قطعت الدولة شوطا كبيرا في الاهتمام بحقوق ذوي القدرات الخاصة منذ ثورة 25 يناير. وأكدتها بمجموعة ضمانات تشريعية في عام 2018 خاصة القانون رقم 10. لكنها لا تزال غير كافية لتمكينهم ودمجهم نفسيا واجتماعيا. فرغم إيجابية هذه النصوص القانونية فلا تزال بحاجة إلى تفعيل واقعي لتحقيق ما جاءت به.

فكثير من ذوي القدرات الخاصة يعانون قصورا في المعاملة التشريعية والجنائية معهم. وخاصة في مراحل الدعوى الجنائية المختلفة والتى تشمل القبض والتحقيق والحبس الاحتياطي والمحاكمة وتنفيذ العقوبات. حيث تغيب السياسة القانونية والجنائية الملائمة مع ظروف الإعاقة التى يعانونها. سواء كانوا متهمين أو مجنيا عليهم.

وتحتاج الحقوق الدستورية والقانونية للأشخاص ذوى القدرات الخاصة لتفعيل ووضع حماية جنائية لهم من الجناة والمجنى عليهم ومؤسسات رسمية وغير رسمية لتخفيف أثر الأوضاع الاجتماعية والمعيشية عليهم. بالإضافة إلى تأهيلهم تحديدا لتخفيف الآثار النفسية والصحية الناجمة عن الإعاقة وعلاقتها بارتكاب الجريمة أو التعرض لها.

أرقام رسمية عن ذوي القدرات الخاصة

تتضارب الأرقام الرسمية حول عدد الأشخاص ذوي القدرات الخاصة في مصر. فوفقا للدكتور أشرف مرعي -المشرف العام على المجلس القومي لشؤون الأشخاص ذوي القدرات الخاصة- فإن هذه الفئة تُشكل 11% من المجتمع. بينما قالت الهيئة العامة للاستعلامات إن الدولة طرحت “بطاقة الخدمات المتكاملة” ليستفيد منها 13 مليون معاقا. وهو ما يُمثل نسبة 12.7% من المجتمع وينتفع بها البعض لتصل إلى 20 مليون نسمة من تعداد سكان مصر.

ووفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن نسبة ذوي القدرات الخاصة في مصر تبلغ 10.5% من إجمالي تعداد السكان. وذلك طبقا للمسح الديمغرافي في 2017. إذ بلغت أعداد ذوي الإعاقة 8.636 مليون شخص. منهم 6.608 مليون شخص لديه صعوبة بسيطة. و1.636 مليون شخص لديه صعوبة كبيرة و390.9 ألف شخص لديه صعوبة مطلقة.

تأتي محافظة القاهرة في مقدمة محافظات الجمهورية من حيث أعداد ذوي الصعوبات بنحو 237 ألف شخص. تليها الجيزة بـ160 ألف شخص ثم الشرقية بـ155 ألفا ثم المنيا بـ140.7 ألف. ثم محافظة الدقهلية 138.7 ألف والإسكندرية 118.8 ألف والقليوبية 112.9 ألف. وبعدها سوهاج 103.6 ألف شخص ثم أسيوط 102.2 ألف شخص.

صعوبة الإبلاغ

لا يحظى ذوو القدرات الخاصة بمساواة في المعاملة الجنائية داخل أماكن الاحتجاز والحبس وأقسام الشرطة حال تعرضهم لاعتداءات جنائية مثل الأشخاص الطبيعيين. ووفقا لنادية هادي -إخصائية تخاطب- فإن ذوي الهمم يواجهون صعوبة في الإبلاغ عن الجرائم التي تحدث ضدهم بأقسام الشرطة. وذلك  لعدم توافر خبير أو متخصص يستطيع المعاق أن يسرد له ما حدث معه. ولا يوجد ضباط أو شرطي مدرب علي التعامل مع مثل هذه الوقائع.

ولفتت إلى أن ذوي القدرات الخاصة يعانون التمييز في الإبلاغ ضدهم. ولا يستطيعون إثبات الوقائع. حيث يقع بعضهم تحت تأثير النصب والاحتيال والخداع بسهولة استغلالا لظروفهم الصحية.

وذكرت أن أبرز الجرائم التي يتعرض لها هؤلاء هي جريمة الاستغلال الجنسي والتحرش للنساء. والسرقة والنصب والتوقيع على إيصالات دون رصيد خاصة لمن يعانون فقدان البصر. إضافة إلى التنمر الذي اعتبرته “سلوك عام ضدهم”. وطالبت بتوفير بيئة آمنة لذوي الهمم لحمايتهم من التعرض لمثل هذه الجرائم وتفعيل التشريعات الخاصة بذلك لضمان حمايتهم.

