بعد سنوات من الإهمال والتجاهل لتراكم نفايات البلاستيك في بيئة الأرض، تجتمع جمعية البيئة التابعة للأمم المتحدة في نيروبي- كينيا في الفترة من 28 فبراير إلى 2 مارس القادم، على أمل صياغة أول معاهدة دولية للسيطرة على التلوث بالبلاستيك في العالم. فهل تستحق نفايات البلاستيك كل هذا الاهتمام؟ وهل تنجح الدورة الخامسة لجمعية البيئة للأمم المتحدة في التوصل إلى معاهدة دولية للسيطرة على التلوث بالبلاستيك؟

البداية

عرف الإنسان استخدام وتشكيل البوليمرات الطبيعية ومنها المطاط منذ عصور ما قبل التاريخ، لكن استخدام البوليمرات الاصطناعية، لم يبدأ إلا  في القرن التاسع عشر، بعد اكتشاف البوليسترين ومعالجة المطاط بالكبريت. البلاستيك نوع من البوليمرات الصناعية، والبوليمرات، هي مواد عضوية، طبيعية كانت أو صناعية، تتكون من جزيئات كبيرة مرتبة ومتصلة.

في عام 1907 ابتكر عالم الكيمياء البلجيكي “ليو باكيلاند” (1863-1944) أول بوليمر صناعي من معالجة مركبين عضويين، هما الفينول والفورمالدهيد، وأطلق عليه اشتقاقا من اسمه “باكيليت”، والذي سيطلق ثورة في صناعة البلاستيك. أسس “باكيلاند” شركة لإنتاج البلاستيك سماها “باكيليت كورب”، ولم يمض وقت طويل، حتى عرف البوليمر الصناعي، باكيليت، طريقه إلى كثير من الصناعات، منها صناعة الملابس السيارات والصناعات الكهربية ومواد البناء، تعبئة وتغليف المواد الغذائية، المستلزمات الطبية، الاتصالات والإلكترونيات.

ثورة البلاستيك

بدأ الإنتاج الاقتصادي للبلاستيك منذ منتصف القرن الماضي تقريبا، وساعد ازدهار صناعة النفط في دفع صناعة البلاستيك خلال الثمانينات والتسعينات، ومنذ ذلك الحين، بدأ الإنتاج يتزايد سنويا، فزاد الإنتاج بمقدار عشرين ضعفا خلال نصف قرن، وساهم انتعاش صناعة النفط، وزيادة عدد السكان، والطلب المستمر على المنتجات البلاستيكية، في الزيادة المستمرة في إنتاج البلاستيك، وبالتالي، زيادة توليد النفايات البلاستيكية، والتلوث البيئي المصاحب لها.

وفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، زاد إنتاج البلاستيك في العالم 20 ضعفا خلال نصف قرن. في عام 2015 وصل الإنتاج العالمي إلى 311 مليون طن، زادت في 2018 إلى 380 مليون طن. وعلى الرغم من الانخفاض البسيط في الإنتاج بسبب الإغلاق الذي صاحب ذروة انتشار جائحة كورونا، من 368 مليون طن عام 2019 ، إلى 367 مليون طن في عام 2020. إلا أنه ارتفع في العام الماضي مرة أخرى، ليقترب من 400 مليون طن. وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن نصف البلاستيك المستخدم حول العالم، هو من النوع الذي يستخدم لمرة واحدة فقط.

الصين أكبر منتج، وأكبر مصدر للبلاستيك والمنتجات البلاستيكية في العالم، تنتج وحدها حوالي 30% من الإنتاج العالمي، بينما تستخدم حوالي 20% فقط. وعلى الرغم من أنها حظرت في 2018  واردات النفايات البلاستيكية، ووضعت خطة للتخلص التدريجي من بعض أنواع البلاستيك بحلول عام 2025، لا تزال هي أكبر منتج للبلاستيك، وأكبر مصدر للنفايات في العالم. وتحتل الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة الثانية في الإنتاج بنسبة تقترب من 20% من الإنتاج العالمي. في عام 2016، أنتجت الولايات المتحدة نفايات بلاستيكية أكثر من أي دولة أخرى، متجاوزة جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مجتمعة، حسبما ذكر تقرير صادر عن الأكاديمية الوطنية للعلوم في ديسمبر الماضي.

