بـ”عدم الاختصاص ولائيًا بنظر الدعوى”، أصدرت محكمة القضاء الإداري قرارها في الطعن رقم 22475 لسنة 75 ق. وهو المقدم من محامي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية علاء فاروق ضد رئيس الجمهورية وآخرين فيما يُعرف بقضية “رفع ميزانية التعليم”. وذلك طعنًا على القرار السلبي بعدم رفع قيمة الإنفاق على التعليم، للوصول إلى النسبة المقررة طبقًا للدستور الحالي. وقد تقدم علي فاروق بتلك الدعوى بصفته الولي الطبيعي على ابنته القاصرة. وتدرس في المرحلة الإعدادية بإحدى مدارس محافظة الجيزة. بينما طلبت المبادرة من المحكمة إيداع أسباب حكمها الذي صدر السبت. وذلك حتى يتمكن محاموها من الطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا.

قضية “ميزانية التعليم”.. محاولة لإلزام الحكومة بالدستور

كانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قد تقدمت بهذا الطعن أمام القضاء الإداري في محاولة لإلزام الحكومة بالوفاء بالتزاماتها الدستورية. وهي المنصوص عليها في المادة 19 من الدستور المصري، بإلزام الحكومة بتخصيص “نسبة من الناتج القومي الإجمالي لا تقل عن 4٪ للإنفاق على التعليم الإلزامي حتى المرحلة الثانوية، وتتصاعد النسبة تدريجيًا حتى تصل للمعدلات العالمية”. وهي المادة التي دخلت حيز النفاذ بعد ثلاث سنوات من إقرار الدستور الحالي في الاستفتاء الشعبي عام 2014. وبذلك أصبحت ملزمة للحكومة بدءًا من موازنة العام المالي 2016/2017.

في صحيفة الدعوى، قال محامي المبادرة إن الحكومة المصرية خلال السنوات السابقة كانت تسير في مجمل إنفاقها باتجاه معاكس تمامًا لتلك الالتزامات الدستورية. وقد أخذ في الاعتبار التوجه الرسمي للتقشف وضغط النفقات العامة في المجمل. وكان ضمن ذلك التقشف الإنفاق على قطاع التعليم، ومحاولة زيادة العائدات بالتوسع في ضرائب الاستهلاك المباشرة على المواطنين، كضريبة القيمة المضافة، أو رفع قيمة كثير من الرسوم المحصلة من المواطنين نظير خدمات بعينها.

“ميزانية التعليم”.. نحتاج لـ 19% من أموال الضرائب

وخلال العام الماضي، خصصت الحكومة ما نسبته 2.3% من الناتج الإجمالي لكل من التعليم قبل الجامعي والعالي مجتمعين. ووصلت النسبة في العام المالي الحالي إلى 2.42%. وبذلك، فإن المخصص لقطاع التعليم بالمجمل (قبل جامعي وعال) أقل من نصف النسبة التي حددها الدستور للقطاعين. وهي 6% من الناتج القومي الإجمالي.

ومن أجل الوفاء بالنسبة التي حددها الدستور، كان ينبغي على الحكومة أن تزيد على المبلغ المخصص للتعليم قبل الجامعي وحده نحو 255 مليار جنيه. ويعادل المبلغ المطلوب نحو 19% من أموال الضرائب التي جمعتها الحكومة بالفعل من المواطنين في العام المذكور، وفق صحيفة الدعوى.

وتشير الصحيفة أيضًا إلى أن تراجع الإنفاق العام على التعليم قد انعكس على نصيب الفرد. وبالتالي على مدى إتاحة وجودة الخدمة التعليمية.

ففي محافظة الجيزة، التي يقيم بها الطاعن، ووفقًا لكتاب الإحصاء السنوي لوزارة التربية والتعليم، لم يتجاوز نصيب الفرد من الإنفاق العام على التعليم في العام المالي 2017-2018 مبلغ 2000 جنيه. ويفترض بهذا المبلغ أن يغطي كافة تكاليف العملية التعليمية لطالب واحد في عام واحد في المرحلة قبل الجامعية.

وبالتبعية زاد عدد الطلاب في الفصل، وفقًا للمصدر نفسه، من 35 طالبًا وطالبة في عام 2014 إلى 52 طالبًا وطالبة في عام 2017. ذلك فضلًا عن كون تراجع الإنفاق العام انعكس على البنية التحتية للمؤسسات التعليمية. فلم تُبنى منشآت جديدة تستوعب الزيادة المتوقعة في عدد الطلاب، كما تلفت صحيفة الدعوة، والتي ذكّرت بانعكاسات ذلك على جودة العملية التعليمية في المجمل.

الاتجاه النزولي في الإنفاق على التعليم ومبررات الحكومة

وفق المبادرة المصرية، فإن نسبة الإنفاق على التعليم اتخذت اتجاهًا نزوليًا منذ صدور الدستور عام 2014. وقد بلغت نحو 4.4 % في عام 2014/2015. ثم تناقصت حتى وصلت إلى 2.9% في عام تعويم الجنيه (2016/2017). وهو العام الثالث الذي كان لابد -وفقًا للدستور- أن يشهد التزامًا حكوميًا بالحد اﻷدنى للإنفاق الحكومي على هذا البند. وهو ضمن اﻷركان الأساسية للعدالة الاجتماعية التي نص عليها الدستور المصري. كما أنه أولوية لكل أسرة مصرية تضطر إلى تعويض هذا التقصير من ميزانيتها الخاصة. ذلك دون الحصول على نوعية جيدة من تعليم تستحقه اﻷجيال الناشئة.

تبرر الحكومة عدم التزامها بالدستور فيما يتعلق بالإنفاق على التعليم، فتوضح المبادرة المصرية أن باب فوائد الدين الحكومي هو الباب اﻷكبر في الإنفاق الحكومي. كما تظهر بيانات الموازنة العامة، أن الحكومة تلجأ كل عام إلى إضافة ما يعادل 10% من قيمة الفوائد إلى مخصصات التعليم. وهي إضافة شكلية -وفق صحيفة الدعوى- تقدم إلى البرلمان فقط. في حين لا تظهر في أي وثائق رسمية تتعلق بالموازنة العامة، كما لا تسهم في أي زيادة في الإنفاق على التعليم، كما ينص الدستور. بل إن المبالغ التي تتم إضافتها في حقيقة اﻷمر هي مبالغ مدفوعة إلى الدائنين، أي أنها تنتقص من قدرة الدولة على تمويل اﻹنفاق على أوجه العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وعلى رأسها التعليم والصحة.