تستميت قوات روسيا بأوكرانيا في المعارك المتعلقة بالسيطرة على المحطات النووية والكهرومائية. إذ تحميها بكل الوسائل الممكنة لمنع عودتها لأيدي الأوكرانيين.

يشير ذلك التصميم إلى أهمية تلك المحطات في الاستراتيجية الروسية للمعركة. ففي ظل الأزمة الخانقة التي يعانيها قطاع الكهرباء الأوكراني قبل الحرب تصبح الكهرباء السلاح الفعال في المعركة.

ومنذ نوفمبر الماضي تبنت موسكو قرارًا بتعليق إمدادات الفحم إلى أوكرانيا بحجة توفير الطلب المحلي لتفقد الأخيرة 60٪ من إجمالي الوقود المستخدم في التدفئة.

تبين حينها أن احتياطيات الفحم في 7 محطات فرعية كهربائية (كوراخوفسكايا وزابوروجي وزمييفسكايا وأوجليجورسكايا وسلافيانسكايا وتريبولسكايا وبريدنيستروفسكايا) أقل بكثير من الحد الأدنى المضمون للحجم المطلوب.

التعاطي مع ملف الفحم يظهر تخبطا في الحكومة الأوكرانية التي سبق لها إغلاق ٥ محطات لتوليد الكهرباء تعمل بالفحم في 2017 ومنع مرور القطارات المحملة به من منطقة دونباس. وذلك للإضرار بالانفصاليين قبل أن تعيد استيراده من روسيا مجددا ومعها تشغيل المحطات.

عندما أوقفت روسيا التصدير توقفت 51 من وحدات الطاقة الأوكرانية الحرارية بسبب نقص الوقود وظل 37 منها. قبل أن توقف أخيرا محطة “تريبولسكايا” الحرارية التي تعتبر من أضخم محطات كييف عن العمل بسبب انخفاض إمدادات الفحم للحد الأدنى.

أوكرانيا وحرب الطاقة

أصبحت روسيا وبيلاروسيا حاليا المتحكم في طاقة أوكرانيا. حتى أن شركة “أوكر إينرجو” اضطرت لاستخدام المساعدة الطارئة من منظومة الطاقة في بيلاروسيا بحوالي 3500 ميجاوات/ساعة.

يقول الخبير الاقتصادي الأوكراني فالنتين زيمليانسكي إنه لم يبق بمحطات توليد الكهرباء بأوكرانيا ما يكفي من الفحم إلا ١٧ يوما في المتوسط. لذلك ستبدد البلاد احتياطيات الغاز المتبقية بشكل مكثف.

لا يمكن لأوكرانيا التعويل على الاستيراد مع إغلاق المواني. وأقرب ميناء يمكن تفريغ الفحم فيه لنقله عن طريق السكك الحديدية هو كونستانتا الرومانية. لكن مولدوفا أغلقت الحدود مع أوكرانيا.

لن تسمح مولدوفا لنفسها بالتورط وأعلنت صراحة على لسان نائب رئيس حكومتها ووزير خارجيتها نيقولاي بوبيسكو أنها منذ عام 2014 لم تؤيد العقوبات الغربية ضد موسكو. وتعتزم الحفاظ على هذا المسار لأسباب اقتصادية نظرا لأن الاقتصاد المولدوفي يعتمد بشكل كبير على العلاقات مع روسيا. خصوصا قطاع الطاقة.

أوكرانيا حاصرت نفسها بتدمير الجسور

منذ بدء الحرب دمرت أوكرانيا الكباري على الممرات المائية لمنع تقدم القوات الروسية ما يمنع تداول الفحم حتى حين استيراده وانتقاله بسلاسة بين المناطق التي تحتاح تعزيزًا سريعا. والطيران الروسي فرض السيطرة الجوية كاملة ما يحول دون استخدام الطائرات.

قطعت أوكرانيا قبل أسبوع خطوط نقل الطاقة من روسيا وبيلاروس. التي كانت تحصل عليها حتى وقت قريب. ولا يمكنها سوى استخدام الخط المار بأراضيها المار لألمانيا.

لا يتبقى في جعبة أوكرانيا سوى محطات الطاقة الكهرومائية. لكن القوات الروسية سيطرت على محطة الطاقة الكهرومائية في كاخوفسكايا. والتي لا تزال تعمل.