وفي حين انخفضت مساهمة أوربا في الإنتاج العالمي من 19% عام 2015 إلى أقل من 15% عام 2021، زادت مساهمة دول مجلس التعاون الخليجي لتصل إلى حوالي 20% من الإنتاج العالمي. وتنتج اليابان وحدها حوالي 5% من الإنتاج العالمي، وأستراليا 4%. ومن المتوقع أن يتضاعف الإنتاج خلال 20 عاما، وسوف يتضاعف معه، حجم النفايات.

تقدر “الوكالة الدولية للطاقة” أن قطاع التعبئة والتغليف هو أكبر القطاعات التي تستخدم البلاستيك، يستخدم هذا القطاع وحده حوالي 26% من البلاستيك المستخدم سنويا. قطاع السلع الاستهلاكية 22%، ثم مواد البناء 20%، وصناعة السيارات 9%، والتطبيقات الكهربية 6%، والزراعية بنسبة 3%. ومن المتوقع أن يشهد قطاع التعبئة والتغليف نموًا قويًا ومستمرًا في السنوات القادمة، وأن يتضاعف في غضون 15 عامًا، مع احتمال للزيادة بأربعة أضعاف بحلول منتصف القرن، ليصل إلى حوالي 318 مليون طن سنويًا.

منظمة “تحرر من البلاستيك” (BFFP) هي منظمة غير حكومية تصف نفسها بانها حركة عالمية تتصور مستقبلا خاليا من التلوث البلاستيكي، وتصدر سنويا تقديرا يعتمد على قطع القمامة التي يجمعها المتطوعون، والتي يمكن تحديد الشركات التي أنتجتها. وفقا لهذا المقياس، يعد تغليف الأطعمة جزءا كبيرا من المشكلة، وحسب آخر تقدير للمنظمة، كان أكبر الملوثين شركات: كوكاكولا، بيبسيكو، يونيليفر، نستلة، بروكتر آند جامبل.

أنواع البلاستيك:

معظم البلاستيك المستخدم حاليا يعتمد على البترول، وبحسب المكونات والمواد المستخدمة في الصناعة، توجد أنواع مختلفة من البلاستيك. النوع الأول، البلاستيك المصنوع من ال”بولي إيثيلين تيرفثاليت” (PET). وتُستخدم مادة البولي إيثيلين تيرفثاليت في صناعة علب العصائر وغسول الفم والزيوت النباتية ومستحضرات التجميل والمشروبات الغازية والسمن النباتي وزجاجات المياه. ويستخدم ثالث أكسيد الأنتيمون، كمحفز لإنتاج هذا النوع من البلاستيك، ويصنف الأنتيمون كمسرطن محتمل للإنسان. ويمكن أن يؤدي تعرض هذا البلاستيك لدرجات الحرارة المرتفعة إلى تسرب بعض المواد السامة مثل الإسيتالدهيد والأنتيمون والفيثاليت.

النوع الثاني، البلاستيك المصنوع من البولي فينيل كلورايد، (PVC)، ويستخدم في تعبئة عصائر الفاكهة وزيوت الطعام، وبسبب وجود مكونات كيميائية ضارة (المعادن الثقيلة والدايوكسينات والفثالات)، يعتبر البولي فينيل كلورايد عالي السمية، وكشفت بحوث عن دوره في الإصابة بالتهابات الشعب الهوائية، والعيوب الخلقية، والسرطان ، والأمراض الجلدية، واختلال وظائف الكبد، لذلك انخفض استخدامه بشكل واضح في بعض الدول مؤخرا، لكنه لا يزال يستخدم في دول أخرى.

النوع الثالث، البلاستيك المصنوع من البوليسترين(PS). يستخدم البوليسترين عموما في إنتاج العوازل ومواد التعبئة والتغليف، وتشكل منتجاته خطرا على الصحة، يحتوي هذا النوع من البلاستيك على البنزين، وهو مادة مصنفة كمسرطن للإنسان. وكشفت دراسة أن التعرض للستيرين لفترات طويلة يؤثر على الأعصاب ويسبب تأثيرات خلوية ومسرطنة وأمراض الدم. الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) صنفت الستيرين مادة مسرطنة للإنسان.

