تفاصيل صغيرة تحكم عالم كرة القدم خاصة في المستوى العالمي بين كبار الأندية والمنتخبات على كوكب الأرض. ولكن رغم صغرها لكن تأثيرها يكون كبير وكبير للغاية، هذا نصًا ما يوصف حالة نادي برشلونة هذا الموسم.
ففي نصفه الأول وخاصة بعد صدمة رحيل أسطورته ليونيل ميسي صوب باريس سان جيرمان. وصل الفريق لقمة الضياع الفني وعلى مستوى النتائج رفقة المدرب الهولندي رونالد كومان. الأمر الذي وصل ببرشلونة للمركز التاسع بجدول الترتيب وكلفه الخروج من دور المجموعات لدوري أبطال أوروبا وعدم التأهل لثمن النهائي والتحول للعب بالدوري الأوروبي.
قبل أن تغير تلك التفاصيل الصغيرة الأمور رأسًا على عقب، مع تولي تشافي هيرنانديز نجم الفريق السابق مسؤولية تدريبه. ليتحول مسار الموسم 180 درجة كليًا لهم من القاع إلى قمة اللمعان. ويعيد للأذهان نسخة برشلونة الذهبية في حقبة المدرب الأشهر بيب جوارديولا. فكيف حدث ذلك؟ وما الذي فعله تشافي لتحقيق هذه النقلة النوعية الكبيرة في مستوى ونتائج البارسا، هو ما نستعرضه تفصيلاً بالمحاور الآتي.
تطور فني شامل ونتائج عظيمة
شهد أداء برشلونة تطورًا فنيًا ملحوظًا في الدوري الإسباني منذ بداية الدور الثاني للبطولة المحلية. حيث قاد المدرب الإسباني الفريق للفوز بمباريات كبيرة بأداء ممتع، تشافي استطاع الفوز على فياريال وريال مايوركا وألافيس وفالنسيا خارج أرضه وأخيرًا بيلباو بالكامب نو. كما خطف نقطة التعادل خارج أرضه مع إسبانيول وغرناطة وإشبيلية وأوساسونا. كما حقق النادي الكتالوني فوزًا كبيرًا على أتلتيكو مدريد حامل اللقب بأربعة أهداف مقابل هدفين.
وإجمالاً حقق المدرب الإسباني 8 انتصارات و4 تعادلات وخسارة وحيدة، بإجمالي 28 نقطة من أصل 39 نقطة ممكنة. ليصعد بالترتيب للمركز الرابع المؤهل لدوري أبطال أوروبا برصيد 45 نقطة ولديه مباراة أقل عن ثلاثي المقدمة. ليكون قريبًا بشدة من حسم مقعد مؤهل لدوري أبطال أوروبا بالموسم الجديد بعد دور أول مخيب للآمال ومركز بعيد للغاية عن دائرة الضوء.
كما حقق الفريق رباعيات عديدة على فرق كبيرة، حيث فاز بالأربعة على أتلتيكو مدريد وفالنسيا ونابولي وبلباو بمختلف المسابقات واستقبل 4 أهداف فقط بهم. وهو ما يدل على التطور الكبير على المستوى الفني ما أدى لتغيير شامل على النتائج لبرشلونة مع تشافي.
صفقات مميزة صنعت الفارق
أبرم النادي الكتالوني في الانتقالات الشتوية عدة صفقات، ساعدت البارسا على تطوير أداءه الهجومي. حيث تعاقد مع أداما تراوري وبيير إيمريك أوباميانج وفيران توريس. بالإضافة لعودة ظهيره الأيمن المخضرم داني ألفيش.
وساعد فيران توريس نادي برشلونة بتسجيله هدفين وصناعة مثلهما في 7 مباريات في جميع المسابقات التي شارك بها. كما أنه ساعد البارسا في التعادل مع نادي نابولي في ذهاب الدوري الأوروبي. بينما تألق أداما تراوري هو الأخر منذ عودته إلى فريق طفولته، بعد أن صنع هدفين في 4 مباريات شارك بها في جميع المسابقات.
أما الجابوني أوباميانج هو الأخر أعاد مستواه المتميز الذي تعود أن يظهره في بوروسيا دورتموند وأرسنال. حيث سجل 5 أهداف خلال 5 مباريات، منهم ثلاثية “هاتريك” في مباراة واحدة أمام فالنسيا. ليؤكد أنه صفقة رابحة للغاية للفرق الكتالوني بعد نصف موسم أول كارثي رفقة فريقه السابق أرسنال.