رصد المعوقات

وفي دراسة له رصد المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بعض المعوقات التي يتعرض لها ذوو القدرات الخاصة. وذكرت الدراسة أنه لا توجد في المجتمع معرفة كافية بحقوق الأشخاص المعاقين. حيث تلعب الإعاقات دورا كبيرا في تسهيل ارتكاب الجرائم ضد ذوي القدرات. لذلك يحتاجون إلى معاملة جنائية مميزة لأن الإعاقة تؤثر على البناء النفسي للشخص المعاق وعلى إدراكه لذاته.

وأكدت الدراسة شيوع بعض أنماط التفكير الإجرامي عند بعض مرتكبي الجرائم من المعاقين. لذلك يحتاج هؤلاء الأشخاص وأسرهم إلى تأهيل نفسي للتكيف مع ظروف الإعاقة والتغلب عليها.

وأشارت إلى أن بعض الجمعيات الأهلية الفاعلة في مجال حقوق المعاقين تعاني قلة التمويل اللازم لإعداد برامج تأهيل وحماية للأشخاص المعاقين. كما لا يوجد تميز إيجابي لهم في المؤسسات التعليمية. فيما تلعب الأسر دورا كبيرا في بث الشعور بالثقة لديهم.

ضمانات دستورية وقانونية

وذكر الدكتور خالد حنفي -المحامي وعضو البرلمان السابق- مجموعة ضمانات تشريعة ودستورية لحقوق ذوي القدرات الخاصة. منها وجود فصل كامل في القانون لحمايتهم. وذلك من المادة 53 إلى 56 من الدستور. وتنص على أن المواطنين أمام القانون سواء في الحقوق والواجبات العامة ولا فرق بينهم على أساس اللون أو الجنس أو الدين والانتماء السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي ومن هؤلاء ذوو الإعاقة.

ولفت إلى أن المادة 54 تتضمن الضمانات الواجب توافرها للشخص من ذوي الإعاقة حال التحقيق معه أمام النيابة العامة. بتوفير المساعدة اللازمة له أثناء التحقيق أو الإبلاغ وتنص المادة 56 على تهيئة أماكن الاحتجاز لذوي الإعاقة وتوفير الإتاحة اللازمة في أماكن الاحتباس.

وجاء القانون رقم 10 لسنة 2018 في بعض مواده -من المادة 35 -37 ليؤكد ضرورة توفير المساعدة اللازمة للشخص المعاق. سواء كان مجنيا عليه أو متهما. حيث تنص المادة 37 على ضرورة إخطار المجلس القومي للإعاقة حال تعرض هؤلاء للجرائم أو عند القبض عليهم.

تجميد التفعيل

يعود خالد حنفي ليؤكد أن هذه الضمانات رغم وجودها في الدستور والقانون لكنها غير مفعلة. خاصة فيما يتعلق بالمادة رقم 35 والتي تنص على توفير المساعدة للأشخاص ذوي القدرات. فلم يحدد القانون من سيتحمل تكلف هذه المساعدة. لافتا إلى أنه قد يحتاج إلى مترجم إذا كان من ذوي الإعاقة السمعية أو إلى إخصائي نفسي إذا كان من ذوي الإعاقة الذهنية حسب نوع الإعاقة وما يترتب عليها من نوع المساعدة.

وقال لــ”مصر 360″ إن القانون لم يحسم مَن المكلف بتكلفة نفقات المساعدة الجنائية لذوي القدرات. مشيرا إلى أن دور المجلس القومي للإعاقة يتوقف عند الإخطار بمثل هذه الأحداث ولم يحدد دور المجلس في المساعدة.

وأكد أن المجلس القومي للإعاقة ليس من بين اختصاصاته تقديم هذه المساعدات. مبينا أن المجلس ليس لديه كوادر متخصصة من العاملين أو خبراء يمكن الدفع بهم لمساعدة هؤلاء الأفراد حال تعرضهم للجنايات. فلا يوجد لديه كوادر طبية وإخصائيون نفسيون أو مترجمو إشارة لأنه ليس مختصا باعتماد لغة الإشارة.

وأوضح أن هذا القصور تنفيذي يظهر عند تعرض أحد هؤلاء لبعض الجرائم مثل السرقة أو الاعتداء فيتوجه إلى القسم دون معرفة أهله أو المجلس فيتعثر الإبلاغ عن الواقعة. لأن أفراد الأمن غير مدربين على التعامل مع هذه الحالات. ما يؤدي إلى ضياع حق ذوي القدرات الخاصة في هذه الحالة.