النوع الرابع، البلاستيك المصنوع من الكربونات المتعددة، أو البولي كربونات. وتستخدم البولي كربونات في تعبئة السلع الاستهلاكية والزجاجات التي يعاد استخدامها. ويحتوي هذا النوع من البلاستيك على البيسفينول-أ، (BPA)، وهي مادة خطرة ويمكن أن يؤدي تعرضه لدرجات حرارة مرتفعة إلى تسربها إلى الأغذية أو المشروبات، وبعد الإبلاغ عن المخاطر الصحية المؤكدة لمادة البيسفينول-أ في العديد من الدراسات، انخفض استخدام البلاستيك المصنوع من الكربونات المتعددة بشكل كبير.

وتوجد أنواع أخرى تعتبر آمنة لحفظ الأغذية والأدوية والمشروبات، منها البلاستيك المصنوع من البولي إيثيلين عالي الكثافة، وهو الأكثر استخداما في جميع أنحاء العالم، والبولي إيثيلين منخفض الكثافة، والبلاستيك المصنوع من البولي بروبلين، وتستخدم هذه الأنواع في تعبئة الأدوية والألبان والعصائر.

صندوق القمامة أوشك على الامتلاء

تتراكم نفايات البلاستيك في الطبيعة بمعدلات أكبر من قدرة دول العالم على إدارتها بكفاءة وأمان. وصورة رقعة النفايات في المحيط الهادي دليل دامغ على ما وصلت إليه أزمة إدارة البلاستيك ونفاياته في العالم. يبلغ حجم النفايات حول العالم حوالي 300 مليون طن.

وذكرت وكالة التحقيقات البيئية في عام 2020: أن ما يقدر ب12 مليون طن من البلاستيك يتسرب إلى البيئة البحرية سنويًا، ما يؤدي إلى تدهور الموائل البحرية، ويضر بالتنوع البيولوجي، ويقتل الآلاف من الكائنات البحرية، ويشكل تهديدًا للأمن الغذائي والاستدامة وصحة الإنسان، وأن هناك حاجة ملحة لمعاهدة للنفايات البلاستيكية.

ووفقا لتقرير صدر عام 2019 عن مركز القانون البيئي الدولي فإنه “دون إتخاذ إجراءات هادفة، من المتوقع أن يتضاعف تدفق النفايات البلاستيكية إلى النظم الإيكولوجية المائية ثلاث مرات تقريبا، من 11 مليون طن عام 2016،  ليصل إلى 29 مليون طن في عام 2040”. ويتوقع الباحثون أنه بحلول عام 2050، قد تحتوي المحيطات على مواد بلاستيكية أكثر من الأسماك من حيث الوزن. ويضيف التقرير “مع تخطيط الصناعات البتروكيماوية والبلاستيكية لتوسيع هائل في الإنتاج، فإن المشكلة في طريقها لأن تزداد سوءًا”.

وحذر تقرير للأمم المتحدة عام 2020 من أن “النمو المتزايد باستمرار في كمية المواد البلاستيكية المنتجة أدى إلى زيادة كبيرة في توليد النفايات البلاستيكية التي فاقت قدرة المجتمع على إدارتها بشكل فعال”. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت المواد البلاستيكية في النفايات الإلكترونية مصدرا لقلق عالمي على البيئة والصحة العامة، بسبب حجم الإنتاج الكبير، وغياب سياسات واضحة وشفافة لإدارتها في معظم دول العالم. وتشير التقارير الواردة من الصين والهند ونيجيريا إلى أن المواد البلاستيكية الخطرة في النفايات الإلكترونية يمكن أن يمتد تأثيرها إلى خارج مواقع المعالجة.

الآثار البيئية والصحية

في العقود الخمسة الماضية، أصبح البلاستيك منتجًا لا غنى عنه، وينتج العالم من البلاستيك والمنتجات البلاستيكية كميات أكبر من قدرته على إدارتها. وعلى الرغم من أنه كان يُفترض في البداية أن البلاستيك خامل وغير ضار، إلا أن سنوات طويلة من الإنتاج الضخم والرخيص للبلاستيك، والفشل في إدارة الكميات المتزايدة من النفايات، أدت إلى مشكلات متنوعة. تلوث نفايات البلاستيك الأرض والمياه والهواء وتؤثر على الحيوانات والصحة العامة، وتتسبب في مقتل الحيوانات البحرية، وتهدد الأمن الغذائي، وتساهم في تغير المناخ، وتلحق الضرر بالاقتصاد، ويمكن أن تصل جزيئات البلاستيك الدقيقة إلى مجرى الدم البشري.