كما سيطرت موسكو على محطة زابوروجي للطاقة النووية. والتي تمثل 20% من إجمالي الكهرباء المولّدة في أوكرانيا. وقبلها محطة تشيرنوبل التي تفرض عليها القوات الروسية طوقا أمنيا.

في غضون أسبوعين ستنفذ إمدادات الفحم وتبدأ البلاد أزمة طاقة كارثية. وإذا توقفت روسيا عن ضخ الغاز إلى أوروبا عبر أوكراني.، فسوف تندلع الأزمة أسرع وأقوى.

ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن أوكرانيا تخشى أن يسرّع الأوروبيون تشغيل خط أنابيب غاز “نورد ستريم 2” الروسي الألماني الذي سيسمح بتزويد أوروبا بالغاز عبر الالتفاف على أوكرانيا. ما سيحرم الأخيرة من 2 مليار يورو سنويا رسوم مرور.

الأسوأ في أزمة الطاقة لم يأت بعد

 لكن سيزداد خطر تلف خطوط الأنابيب مع تصاعد القتال. وقد تسعى روسيا إلى رفض رسوم العبور الأوكرانية من خلال إعلان القوة القاهرة لإزالة المسؤولية الروسية عن شحنات الغاز عبر هذا الطريق. ما يضرب موارد الاتحاد الأوروبي المالية أيضًا عبر رفع تكلفة الإمدادات البديلة.

الجميع يخشى تفعيل موسكو قوة الردع النووية لكنها ليست السلاح الأقوي في يد بوتين. فخفض إمدادات النفط والغاز الطبيعي الروسية إلى الأسواق سيحمل آثارا غير مباشرة وسيزيد ارتفاع أسعار الفحم والغاز الطبيعي المسال. ما يضيف موجة أخرى من التضخم.

ارتفاع التضخم الذي يهدد أمريكا وأوروبا حاليا ربما يجبرهما في نهاية المطاف لتحقيق هدف موسكو من الحرب. بتعهد يمنع انضمام أوكرانيا أو شقيقاتها من شرق أوروبا إلى الناتو. فوفق مجلة فورين بوليسي الأمريكية فإن بوتين وضع العالم كله في أزمة طاقة.

أما إقالة النظام الأوكراني فربما تتم عبر الشعب ذاته. فصحيح أن الأوكران متحدون الآن. لكن المعارضة بدأت الهجوم بتحميل النظام مسؤولية التحرش بموسكو وجر أوكرانيا المحايدة للحرب لمجرد محاولة ريما تنحج لإضعاف روسيا اقتصاديا وعسكريا دون اكتراث لمصير كييف.

متى يعلنون أوكرانيا بلدا محايدا؟

حزب “منصة المعارضة من أجل الحياة” الأوكراني حث سلطات كييف لبدء المفاوضات مع موسكو بشكل عاجل وإعلان أوكرانيا التزام الحياد بين روسيا والناتو. وقال: “لا أحد يدعونا إلى حلف الناتو. وقد فهمنا بالفعل جوهر الحلف. وسنصر بالتأكيد على إعلان الموقف المحايد للبلاد”.

ستعاني أوكرانيا -البلد الغنى بالثروات لكنها فقيرة- بسبب حاجتها إلى مليارات اليوروهات من أجل إعادة الإعمار وبناء الجسور التي دمرتها بنفسها. ولن تنال عضوية الاتحاد الأوروبي الذي لن يقبل بتحمل التكلفة ما سيضعف النظام مهما كانت نتيجة الحرب.

بحسب البرلمان الأوكراني فإن البلد الزراعي الكبير يعاني نصف سكانه من الفقر منذ جائحة كورونا. بينما كانت لدى الحكومة خطة لتخفيض عدد الفقراء للربع بحلول 2030. وهو ما لن يتحقق بسبب تداعيات الحرب.

لا يمكن رصد تكلفة الحرب في أوكرانيا حتى الآن. لكن يمكن القياس على منطقة دونباس الانفصالية التي قالت دراسة إن فاتورة إعادة الإعمار بها إذا استردتها كييف تقدر بنحو 21.7 مليار دولار.