وألقى “حنفي” بالمسؤولية على السلطة التفيذية في تحديد تلك الاختصاصات وتنفيذها ووضعها محل الاهتمام. لأن دور المشرع يتوقف عند وضع القانون. لكن آليات التنفيذ تقع على السلطة التنفيذية حيث تحدد اللائحة كيفية تنفيذ النص القانوني. مشيرا إلى وجود قصور في دور مؤسسات المجتمع المدني فيما يتعلق بهذا الشق المتعلق بالمساعدة الجنائية للمعاقين.

وذكر أبرز الجرائم التي يتعرض لها ذوو الهمم وهي التنمر بكل أشكاله والاغتصاب والتحرش خاصة في حالات الإعاقة الذهنية والبصرية. لأن المجني عليها في الغالب لا تستطيع التعرف على الجاني أو إثبات الوقعة. فيما أشار إلى ضعف الوعي بحقوق ذوي القدرات الخاصة والاعتبارات الاجتماعية والقانونية عند الغالبية منهم. خاصة في الإعاقات الذهنية ـتجعلهم يقعون في جريمة الزنا والاستغلال الجنسي وهم لا يعلمون أنها جريمة يعاقب عليه القانون.

دور الجمعيات الأهلية

يقول طلعت عبد القوي -رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية- إن هناك العديد من الجمعيات الأهلية المنتشرة في مصر تعمل على تدريب ومد ذوي الاحتياجات الخاصة بالمعلومات الكافية المتعلقة بالقضايا. وتعريفهم بحقوقهم عن طريق إعادة دمجهم وتأهيلهم نفسيا واجتماعيا.

بعض هذه الجمعيات -حسب “عبدالقوي”- متخصص في أنواع معينة من الإعاقات -ذهنية أو سمعية أو بصرية وغيرها من الإعاقات. إذ تخصص لهم برامج وأنشطة لرفع قدراتهم في التعامل مع المجتمع. لافتا إلى زيادة الاهتمام بذوي القدرات الخاصة بعد سنة 2018. حيث أعطيت مزايا للمعاقين لم تكن موجودة من قبل. إضافة إلى اهتمام الدولة الحالي بأصحاب الإعاقات.

وذكر مجموعة من البرامج لدعم المساعدة من صندوق “قادرون باختلاف”. وتابع: “هناك مجموعة قوانين في البرلمان تناقش حاليا لتغيير اسم صندوق دعم ذوي الإعاقة إلي دعم قادرون باختلاف”. وذلك حتى يتسنى له الصرف على الأنشطة المتعلقة بذوي القدرات الخاصة. ومنها المساعدات الجنائية.

اقتراحات

وطالب المحامي خالد حنفي بتعديل اللائحة التنفيذية للقانون 35 بأن تحدد من سيقوم بهذه المساعدة لتنفيذ هذه الالتزامات وكيف يقوم بها. على أن تشمل وحدات حقوق الإنسان بالداخلية كوادر من المتخصصين في التعامل مع ذوي الإعاقة واستدعاء المناسب منهم مع نوع الإعاقة لترجمة ما حدث وتفسيره.

بالإضافة إلى أن يكون هناك تحرك من أجهزة الدولة المختلفة -وعلى رأسها النائب العام والمجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة ووزارة الداخلية والتضامن الاجتماعي والجهات ذات الصلة- لوضع شكل من أشكال التشارك في تقديم الدعم والمساعدة لتلك الفئات. فيما أكدت دراسة “القومي للبحوث الجنائية” ضرورة وضع برامج ومناهج تربوية تحارب فكرة التمييز ضد المعاقين. وتوعية المواطنين بحقوقهم وتوعية وتدريب الأسر على أساليب المعاملة الأمثل لهم.

وكذلك تشجيع البحث العلمية في مجال الإعاقة والدمج التربوي والمجتمعي للأشخاص ذوي الهمم وتوفير رعاية صحية متكاملة على نفقة الدولة وتوفير الإخصائيين الاجتماعيين والنفسيين لتنفيذ برامج الإصلاح اللازم لهم.

ونبهت الدراسة إلى ضرورة إقرار مجموعة بدائل عقابية لمرتكبي الجريمة كإجراء تعديل تشريعي يسمح بالإفراج عن ذوي الإعاقة بعد انقضاء نصف المدة. بالإضافة إلى وضع آجال محددة لإصدار أحكام نهائية للأشخاص ذوي القدرات الخاصة. وتخصيص أماكن مناسبة لهم لقضاء مدة العقوبة وتأهيلهم خلال العقوبة للتكيف مع المجتمع وتدريب العاملين بالجمعيات الأهلية المختصة على المهارات الفعالة للتواصل معهم وتوعيتهم بالقانون. وضرورة تغليظ العقوبات المفروضة على كل من يرتكب جريمة ضد الأشخاص المعاقين.