الخواص الكيميائية والفيزيائية المميزة للبلاستيك، والتي تجعله مناسبا لكثير من الصناعات، مثل مرونته ومقاومته للحرارة، هي نفس الأسباب التي تجعل منه مشكلة بيئية وصحية كبرى. لا يتحلل البلاستيك في الطبيعة بسرعة، تحتاج بعض الانواع إلى مئات السنوات حتى تتحلل، ما يحدث للبلاستيك في الطبيعة، هو أنه يتكسر- سواء بطرق ميكانيكية أو بالحرارة- ويتحول إلى جزيئات كبيرة أو متوسطة أو صغيرة.

وعندما تصل هذه الجزئيات الصغيرة إلى المجاري المائية والمحيطات تأكلها الكائنات الحية البحرية، وحين يتغذي البشر على الأسماك والكائنات الحية البحرية، ينتقل البلاستيك إلى جسم الإنسان. كما أن الأنواع المستخدمة في إنتاج العديد من المنتجات الاستهلاكية، بما في ذلك الأجهزة الطبية وتغليف المواد الغذائية وزجاجات المياه، تحتوي على مواد كيميائية ضارة يمكن أن تؤثر على البيئة والصحة العامة. وأظهرت التقارير أن الجزيئات البلاستيكية الدقيقة والألياف الاصطناعية تبقى في التربة لقرون.

في عام 2012 قدر وجود ما يقرب من 165 مليون طن من النفايات البلاستيكية في محيطات العالم، في حين يتم إطلاق حوالي 8-12 مليون طن إضافي سنويا إلى المحيطات. ويمكن أن يتحلل البلاستيك في المحيطات جزئيا في غضون عام أو أكثر. أثناء عملية التحلل تنطلق ملوثات عضوية سامة يمكن أن تلوث المياه.

وبحسب دراسة نشرت عام 2019 في “دورية علم السموم” فإن أكثر من 260 نوعا من الكائنات البحرية، مثل السلاحف واللافقاريات والأسماك والثدييات، تبتلع جزيئات البلاستيك، ما يؤدي إلى انسداد مسارات الجهاز الهضمي، ويؤثر على غذائها. وحسب الدراسة، يتعرض حوالي 243 نوع من الكائنات البحرية للتشابك مع النفايات التي تعوق حركتها وقد تؤدي في النهاية إلى موتها، ووثقت الدراسة موت حوالي 400 ألف من الكائنات البحرية بسبب ابتلاع جزيئات البلاستيك أو التشابك معها.

ويقتل تلوث الهواء سنويا أكثر من 7 ملايين وفاة مبكرة في العالم، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، ولا يمكن تبرئة حرق البلاستيك والحرق المكشوف لنفاياته من المسئولية. عندما تتحلل النفايات البلاستيكية التي تم دفنها، يتم إطلاق ثاني أكسيد الكربون والميثان في الهواء، وهما الغازان الرئيسيان المسئولان عن الاحتباس الحراري. ويؤدي الحرق المكشوف للبلاستيك والمنتجات البلاستيكية والنفايات، إلى إطلاق ملوثات أخرى منها المعادن الثقيلة والديوكسينات، والتي تلوث الهواء، وتسبب مخاطر صحية على الجهاز التنفسي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم المواد المضافة الموجودة في البلاستيك، مثل البيسفينول-أ، (BPA)  والفيثالات، وثنائي الفينيل متعدد الكلور، (BCPs)، لها تأثيرات ضارة على البشر، وبعضها مواد مسرطنة، وتسبب اضطرابات في الغدد والهرمونات وإنزيمات الكبد، وأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري من النوع الثاني، والاضطرابات العصبية والتهابات الجلد وسرطان البروستاتا وسرطان الثدي.

