصوله على شهادة الطب. وقرر العودة لموطنه ولكنه عقب وصوله إلى مطار كييف لم ينجح في بلوغ طائرته إذ وقعت الحرب. “طلبنا من الركاب التوجه إلى terminal في أسرع وقت. نظرنا إلى السماء فوجئنا بضرب موجه قرب المطار مما أحدث رجة عنيفة بجدرانه”.
عاود الطبيب حديث التخرج إلى منزل أصدقائه في كيرفوغراد. ليكون بعيدا عن ضربات القوات الروسية. منتظرا محاولات السفارة المصرية لإجلاء الطلبة.
وكانت السلطات الأوكرانية أعلنت السبت تمديد فترة حظر التجول في العاصمة كييف للسيطرة على الحركة والأمن في العاصمة التي تشهد تمدد الجيش الروسي فيها.
علي فاروق -رئيس الجالية المصرية في كييف- أعلن خلال لقائه بأحد البرامج الحوارية أن عدد الجالية المصرية يتراوح بين 5 آلاف و6 آلاف.
لا أستطيع الفرار
شمال مدينة دونيتسك في مدينة أفديفكا على الحدود الأوكرانية عاش عمرو أحمد في منزله قرب الحدود الروسية. في قلق بالغ وخوف من المجهول الذي ينتظره وأسرته. فيوميا يستمع إلى أصوات المدافع وقذائف الدبابات تحيط بمنزله. ولا يزال يتبع تعليمات السفارة المصرية بالبقاء في منزله.
وعن الوضع الحالي في خامس أيام الحرب يحكي: “من العاشرة مساء إلى السادسة صباحا ضرب نار متواصل بالمدافع والدبابات. الوضع ليس سهلا”.
لم يغمض “عمرو” عينا حتى يطلع النهار. ومدينته في حالة هيستريا: “القذيفة حين تنزل على الأرض بتهز المنازل. كله ملتزم بمنزله”.
لا يجد سبيلا للجوء إلى دولة أخرى نظرا لبعد المسافة: “ماينفعش ننزل من البيوت ولا نقرب من الحدود. محتاج 3 أيام سفر بالقطر لأصل إلى بولندا. ومن يعيش في كييف يحتاج 13 أو 14 ساعة. وللوصول إلى حدود رومانيا من 10 لـ 12 ساعة”.
يحاول “عمرو” وصف وضع الجالية المصرية. حيث يقع عمله في بلدة حدودية منفردا دون جالية مصرية تحيط به. مما يجعل نصيبه من القلق مضاعفا: “مفاجأة مفزعة وإحساس صعب أنا وزوجتي وأولادي في قلق. ومش قادر أتصرف لحمايتهم”.
مخابئ أوكرانيا
مراقبة الأجواء من نافذة شقته هو ما يتسلح به “عمرو” متخذا موضعه من الصمود كجندي على الحدود. بجانبه جواز سفره وملابسه الشتوية الثقيلة ولكنه لم يعلم أين سيختبئ إن ساءت الأوضاع. “في بيتي لا يوجد مخبأ. المخابئ في أماكن محدودة في أوكرانيا ولا أعلم شيئا عنها. لم أرها من قبل”.
تبدلت الحياة الطبيعية رأسا عن عقب بعد اعتزام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شن هجوم شامل على أوكرانيا. بعدما تصاعدت حدة القصف على خط المواجهة في شرق أوكرانيا. ونشر القوات الروسية تحت اسم “قوات لحفظ السلام”.
توغلت آثار الحرب إلى المنازل محدثه أضرارا مادية. ارتفعت أسعار المواد الغذائية للضعف.
يحكي “عمرو”: “أزمة مالية كبيرة. لا يوجد دخل. وأغلب المحال أغلقت أبوابها. والمتاح منه الأسر بتشتري الأكل والمنتجات بأي أسعار. هناك تزاحم رهيب على جمع المواد الغذائية وننتتظر في طوابير بالساعات. بجانب خلو ماكينات الصراف الآلي من النقود وعدم صرف مرتبات شهر فبراير”.
ترك “عمرو” مهنته في مصر ليؤمن لأسرته معيشة مستقرة. ليجد نفسه بعد 10 سنوات محاصرا: “لا أستطع اتخاذ قرار حتى الآن. المواصلات معلقة وكذلك المطارات”. مشيرا إلى أن “النجاح للوصول إلى بولندا ليس سهلا لبعدها ولاستمرار الضرب في كل مكان”.
مخاوف الطلاب
وتحت عنوان “الطلاب المصريين في أوكرانيا” شارك الطلبة مخاوفهم مما يحدث من حولهم. بجانب تساؤلات عن كيفية عودتهم إلى بلادهم. “بدأت الحرب في كل مكان. إحنا في رعب. عاوزين نرجع بلدنا بأمان. مش عارفين نعمل إيه؟”.
تلك كانت استغاثات الطلبة المصريين في أوكرانيا والذين يتابعون الموقف عن قرب فلم يشهدوا حربا من قبل إلا من خلال دراستهم. سمعوا عنها فقط.
وبالقرب من وقوع الانفجارات بخاركوف وصف “عادل” الوضع الذي عايشه 3 أيام ببالغ الخطورة. قبل أن يقرر الفرار إلى الحدود البولندية في رحلة استمرت 12 ساعة بالقطار.
كان “عادل” -الطالب بالجامعة- وأصدقاؤه يفكرون في الهروب من ويل الحرب التي كانت قريبة من منزله: “تركت منزلي من شدة الانفجارات وذهبت لمنزل أصدقائي في البداية. ولكننا قررنا السفر للعودة إلى مصر للحفاظ على حياتنا”.
مساعدات مصرية فردية
أمام كل ما عايشه المصريون في أوكرانيا -مقيمين وطلبة- لم يتخل عنهم المصريون في الدول المجاورة. فقد أطلق محمد الصاوي مبادرة لاستقبال المصريين بموسكو في منزله. بعد أن انطلقت سخرية عدد من المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن الحرب والفتيات الأوكرانيات: “شعرت بأن عليّ جزءا من المسؤولية تجاه إخوت بمساعدتهم للوصول إلى مصر كجالية مصرية موجودة خارج مصر”.
وأشار “الصاوي” إلى أن عددا من المصريين على الحدود الروسية نجحوا في التواصل معه: “سأقوم بتوصليهم إلى المطار عقب دخولهم إلى روسيا ومساعدتهم في الحصول على تذاكر الطيران. ومن يحتاج للإقامة في موسكو يشرفني أستضيفه في منزلي دون أي مقابل”.
عديد من الدعوات أطلقها أبناء الجالية المصرية لحماية ذويهم في أوكرانيا ولتقديم المساعدات المختلفة. فمن رومانيا كتب الشاب عبد الرحمن إيهاب إنه يسكن في رومانيا تحديدا في العاصمة بوخارست: “من يحتاج إلى مكان للإقامة المؤقتة يتواصل معي”.