أخيرًا قدم ألفيش مستويات رائعة رغم تقدمه في العمر مع البارسا، وأضاف كثيرًا للفريق بمركزه كظهير أيمن خاصة بالشق الهجومي. وساعد كثيرًا في تطور مستوى زميله ديست ظهير البارسا الأيمن منذ بداية الموسم. وكان مستواه متذبذبًا في كثير المباريات، فقدوم ألفيش طور الجبهة اليمنى فنيًا وهجوميًا وساعد على تطور زميله الشاب كثيرًا بمستواه الفني ليتحسن بشكل ملحوظ.
جانب تكتيكي وخططي يعيد برشلونة جوارديولا
أعاد تشافي برشلونة لطريقة لعبه وتكتيكه ونظامه الخططي الأساسي دون تعديلات أو تأليف بجانب هجومي مدمر. مثلما كان الحال مع جوارديولا في الحقبة الذهبية، وأصر عليه رغم ضعف الإمكانيات من اللاعبين وأغلبهم شباب لتطبيق الأسلوب بالشكل الأمثل. حتى تحسنوا وتطوروا بالشكل الجيد الذي يمكنهم تنفيذه بطريقة مثلى مع الصفقات الجديدة. ليخرج برشلونة من القمم ويصبح ماردًا كما عرفه الجميع من قبل.
لعب تشافي بطريقة لعب معتادة 4-3-3 ولكن بشكل مختلف سريع ويأخذ أشكالًا مختلفة في الهجوم. كما هو منتظر من فريق يطبق أسلوب الاستحواذ الشهير به البلوجرانا “تيكي تاكا”.
اللعب التمركزي هو دائمًا جزء لا يتجزأ مما تتطلع فرق تشافي إلى القيام به في لعبة تيكي تاكا الخاصة بهم في الحيازة على الكرة. حيث ينقلب المدافعين مع الجناحين أو لاعبي الوسط على نطاق واسع (عادة كلاهما) والعكس صحيح. فهم يعملون في المناطق الواسعة ويتطلعون إلى خلق أعباء زائدة لا مثيل لها، مع انجراف العديد من اللاعبين إلى جانب واحد. والفكرة من وراء ذلك هي إما أن يفوق الخصم عددًا ثم يلعب تمريرة حاسمة أسفل الخط؛ أو لعزل الخصم على الجانب الآخر وتبديل اللعب.
هذا الأسلوب مع عودة تطبيقه مثلما كان بفعل جوارديولا وكان تشافي لاعبًا مركزيًا معه آنذاك. نقل برشلونة نقلة نوعية كبيرة على الجانب الفني والمستوى والظهور بشكل رائع وتقديم كرة البارسا الفنية الجمالية المعتادة سابقًا. بعد فترة من الجمود والقبح الفني لكرة المدرب كومان آخر عامين رغم وجود ميسي داخل الفريق وعلى أرضية الملعب.
تحسين مستوى الجميع وكسب رهان الشباب
تطور مستوى لاعبي برشلونة بشكل ملموس وواضح منذ قدوم تشافي، خاصة جوردي ألبا وبيكيه من النجوم المخضرمة. بالإضافة للنجوم الشابة مثل بيدري ودي يونج وجافي وديست وأراوخو والباقية تحديدًا في آخر 5 مباريات. هجومًا ودفاعًا تحسن الجميع بشكل كبير للغاية في فترة قصيرة. فعمل المدرب كان واضحًا مع كل اللاعبين وظهروا بشكل مغاير تمامًا في أرضية الملعب بالأخص آخر شهر.
تشافي كان له تصريحًا شهيرًا منذ حوالي 3 مواسم، قال فيه إن برشلونة من الصعب أن يعود للواجهة من جديد. إلا إذا عاد للهيمنة على مجرى المباريات مرة أخرى، وذلك في إشارة منه لضرورة العمل على العودة للجذور وهوية الفريق وأسلوبه الكروي. التي بسببها وصل لذروة كرة القدم في فترة ما، والرائع أنه يسعى بالفعل بقوة في هذا الاتجاه منذ توليه مسؤولية تدريب البارسا.
كما أن المدرب التشيلي السابق لريال مدريد ومانشستر سيتي بيليجريني. كان له تصريح قديم كذلك قال فيه إن أسلوب “التيكي تاكا” لن ينتهي بخروج بيب جوارديولا من برشلونة. بل بخروج تشافي منها، وهو ما حدث حرفيًا بعد عودته كمدرب للبلوجرانا بالفترة الأخيرة.