إدارة النفايات

على الرغم من أن دفن النفايات هو النهج التقليدي الأكثر شيوعًا لإدارة النفايات في العديد من البلدان، إلا أن ندرة المساحات المخصصة لمدافن النفايات أصبحت تمثل مشكلة في كثير من الدول. كان دفن النفايات جذابًا في المملكة المتحدة على سبيل المثال لأنه رخيص نسبيًا، وبسيط لا يحتاج بالضرورة إلى فصل أو معالجة، تسعى المملكة المتحدة حاليا إلى تقليل كمية النفايات المطمورة، لكن حتى الآن 60% من النفايات البلدية في إنجلترا يتم دفنها، وهي نسبة كبيرة مقارنة ب 20% في ألمانيا، و 37% في فرنسا.

ويعتبر الحرق بديلاً لدفن النفايات البلاستيكية، لكن توجد مخاوف متزايدة بشأن الانبعاثات الكيميائية الخطرة أثناء عملية الحرق، حيث تطلق النفايات المحروقة أبخرة وغازات ضارة وملوثة للهواء، كما أن بعض نواتج الحرق يمكن أن تتفاعل مع الماء، الأمر الذي يغير من الرقم الهيدروجيني، وبالتالي، يؤثر في أداء النظم البيئية المائية. بعض النواتج الأخرى، السخام والرماد ومساحيق أخرى، تستقر على النباتات أو في التربة، وقد تنتقل إلى البيئة المائية، أو تمتصها النباتات، التي يتغذي عليها الإنسان والحيوانات والطيور، وبالتالي، تدخل جزيئات البلاستيك إلى السلسلة الغذائية.

ونظرًا لتأثيرها الأخطر على البيئة، فإن حرق البلاستيك أقل استخدامًا مقارنةً بدفن النفايات وإعادة التدوير في معظم دول العالم. السويد والدانمارك واليابان هي استثناءات بارزة في هذا الشأن، لأنها تمتلك مرافق ضخمة لإدارة وحرق النفايات الصلبة، بما في ذلك البلاستيك.

معظم المواد البلاستيكية غير قابلة للتحلل، وبالتالي، فإن العمل الأساسي يجب أن يكون الحد من توليد النفايات، والإدارة الفعالة، وإعادة التدوير. لكن مصطلح إعادة التدوير معقد، ويشتمل على أربعة أنواع من المعالجات. المعالجة الأولية، وتتضمن المعالجة الميكانيكية للنفايات وإعادة إنتاج منتج جديد بنفس الخصائص. المعالجة الثانوية، تتضمن المعالجة الميكانيكية للبلاستيك وتحويله إلى منتج بخصائص أقل جودة. المعالجة الثالثة، تتضمن استرجاع المكونات الكيميائية للبلاستيك. المعالجة الرابعة، وتتضمن استعادة الطاقة من البلاستيك. وفي حين أن إعادة تدوير المعادن يمكن أن تكون مربحة اقتصاديا، لكن إعادة تدوير البلاستيك ليست كذلك، وتوجد صعوبات فنية في إعادة تدوير بعض أنواع البلاستيك، خصوصا تلك المصنوعة من البولي إيثيلين والبولي بروبيليين. في المملكة المتحدة، يتم استهلاك حوالي 5 ملايين طن من البلاستيك سنويًا، لكن ما يعاد تدويره هو ربعها فقط.

خلال العقدين الماضيين أقرت كثير من الدول تشريعات تشجع على إعادة التدوير. نورد منها توجيه الاتحاد الأوربي بشأن نفايات التعبئة والتغليف (94/62 / EC). وسنت ألمانيا تشريعا لتنظيم مسئولية المنتجين الممتدة عن منتجاتهم وإلزام الشركات باسترداد وإعادة تدوير العبوات البلاستيكية. وكذلك حدث في المملكة المتحدة، بالإضافة، إلى فرض ضريبة لدفن النفايات مؤخرا لتمويل أنشطة الحد من النفايات. نتيجة لذلك، زادت بشكل ملحوظ القيمة السوقية للبوليمرات التي يمكن إعادة تدويرها، وبالتالي، زادت جدوى إعادة التدوير خلال السنوات القليلة الماضية. ففي عام 2016، زادت نسبة النفايات البلاستيكية التي أعيد تدويرها إلى 14% من إجمالي النفايات المتولدة سنويا، وكان السبب الرئيسي في هذا الارتفاع اليابان، حيث ارتفعت نسبة النفايات التي يعاد تدويرها هناك من 39% عام 1996، لتصل إلى 83% عام 2014، وفقا لمعهد إدارة النفايات البلاستيكية.

التركة الثقيلة والخطيرة التي خلفتها صناعة البلاستيك على مدى أطول من نصف قرن أكبر من أن تعالج بإعادة التدوير. تكشف الأرقام أنه من بين 8.3 مليار طن تم إنتاجها منذ منتصف القرن الماضي وحتى الآن، فإن ما تم إعادة تدويره في العالم لا يزيد على 9% فقط، وتم حرق 12% من النفايات، أي أن الجزء الأكبر من نفايات البلاستيك في العالم- حوالي 79% -إما تم دفنها، أو تركت لتتسرب إلى الأرض والهواء والمحيطات والغلاف الجوي، ومنها إلى النباتات والحيوانات والبشر.

ستناقش الاجتماعات التي تبدأ غدا في نيروبي مدى شمولية المعاهدة التي يكتبونها: هل يجب، على سبيل المثال، حماية المحيطات فقط أم الكوكب بأسره؟ هل ينبغي أن تركز بشكل أساسي على إعادة الاستخدام/ إعادة التدوير، أو التحكم في كل مرحلة من مراحل تصنيع البلاستيك وتداوله ومعالجة النفايات؟

بينما وافقت معظم الدول على المشاركة، لم يتم الاتفاق بعد على نطاق وتوقيت مثل هذه الاتفاقية، وعبرت العديد من الدول والمنظمات البيئية وصناع البلاستيك وشركات البتروكيماويات، عن أفكار مختلفة حول ما يجب وما لا يجب تضمينه في المعاهدة. في حين تضغط المنظمات البيئية غير الحكومية من أجل معاهدة شاملة، ترغب شركات البلاستيك، التي تقول إنها تدعم التنظيم، في الحد من نطاق المعاهدة.

في الاجتماعات السابقة للجمعية ناقش المندوبون الحاجة إلى اتفاقية دولية للبلاستيك، لكنهم لم يتمكنوا من الاتفاق على طريقة لتحقيق الهدف. في عام 2019 حصل الاهتمام بالبلاستيك على زخم جديد بعدما دعا مجلس الشمال- وهو اتحاد برلمانات من الدنمارك وفنلندا وأيسلندا والنرويج والسويد وجزر فارو وجرينلاند وأولاند ، وهي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي في فنلندا – إلى إبرام مثل هذا الاتفاق. نتيجة لذلك، برزت القضية على جدول أعمال الجمعية هذا العام.

وفقًا لمؤسسة “حساء البلاستيك”، وهي منظمة غير حكومية مقرها أمستردام، تناقش الاجتماعات القادمة للجمعية مسودتين متنافستين: مسودة أكثر شمولا، برعاية رواندا وبيرو، يسعى للتعامل مع التلوث البلاستيكي في العالم، بدءا من الإنتاج وصولا إلى إدارة النفايات. المشروع الآخر، برعاية اليابان، ويركز بشكل ضيق على المحيطات والاستخدام النهائي للمنتجات البلاستيكية.

لا يمكن تلخيص أزمة البلاستيك في نفاياته، ولا يمكن اختزال مشكلة التلوث في تلوث المحيطات، ولا يمكن حل مشكلة النفايات بإعادة التدوير. ينتج العالم بلاستيك أكثر مما يحتاج، ونفايات أكثر مما يستطيع إدارتها، فهل تنجح الدورة الخامسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة في وضع حد لكارثة البلاستيك؟

يوم الثلاثاء الماضي أصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) تقريرا عن البلاستيك. يقدم التقرير عرضا تفصيلا لدورة حياة البلاستيك، من الإنتاج إلى إدارة النفايات، لكن أهم ما توصل إليه التقرير، هو أنه يدعو دول العالم إلى تخفيض الطلب على البلاستيك، أي، خفض الإنتاج، فهل هذا وارد في حساب الشركات الخاصة؟ وهل يمكن أن تضحي الشركات بجزء من أرباحها، في مقابل إنقاذ الأرض والبشر والكائنات الحية البحرية من نفايات البلاستيك؟